لقد راقب العالم بذهول ساعة بساعة من على شاشات التلفزيون الأحداث الدامية في جامعة فرجينيا تك في الولايات المتحدة والتي أدت الى مقتل أكثر من ثلاثين شخصاً بين طالب وأستاذ. وقد عرفنا فيما بعد بأن مرتكب هذه المذبحة والتي تعد من أسوء جرائم القتل الجماعي في تأريخ الولايات المتحدة هو طالب من كوريا الجنوبية كان يدرس اللغة الإنكليزية في الجامعة وبإنه مصاب بمرض عقلي كان قد تلقى علاجاً له في وقت سابق.
والمعروف بإن ولاية فرجينيا لديها قوانين تبيح إمتلاك وحمل السلاح المرخص دون تدقيق وتمحيص في الصحة النفسية أو السوابق الإجرامية لطالب الترخيص.
وقد جذب إنتباهي خبر تداولته وكالات الأنباء يوم أمس عن تقديم عائلة الجاني والتي تتكون من أب وأم وأخت إعتذاراً وتعبير عن الأسف والشعور بالخجل والعار وكذلك تعبير عن الذهول وعدم القدرة على فهم ما قام به إبنهم Cho Seung-Hui من جريمة شنعاء راح ضحيتها واحد وثلاثين شخصاً بريئاً. لقد عبرت هذه العائلة الكورية عن مشاعر الأسى والحزن وكذلك الندم العميق وعن الشعور بشيء من المسؤولية عما فعله إبنهم.
فالنقارن بين هذا السلوك الإنساني الطبيعي والمتمدن والذي يضع قيمة على حياة الإنسان وبين عوائل العربان في بلاد الإسلام ممن فقدوا أبناءهم في العراق في عمليات إجرامية إنتحارية راح ضحيتها عشرات ألوف العراقيين من المدنيين الأبرياء. فبدلاً من أن يتلقى العراقيون الإعتذارات ومشاعر الأسى والمواساة على ما قام به هؤلاء المجرمون الأنجاس من قتل وذبح للأبرياء وتخريب وتدمير للممتلكات نرى عوائل هؤلاء القتلة يقيمون مجالس العزاء ويفتخرون quot;بإستشهادquot; أولادهم المجاهدون ويتلقون التهاني بدلاً من التعازي.
ولا يمكن أن يفسر هذا التصرف الغريب وهذه المباهاة المرضية بالأعمال الإجرامية التي يندى لها جبين أي إنسان متمدن ومتحضر الا بإنه الدليل القاطع على السقوط والإنحطاط الأخلاقي للحضارة الإسلامية والعربية الراهنة. وهناك المئات من الأمثلة على هذا التصرف البربري المشين من الأردن والسعودية وبلدان عربية أخرى.
فأين إعتذار عائلة البربري المجرم، قاطع الرؤوس المعروف بأبي مصعب الزرقاوي للشعب العراقي عن جرائم القتل الجماعي وتدمير ممتلكاتهم وقطع أرزاقهم؟ ألا يستحق العراقيون إعتذاراَ من عائلة وعشيرة وبلدة هذا الوغد القذر؟ وأين إعتذار عائلة المجرم الأردني الذي تسبب في مقتل 200 مدني بريء في مدينة الحلة في تفجير إنتحاري في سوق شعبي في سنة 2005؟ ومن المعروف أن مجلساً كبيراً للعزاء أقيم بعد وفاة هذا المجرم حضره عدد من كبار رجالات الدولة الأردنية فشكراً للأشقاء الأعزاء على وقفتهم المخزية تلك.
ولا يقتصر تصرف المسلمين المشين هذا على الذين يرتكبون الجرائم المروعة في العراق بل يتعداه الى جرائم مماثلة يقوم بها quot;المجاهدونquot; في أماكن أخرى.
