أ ُبتلينا كعرب ومسلمين بعقول متطرفة غارقة بالمقدس الذي جعلهم يتصورون توقف الزمن بحدود ما قبل اربعة عشر قرنا مضت، وهؤلاء يعتبرون هذه الفترة الطويلة قصيرة جدا، فحينما نتحدث عن عدم رغبتنا بالعودة الى الوراء يذكروننا بزمن جاهلي سحيق ويعتقدون انهم يحرجوننا عندما يصورون ما نقوله رغبة بالعودة الى العصر الجاهلي، مارين مرور الكرام على الزمن الاسلامي وكانه زمن حديث ولا يدعو الى اي تغيير وبانه ليس هو الوراء الذي نقصد انما هو الحاضر والمستقبل والجاهلية وحدها هي العصر الذي خلفناه.
ان الحضارة البشرية الحديثة تحسب الان منذ الابتكارات العلمية التي غيرت وجه التاريخ وغيرت اساليب الحياة البشرية، فكيف ينسى هؤلاء ما أحدثه العلم- الآتي من الغرب الكافر كما يسمونه - من تغيير بعض الدول العربية كدول الخليج العربي التي كانت اقرب الى الحياة البدائية، حيث بيوت الطين المتناثرة هنا وهناك التي لا تملك اية وسيلة من وسائل الحياة الحضرية، اصبحت اليوم وتحولت الى مدن ضخمة وشوارع وابنية وبحيرات صناعية واجهزة تبريد حيث قفزت هذه البلدان بعد اكتشاف البترول وتطويعه لصالح الانسان ورفاهيته، فهل هناك وجه مقارنة بين حياة بعض دول الخليج كالامارات قبل خمسين او ثلاثين سنة وحياتهم اليوم؟
اذن لا بد لنا عند الحديث عن الزمن الوراء ان لا نفكر بالعودة الى ازمنة غابرة ليس لها اية علاقة بنا اليوم، فالمقارنة مضحكة جدا لان الشعوب تنظر الى الامام وتنظر لتجاربها قبل اعوام قليلة قد تصل الى خمس سنوات أو عشر سنوات لتقارن الايجابيات التي ازدادت بحياتها عبر هذه السنين كما توضع خطط التنمية الخمسية والعشرية. اذن فما فائدة المقارنة مع الزمن الجاهلي؟
ثم اننا لا نعيش على هذه الكرة الارضية لوحدنا، فلماذا لا نرى كيف وصلت الشعوب الاخرى لأهدافها نحو الامن والسلام والرفاهية؟
ان كل الاوروبيين عندما تحاورهم يدركون ان الحروب التي كانت تعصف باوروبا هدأت بعد ان انفصلت الكنيسة عن الدولة وتركت الدين لله والوطن للجميع، وان الرفاهية الاقتصادية مرتبطة بالاستقرار السياسي، فلماذا نصر نحن على عدم الاستفادة من تجارب العالم الذين نتهمهم بسرقة تراثنا الحضاري لانهم استفادوا من اولويات وبديهيات كان العرب والمسلمون قد بدأوها بازمان بعيدة وتوقفوا عندها، اما الغربيون فقد اعتبروا ان الفكر ليس حكرا على احد انما هو نتاج بشري يعود على كل البشر الساكنين هذه الارض..وها نحن اليوم نستفيد من كل مبتكراتهم التي لا غنى لنا عنها ابدا.
لماذا لا نبصر ان بلداننا تزداد فقرا وحروبا وقهرا ولا استقرارا يوما بعد اخر ونصر على ان المقدس هو البقاء على حالنا منذ اربعة عشر قرناً من التعاسة والتراجع والامية والموت اليومي والقهر والبكاء على المقابر؟
لماذا لا تعرف شعوبنا السعادة الحقيقية ونصر على البقاء بيوتوبيا الحصول على حياة اخرى بعد الموت ولا نقدس حياتنا التي هي هبة الله لنا؟
لماذا تتدحرج المؤسسات الدينية في بلداننا لتستولي شيئا فشيئا على السلطة وعلى تفكير الناس ومقدراتهم حتى اصبحنا ثقلا على غيرنا واصبحنا مشكلة نشيع الرعب في كل العالم، بل اصبحنا وحوشا ومجرمي العالم الحاملين سيوفهم ومفخخاتهم لينشرون الموت والدمار اينما حلوا؟
لماذا يشغلنا لباس المرأة وتحجيبها والحرص على اخفاء كل خصلة من خصلات شعرها ولايشغلنا عقلها ومحاربة جهلها والامية التي تفتك بشعوبنا كي لا يتربى اطفالنا على ايدي امهات جاهلات؟
اين المؤسسات الدينية من محاربة الامية في العالم الاسلامي؟
هل ان حجاب المرأة اهم من تفشي الجهل والمرض والفقر بين الناس؟ فلماذا لا نرى اهتماما لمؤسسات الأزهر وغيره من المؤسسات الاسلامية بابناء الشوارع والمشردين والساكنين المقابر، والباحثين في الأزبال عن سد الرمق؟ ولماذا لا يتوقف رجل الدين عند تراجع المستوى الفكري وازدياد الامية بين صفوف الناس؟ لكنه يتحمس باصدار بيان وفتوى وتظاهرة بسبب من كلمة ضد الحجاب، او ضد كاريكاتير او كتاب لشاعر؟
اين الحكمة وتحديد الاولويات لصالح البشر الذي لا بد لرجال الدين من التحلي بها؟
قطعا حينما أقول رجال الدين اقصد كل التيارات الدينية وكل المذاهب سنة وشيعية وعلى اختلافها ، فالجميع انشغلوا باعتبار المرأة متعة للرجل، فهذا يفتي بتحليل المفاخذة مع الرضيعة وآخر يحدد عمر زواج المرأة بتسع او ثمان سنوات، وذلك يضع اساليب الحياة الجنسية بين الزوجين حسب الشريعة كما يراها هو واتباعه، وكأن الدين والدنيا قائمتان على الجنس فقط وماعدا ذلك من علوم وتطور وحقوق انسان وحريات هو امر ثانوي، حتى ان رجال الدين لا يرون في الغرب مع الاسف كل حضارته وتطوره وحقوق أبنائه المصانة، ويرون فقد ملابس النساء في الغرب ليقارنوها مع ملابس واحجبة المرأة المسلمة معتبرين كل ما جاءت به حضارة الغرب كفرا وبذات الوقت هم يدفعون الغالي والنفيس للحصول على اقامة في الغرب الكافر هذا، بل يحسدون الحاصل على جنسية احدى الدول الغربية مستفيدا من نظام المساعدات الاجتماعية والضمانات التي وفرتها quot;الانظمة الكافرةquot; للانسان ولم يوفرها النظام الاسلامي ...
اخيرا، هناك بعض الموجات المتلفعة بأستار دينية او قومية تحاول خلط الاوراق معتبرة من يدافع عن حقوق الانسان أو المرأة في مجتمعنا ويثني على الغرب بصيانته للحريات، متفقا بالضرورة مع الاستعمار ومع السياسة الامريكية في المنطقة.
للاسف اننا وبحكم السياسات الرعناء للديكتاتوريات في بلداننا صار من السهل على المدعين رمي التهم جزافا على الوطنيين والشرفاء في مجتمعات لازالت تسقط اساليبها القديمة وغير المتحضرة في التعامل مع اغلب امور الحياة بما فيها أحدث وسائل الاتصالات والعلم.
- آخر تحديث :
التعليقات