لم أزر العراق مرة ً، قط. ولكن قلبي، كان دائماً هناك. كيف لا، وهو قلعة أمتنا العربية وبوابتها الشرقية، التي صدّتْ على مرّ التاريخ جحافلَ التتار والفرس المجوس، وتحدّت الفرنجة : أما الآن، فوالهف قلبي وحزنه على تلك البوابة، التي أصاب الصدأ حديدها، فما عادت نافعة لتصدي أو تحدي. أضحى العراق، العربيّ، مباحة أهل العجم وملحقاتهم، يقتطع كل منهم ما يريد من أرضه ويضيف على ما إقتطعه كلمة quot; ستان quot;! فالشمال، صارَ quot; كردستان quot; بوجود الموساد.. يعني، إسرائيل ثانية. شمالنا الحبيب، يعيث فيه الصهاينة الجدد فساداً، بعدما إغتصبوه لكي ينسونا قضية فلسطين. أرضنا العراقية هذه، يريد الأعداء جعلها حراماً على العرب، فطردوهم من هناك وفق تطهير عرقيّ، خبيث ومبرمج، وأسكنوا بمكانهم عشائر كردية، مستجلبة من تركية وسورية وإيران. حدود هذه الدول، يتدفق منها هؤلاء المستوطنون الدخلاء، يومياً وعلى عينك يا تاجر. ثم يقولون لكَ أنّ إرهابيي القاعدة والصداميين، هم الذين يتسللون من تلك الحدود ؛ كما نسمع على مدار الساعة في وسائل الإعلام العراقية، العميلة. حسبنا الله ونعم الوكيل. ولكننا، لن نيأس. سنتضرع للمولى، ككل مرة نواجه فيها نكبة أو نكسة ؛ سنتضرع له سبحانه، أن يبعث لنا قائداً عربياً، يخلصنا مما نحن فيه : فأين سيفكَ، يا صلاح الدين، نضربُ به أولئك الكرد، أحفاد الفرنجة؟.. سيفك، الذي سنستعيد به شمالنا، العربيّ، ونخلص كركوك، التي أضحتْ كالقدس الشريف مهوّدة.. أعني، مكرّدة!

ألا تقول، أنّ الله إستجابَ لدعائنا فعلاً، ولكن بدلاً من أن يبعث لنا بقائد عربيّ، فإنه كلفَ قائد الأركان، التركيّ، بإنقاذ شمالنا العراقيّ، الحبيب : quot; تورك، هايا ما نن، بيريكنده أما زمانن يوك يوك! quot;، هذا ما إلتقطته أذني من تصريح الرجل لوكالات الإعلام. لم أفقه شيئاً منه، بطبيعة الحال. ولكنني تحمست له جداً، خصوصاً حينما ظهر أحد المعلقين، المصريين، على فضائيتي الخليجية، الأثيرة، وأكد أنّ الجنرال التركيّ هذا، كان يردّ بقوة على مقابلة البرزاني المتلفزة، الأخيرة، بخصوص موضوع كركوك. تصريح قائدنا، التركي، كان ذا وقع طيب في أسماع الملايين في دنيا العروبة، الذين إنطربوا له كما لو أنهم يسمعون أغنية سيّد مكاوي، الحماسية، quot; الأرض بتتكلم عربي quot;. يا سيدي، وبتتكلم تركي، كمان! المهم، أننا جميعاً مسلمون، كالبنيان المرصوص ؛ أننا جسدٌ واحد، إذا ما تألم عضو فيه.... نعم، هبّ له سائر الأعضاء! والأهم، أن ينقذنا الجنرال من أولئك الأكراد، الملاعين، الدخلاء على تاريخ المنطقة. ولنقل كيداً لهم، أنّ كركوك ذات أغلبية تركمانية. ما بالأمس فقط، تنازل الرئيس القائد للأتراك عن حقنا، التاريخي، في لواء إسكندرون، مقابل أن يكونوا محامين له في المحكمة الدولية بخصوص إغتيال الحريري! لا بل، وعاضد رئيسنا ذلك بإتفاقيات أمنية معهم، لكي يضموا أراض اخرى لخريطة quot; تركستان quot;، التي يتهيأ الشيخ أردوغان لإعلانها قريباً في الشرق الأوسط ـ كمركز للخلافة الإسلامية، الكبرى. فما الضرر في ذلك؟ وهل نقصان بضع كيلومترات سيؤثر في خارطة الأمة العربية، ذات الرسالة الخالدة؟