فقد قرأت خبراً قبل بضعة سنين عن محاولة قناة سي أن أن الأميركية إجراء مقابلة في القاهرة مع والد المجرم محمد عطا قائد المجموعة المسؤولة عن عملية تفجير المركز التجاري العالمي في نيويورك. و المعروف أن هذا الشخص كان قد نشر في البداية روايات ملفقة عن إختطاف الموساد لولده تلقفتها في حينها الصحافة المصرية المعروفة بإدمانها على القصص الخرافية والتحليلات الهذيانية. الا أنه غير نبرته في وقت لاحق وأصبح يفتخر بما إرتكبه إبنه معتبراً عمله الإجرامي الشنيع جهاداَ. وعندما طلبت منه سي أن أن إجراء مقابلة معه إشترط عليهم أن يدفعوا له 5000 دولار مقابل ذلك وعندما أفهموه أن سياسة المحطة هو عدم دفع الأجور لمن يقابلونهم رفض والد محمد عطا المضي في المقابلة بدعوى أنه لا يجوز للمسلم مساعدة الكفار من دون مقابل. فهل إستهجن المسلمون موقف والد محمد عطا المشين هذا؟ لا أعتقد ذلك.
وهذا مثال صارخ آخر لا علاقة له بمزاعم محاربة المحتلين أو الذود المزعوم عن بلاد المسلمين عن مدى السقوط الأخلاقي لحضارة الإسلام المعاصر.
إن من المعروف أن عدة آلاف من المجرمين العربان قد إشتركوا بالهجمات الإنتحارية وغيرها وتسببوا بمقتل عشرات الآلاف من المدنيين العراقيين. و من المؤكد أن لهؤلاء المجرمين أضعاف عددهم من عوائل وأقرباء. وإذا فسرنا سكوت هذه الآلاف المؤلفة من عوائل هؤلاء الإرهابيين بإنه علامة الرضا فهذا يعني أن هناك عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من مؤيدي الإرهاب في عالم العربان والإسلام ممن يؤيدون قتل الأبرياء بالجملة في ما يعتبرونه جهاداً. وبالطبع هناك بين العراقيين أعداداً أكبر بكثير من هؤلاء المجرمين وعوائلهم ممن يؤيدون ويتسترون على هذه البربرية البشعة بإسم الإسلام. ففي جريمة حصلت اليوم، وهي واحدة من آلاف الجرائم المماثلة، تم قتل 23 من اليزيديين المدنيين العزل بدم بارد قرب مدينة الموصل في شمال العراق وهم عائدون من عملهم كعمال بسطاء في معمل النسيج في المدينة. فهل لهؤلاء القتلة عوائل؟ وإن كان لهؤلاء المقاومين الإسلاميين الشرفاء عوائل فهل سنسمع يوماً إعتذاراً منهم عن هذه المذبحة الرهيبة؟
وفي حين أن المؤيدين لمنطق الجهاد ضد الكفار سوف يعتبرون كلامي هذا كفراً فسوف ينبري الآخرون ممن لا يتفقون مع الإسلام المتطرف الى إنكار مسؤولية الإسلام عن هذه الجرائم وعن هذا التصرف المخزي لعوائل هؤلاء الأوغاد. لكن السؤال يبقى وهو: ماالذي يجعل المسلمون دون سائر البشر عرضة لهذا النوع من البربرية؟ مالذي يجعلهم دون سائر الخلق أن يفسروا دينهم بشكل يسمح لهم بإرتكاب الفضائع والتفاخر بها؟
أعتقد أنه يحق لنا أن نطالب بأجوبة عن هذه الأسئلة من رجال الدين الإسلامي ومن عوام المسلمين الذين يؤمنون أن quot;الإسلام هو الحلquot;.
هل سينظر العوام من المسلمين الى المبادرة الإنسانية للعائلة الكورية المنكوبة بعين الإعجاب؟ هل سيعتبرون هذا التصرف النبيل درس أخلاقي في الإنسانية والآدمية والتمدن؟ لا أعتقد ذلك، فحال هذه الأمة البائس قد جعلها تفقد الحس بكل ما هو نبيل ورقيق و أن لا تتفاعل الا مع زعيق البرابرة والجلادين.
التعليقات