لا شك أن عرض الصورة من كل جوانبها، إضافة إلى الموضوعية والحيادية في نقل الأخبار، هي خصال حميدة، يجب أن تلازم كل صحفي يرغب في أن يتصف بالمصداقية من قبل المشاهدين والمستمعين والقراء. لكن هؤلاء للأسف قلة قليلة. وأكثر الصحفيين يفتقرون لهذه الصفات. فمنهم من تغلبهم عواطفهم، ومنهم من تغلبهم أهواءهم، ومنهم من تغلبهم التزاماتهم أو عقودهم. ومنهم من يرغب بالإثارة، فينقل الخبر منقوصا أو مبهرا (مخلوطا بالتوابل والبهارات).
السيدة بهية مارديني مراسلة إيلاف في سوريا نقلت خبرا بتاريخ (17 مارس 2007) بعنوان (طرد طالبة محجبة من مدرستها في حلب). وفي العنوان الكثير من الإثارة، والغمز واللمز. لكننا من خلال السياق نفهم أن الموصوفة ب(الطالبة) ليست طالبة جامعية، بل هي (طفلة) في الثانية عشر من العمر.
وتتابع السيدة مارديني نقل الخبر فتقول: (و في بداية العام الدراسي وعندما قررتgt;أي الطفلةlt; وضع الحجاب، ورفضت خلعه، مُنعت من دخول المدرسة رغم كل المحاولات لإعادتها).

أولاً: لا بد لنا أن نسأل السيدة مارديني هل يمكن لطفلة في الثانية عشر من العمر أن تقرر ارتداء الحجاب؟ أم أن هناك من يقرر لها؟ وهل تستطيع طفلة في هذا العمر أن تفهم هذه الأمور؟ بل هل هي على مقدرة عقلية ونفسية لتعرف الخير من الشر، والحلال من الحرام؟ إذن هل سقطت كلمة (تقرر) سهوا من السيدة مارديني، أم أنها تقصّدت كتابتها؟

ثانياً: كان على السيدة مارديني أن تكون أكثر مهنية، فتغطي الخبر من جميع جوانبه، كي يتمكن قراء إيلاف من الإحاطة بكل جوانب الصورة. لا أن تكتفي- كما فعلت- بعرض جانب واحد من الصورة، وتلتقي بأم الطفلة فقط وتنقل عنها ما نقلت من غمز ولمز بالمدرسة ونظامها وتوجهاتها! (إن هناك زيارات دائمة للقنصل الفرنسي إلى المدرسة بناء على دعوات من إدارتها، وربما هذا هو ما جعلهم يعتبرون منظر الحجاب تشويهًا لزيهم وحفلاتهم، ويتعارض مع اللباس التقليدي. وأضافت أن هذه المدرسة باتت معروفة بأنها تجمّع دينيّ أكثر مما هي منبر تقليدي حيث تُلقى صباح كل يوم على التلاميذ المواعظ والتراتيل قبل دخول الصفوف وليس أسبوعيًا كمعظم المدارس).
كان على السيدة مارديني أن تقدم نبذة مختصرة عن السيرة الذاتية للمدرسة، وسمعتها التربوية والتعليمية بين الناس، وأسباب تسابق العائلات- وإصرار أهل الطفلة- لتسجيل أبناءهم وبناتهم في تلك المدرسة رغم إنها مدرسة خاصة ذات طابع ديني معين!، وأقساطها المالية السنوية مرتفعة جدا قياسا بالمدارس الخاصة الأخرى. ثم كان على السيدة مارديني أن تلتقي بإدارة المدرسة وتنقل للقراء رأيها بحادثة الطفلة وحجابها! فربما كانت لهم أسبابهم، وربما كانت الصورة مختلفة.
كما كان يستحسن من السيدة مارديني أن تتصل بمديرية التربية بالمدينة لتعرف منها إن كانت على علم بطرد الطفلة للأسباب التي ذكرتها المراسلة. وتنقل لنا رأيهم وتعليقهم على حادثة (الطرد)، والإجراءات التي اتخذنها مديرية التربية، أو الممكن أن تتخذها. لكن مراسلة إيلاف لم تفعل، لأسباب نجهلها، حبذا لو أفادتنا السيدة مارديني بها.

ثالثا: ولأن العلاقات السورية الفرنسية ليست في أحسن حالاتها، فقد أبرزت لنا السيدة مارديني تحريض أم الطفلة على المدرسة وإدارتها، من خلال إثارة الشبهات، والإخبار عن العلاقات المتينة بين القنصل الفرنسي وإدارة المدرسة. فقد قالت: (إن هناك زيارات دائمة للقنصل الفرنسي إلى المدرسة بناء على دعوات من إدارتها، وربما هذا هو ما جعلهم يعتبرون منظر الحجاب تشويهًا لزيهم وحفلاتهم).

كلمة أخيرة لـquot;المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورياquot; حيث السيدة مارديني ليست بعيدة عن أصحاب هذه المؤسسة (وأعربت المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا عن بالغ قلقها لولادة تلك الظاهرة المريضة).
إن الظاهرة المريضة- لو كانت المنظمة إياها قد قرأت البيان العالمي لحقوق الإنسان، وحقوق الطفل- هي تحجيب الأطفال.
[email protected]