الرياض في نظري أنا هي أجمل مدينة في العالم، بالتأكيد هذه النظرة غير موضوعية ولو وضعت عشقي لهذه المدينة وذكرياتي وانتمائي جانبا وحاولت أن أنظر اليها بعين محايدة وسألت نفسي: ما الذي يمكن أن يدفع أي إنسان لا يحمل لها هذه المشاعر لزيارتها فانني أجد أن الرياض تستحق أن يشد لها الرحال اما للاستفادة من خدماتها الطبية وأطبائها السعوديين الأكفاء ومراكزها الطبية المتخصصة في مختلف المجالات من أمراض القلب الى ابر البوتكس، وأيضا تستحق أن يشد لها الرحال من أجل أسواقها التي ينطبق عليها حرفيا مقولة (اطلب تجد) وبأسعار منافسة سيجد فيها المتسوق كل شيء بدءا من الأغراض الشخصية كالملابس والعطور وليس انتهاء بمواد البناء والديكور والأثاث وأقمشة الستائر ، وأيضا معرض الكتاب الدولي في الرياض بضخامته وتنظيمه يستحق أن يتوجه اليه القارئ العربي ليحصل على زاده لعام كامل من الكتب.
الذي أبهجني في معرض الكتاب هذا العام ليس فقط تنظيمه والعدد الكبير لدور النشر المشاركة فيه، وفسح جميع الكتب وعدم مصادرتها وإتاحة الفرصة لتلاقح الأفكار المختلفة من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، وتكريم المبدعين والفعاليات المصاحبة للمعرض، لكن الذي أسعدني فعلا هو هذا الاقبال الكبير على المعرض والذي تقول الأرقام أنه بلغ أكثر من سبعمئة ألف زائر. المعرض جاء تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفي رأيي أن وجود اسمه في المعرض أضفى نوعا من الوقار والحماية لانجاح المعرض.
خلال تجولي في المعرض وبين فترة وأخرى وأنا أقلب في صفحات الكتب أسمع من يقول لي:quot; غطي وجهك الله يصلحك quot; فأنسى أنني في معرض كتاب وأتذكر أنني ( حرمة ) وأتلفت حولي ولا أجد حقا أي من ( الذئاب ) التي تريد أن ( تبصبص ) وجميع الرجال حولي منهمكين مع زوجاتهم وأطفالهم في قراءة الكتب وشرائها وتوقيعها، ولا أجد حقا من ( جاب خبري )!! بعد ذلك يأتيني آخر - من أصحاب الأول - يقول لي:quot; العباية للستر وليست للزينة، تستري quot; ألقي نظرة على نفسي أجد أن هذا الشكل نفسه الذي أدخل فيه للحرم المكي الشريف ولم أسمع يوما أحد قال لي quot;تستريquot;... بعدها يأتيني ثالث - من نفس الجماعة - يقول لي: quot;العباية على الراس وليس على الكتفquot; حسنا.. أين هو الحديث الشريف الذي يقول ذلك؟
طبعا لم أسمح لهذه المضايقات أن تسرق مني فرحتي بالمعرض، لكنني اكتشفت أنه لم (يدقق) أحد على شكل عباءتي وغطاء وجهي والتطريز البسيط في طرف عباءتي وكونها على الرأس أم على الكتف سوى هؤلاء، فأين غض البصر الذي أمرنا به القرآن الكريم؟
مثل العام الماضي الحضور الكويتي كان باهتا، ومعظم دور النشر الكويتية كانت مقتصرة على الكتب الاسلامية فبدت مثل (الذي يبيع الماء في حارة السقايين)؟
فهل ثمة من سيستجوب حول تراجع الدور الثقافي الريادي في بلد يكفل الحريات مثل الكويت؟
أم أن مثل هذه القضايا (التافهة!) ليست من ضمن اهتمامات أعضاء مجلس الأمة؟
المد الروائي السعودي هو حديث المثقفين، وأحدهم حسبها أن العام الماضي فقط تم اصدار خمسين رواية سعودية أي بمعدل رواية كل أسبوع؟
في رأيي لنحسبها بطريقة أخرى: التعداد الأخير للمملكة يقول أن عددنا ثلاث وعشرين مليون نسمة، واذا عرفنا أن الكتابة هي النافذة الوحيدة للابداع فهي السينما والمسرح وجميع الفنون الأخرى التي ليس لها مكان في المملكة بهذه الحسبة البسيطة نجد أن خمسين رواية في عام واحد هو عدد ضئيل جدا ولا يستحق كل هذه الدهشة.
من المفارقات أنني كنت أتذمر من الازدحام الكبير في معرض الكتاب وبعدها بدقائق كنت أحضر ندوة بعنوان أسباب العزوف عن القراءة، فهل حقا القارئ السعودي عازف عن القراءة فعلا؟وهل هذا الازدحام الذي أفرغ بعض دور النشر من كتبها بالكامل وبالمعنى الحرفي للكلمة يدل فقط على قوة شرائية؟أم أن القارئ السعودي كما يقول أحد أصحاب دور النشر اللبنانية الذي يعترف بأن معرض الكتاب في الرياض هو الأول عربيا بلا منازع لأن القارئ السعودي quot;مسأف وعندو مصاريquot;؟