قد يخرج متفذلك، ليزايد علينا قائلاً : quot; وهل نسيتم أنّ تركية مرتبطة مع إسرائيل بإتفاقيات عسكرية؟ quot;. لا يا أخي، لم ننسَ ذلك. بل قل أنه يوافق هوانا، وإتفاقياتنا الأمنية معهم! كيف، سأشرح لكَ. نحن نسعى للسلام، ونشترط مقابله أرضنا المحتلة في الجولان. أما الآن، وتحديداً بعد قضية الحريري، فإننا مستعدون للسلام بدون أية شروط مسبقة. يعني بقاء نظامنا، المقاوم، يعتبر واجباً مقدساً وأهم من أي أرض محتلة : هذه الحقيقة، يتفهمها حلفاؤنا المقاومون، في إيران ولبنان وفلسطين والعراق والسودان وليبية وو. كما ويقدرها أصدقاؤنا الأتراك، بشكل خاص، ويعملون بهديها خلال وساطتهم الخيّرة بيننا وبين الكيان الصهيوني. وبما أنّ هذا الأخير، كما تعلمون، هوَ ربيب الغرب الإمبريالي، فأيّ تقدم معه في المفاوضات، السرية، يزيد من فرصة الرضا على نظامنا المقاوم وجعله مؤهلاً للعب دور شرطيّ المنطقة ؛ كما كان الحالُ في زمن الأب القائد، المرحوم! وذهبَ أردوغان إلى أبعد من ذلك، للحقيقة. فإنه رغبَ بأن تشمل جهوده، الخيّرة، لبنان أيضاً. وقد رحبنا بذلك، طبعاً. إنه مع تحقيق هدف المقاومة اللبنانية، في حكومة وحدة وطنية : quot; بلدكم فيه تعددية كالفسيفساء، وعليكم بهكذا حكومة لكي تتمكن من تتريك.. أعني، تعريب الشعب في بوتقة واحدة! quot;، قال الرجلُ بحماسة أثناء تواجده في بيروت.

وكما يتفهمُ الترك قضايانا، المصيرية، كذلك نحن العرب بالمقابل، يجب أن نتفهم قضاياهم. والمسألة الملحة لديهم الآن، هيَ مدينة كركوك. لقد سلمنا إذاً، أنها ذات اغلبية تركمانية. من جهته، شرح رئيسُ الوزراء التركي وجه المسألة، أمام رئيسنا القائد : quot; أفندم! كان التركمان في المدينة أقلية صغيرة، تقطن في أحد الأحياء الشعبية. أما الكرد، فكما تعرف، هم ناس متوحشون وميالون للقتال دوماً. قاموا بعدة ثورات في العراق من أجل ما يسمى بـ quot; حقوقهم القومية quot;. حصلوا على ما يريدون في إتفاق مع حكومة بغداد. لماذا لا تقول، سندخل نحن الأتراك على الخط فوراً، فنجري إتصالات سرية بالحكومة ونحرضها على عدم ضم كركوك لإتفاقية الحكم الذاتي، المقترحة. وهذا ما حصل، فعلاً. عاد الأكراد للتمرد، بدعم من إيران والأمريكان، ولكنهم خذلوا وهزموا وضاعت حقوقهم وكركوكهم، على السواء. ثم جدّت أحداث اخرى، وكادت مسألتهم أن تحل بشكل معقول، من خلال الإبادة الجماعية بالأنفال والكيماوي، لولا حماقة غزو الكويت! أما ما حصل بعدئذٍ، فلا داعي لتفصيله ؛ لأنه من التاريخ القريب، وجرى بعد إستلام فخامتكم الحكم الوراثي. المهم، أن الكرد صاروا يحكمون بلادهم بأنفسهم ـ كدولة مستقلة. حكومتهم ورئيسهم وبرلمانهم ونشيدهم، وبالأخص علمهم القومي، اللعين، تسبّبوا في بكاء أمتنا التركية، كلها ؛ رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً ؛ يميناً ويساراً ووسطاً ؛ مدنيين وعلمانيين وإسلاميين وعسكراً وعفريتاً! أما الآن، فيريدون رفع ضغطنا وإماتتنا قهراً، بضم كركوك الغنية بالنفط لكيانهم هذا. وبما ان الحكومة المركزية، في بغداد، ما عادت تأبه بنصائحنا، ففكان من الضروري الإلتفات إلى تركمان العراق لتحريضهم، بعدما تجاهلنا وجودهم وقضاياهم ومعاناتهم لأكثر من سبعين سنة. وأكدنا لممثليهم هنا، بأنهم سيصبحون أغلبية في كركوك ـ بل وفي شمال العراق كله ـ بعدما نتمكن من إدخال عسكرنا هناك، ومن ثم تتريك السكان جميعاً! quot;.

هكذا تكلم المسؤول التركي، الأول. كلامه معقول، يا جماعة. إنه يخشى من هكذا كيان كرديّ، إنفصاليّ، في شمال العراق. لأنه بالنسبة لهم تهديد لأمن تركية، ويشجع أكرادهم على المطالبة بالإنفصال، أيضاً. ثمّ أن فرض اللغة الكردية في ما يسمى بـ quot; كردستان العراق quot;، يهدد بشكل خاص خطط حكومة أنقرة لمحو الأمية في المناطق الجنوبية الشرقية من تركية، والتي تقطنها غالبية كردية. وهذه الخطط، كما أعلموا رئيسنا، كلفتهم مئات مليارات الليرات، التي تمّ إقتطاعها من ميزانية الدولة، وكان من الممكن أن تصرف في مشاريع عمرانية وسياحية وإنمائية، في المناطق الشمالية الغربية من البلاد! المشكلة هذه، تهمنا في سورية. لأن لها علاقة بقضية الحريري. وقضية الأكراد عندنا، علاوة على ذلك. كنا سابقا، وعلى مدى عقود طويلة، على خلاف مع الأتراك. وقد شجعنا من جهتنا الجماعات الكردية، الإنفصالية، وسلحناها ونظمناها ضدهم. قيلَ أن ذلك، كان من أجل أهدافنا الإستراتيجية ـ التي نجهلها جميعاً في سورية، الحق يقال ؛ والتي أخذ سرّها أبونا القائد معه إلى القبر! وبما أننا كنا آنذاك نفتقد التوازن العسكري مع الأتراك، ألا تقول أننا نفتح عليهم جبهة مسلسلاتنا السورية، التاريخية : وهات، يا سيناريست، ما تيسّر من مصادر خيالك الخصب! وفي الأخير، فقدوا صبرهم وهددونا بالتدخل العسكري، إذا لم نكف عن وقف دعم المسلحين الأكراد. بقية القصة، تعرفونها. وأهمسُ في أذنكم : أنّ الدول العربية كلها، وقفت آنذاك متفرجة أمام التهديدات التركية لنا، ولم تنبس حتى بكلمة إحتجاج واحدة. هذا الأمر، يتكرر اليوم في مسألة تصريح البارزاني. العرب، كما هم على مرّ تاريخهم، لا يتضامنون مع بعضهم البعض. ولكنهم الآن، ويا للفخر!، يعلنون جميعاً تضامنهم مع تهديدات الشيخ أردوغان ورئيس أركانه.