في حوارٍ مطوّلٍ له مع عبدالعزيز محمد قاسم(نُشر بتاريخ 03.11.06 في كلٍّ من صحيفة quot;المدينةquot; السعودية، وموقع العربية نت)، دافع مدير تلفزيون العربية ورئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط اللندنية سابقاً، الكاتب الغني عن التعريف عبدالرحمن الراشد، دافع بثقةٍ كبيرة، وبquot;طولة بالٍquot;، ومهنيةٍ أكثر، عن quot;ذمة الصحافةquot;، وquot;حق الجهة الإعلامية/الصحيفة مثالاً، فيما تريد أن تنشر وألاّ تنشرquot;، كما دافع عن quot;الإعتدالquot;، وquot;العناد الصحفي مع مراعاة الآخرينquot;، وعن quot;المهنيةquot; وquot;الدقة في استخدام المصطلحات لصناعة الحياد في نقل المعلومة والخبرquot;، وأشياء أخرى كثيرة.
والحق يقال، أن الرجل قد وضع يده quot;المعتدلةquot;، كالمعتاد، على الكثير من هموم وجراح الإعلام العربي و منعرجاته، وquot;طلعاته ونزلاتهquot;.

كثيراً ما تطالعنا الصحافة العربية، بطبعاتها المختلفة لاسيما الليبرالية والإعتدالية منها، بكتاباتٍ نقدية عن الدور التحريضي لبعض جهات الإعلام العربي، سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مكتوباً. وهو نقدٌ مشروعٌ في بعضه الكثير لا بل وجداً ضروري، بلوغاً إلى سلطة النقد: نقد الإجتماع والسياسة وما حولهما، ونقد كل ما من شأنه أن يساهم في تشكيل الرأي العام الفاعل وخلق القضايا الفاعلة ذات الصلة بالإنسان ومجتمعه، لتمهيد الطريق إلى جمهورٍ فاعل للحضور في مشاركة شعبية فاعلة.
لا شك أن ليس هناك من quot;إعلامٍ بريءquot;، أو حتى كتابةٍ بريئة أو كتابٍ بريء لوجه الله وملائكته وملكوته العالي.

ولكن صحافة عن صحافة تفرق، وكتاب عن كتاب يفرق، كما أنّ براءةً عن براءةٍ تفرق.

منذ أيامٍ خلت، طالعنا موقع quot;العربية. نتquot;(إلى جانب جهات إعلامية عالمية وعربية وكردية أخرى كثيرة)بخبرٍ مفبرك في بعضه وتحريضي في بعضه الآخر، علماً أن الحادثة(مادة الخبر) قد وقعت فعلاً، نتيجةً لسلوكياتٍ عنجهية، ووحشية تحت ـ حيوانية، كما أشارت إليه العربية نت، وجهات إعلامية أخرى، عالمية وعربية و كردية.
جاء الخبر في الموقع(http://www.alarabiya.net/Articles/2007/04/15/33515.htm) هكذا تحت عنوانين مفبركين(رئيسي وفرعي) quot;لجأت إلى أحد الشيوخ بعد قرارها الزواج من مسلم...مقتل فتاة عراقية أيزيدية رجما على يد أقاربها بعد إشهارها الإسلامquot;، ليسجل رقماً قياسياً في عدد تعليقاته التي وصلت إلى 461 تعليقاً، ترواحت(كعادة كتاب التعليقات العجولة) في غالبيتها الساحقة بين ذهنيتي التحليل والتحريم، فطغى النقل على العقل، وكلام السماء على كلام الأرضين، والتكفير على التفكير.

إن فبكرة الخبر تنطلق من القول بquot;إشهار الفتاة الإيزيدية الإسلامquot;، وهو ما لم يحصل، كخبر، بالمطلق، حسب التصريحات والبيانات القادمة من الجهات المعنية، بأمور هذا quot;القتل الشريفquot; وحولياته؛ هذا القتل الذي جاء أكثر من بربري، وأكثر من جاهلي، وأكثر من تحت حيواني.

في سياق استنكاره لجريمة القتل الوحشي بحق الفتاة الإيزيدية quot;دعاءquot;، أكد الزعيم الروحي الأعلى للإيزيدية فضيلة بابا شيخ ختو، في تصريحٍ أدلاه لموقع quot;قنديل نتquot; الإلكتروني، على quot;إيزيدية الفتاةquot;، بقوله: quot;لقد اجتمعنا بعائلة الولد الذي كانت على علاقة معه وبعائلة المغدورة دعاء، وأكد الجميع ان الفتاة لم تكن قد اعلنت اسلامها. وان اسم دعاء هو اسمها الاساسي وليس اسماً اسلاميا، بل ان الايزيدية يطلقون على صلواتهم اليومية تسمية دعاء. وحتى في اللغة الكردية يسمي الايزيديون صلواتهم اسم دوعا بدل من استخدام الكلمة الكردية نفيزquot;.
وقال فضيلته quot;ان الجريمة البشعة برجم فتاة زانية من قبل اقاربها امام انظار الناس المتفرجين كانت فعلة قبيحة تقزز النفوس... هذا كان منافيا للاخلاق الدينية الايزيدية. ثم ان التعاليم الدينية الايزيدية لم تحلل الرجم، لان قتل النفس حرام. كما وتحرم الديانة الايزيدية الاساءة الى المرأةquot;. واضاف quot;اننا نطالب السلطات بمحاسبة ومعاقبة الجناة وكل المقصرين الذين كان لهم يد في هذه الجريمةquot;.

وجاء في بيانٍ للمجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى في العالم، حيث مركزه كردستان العراق، quot;إن الضحية لم تكن لها صلة بالاسلام كما روج، غير أن جهات مغرضة وشريرة استغلت الحادث المأساوي وبأسم الدين لاثارة النعرات الدينية والمذهبية بيننا وبين اخواننا المسلمينquot;( www.qndil.de).
وأضاف البيان quot;أن الديانة الايزيدية، الديانة المتحورة حول عبادة الله فقط ودون شريك تؤكد وبشكل واضح لا غبار عليه نبذ العنف بشتى أشكاله، فكيف إذا اتخذ صيغة القتل الذي هو جريمة غريبة تماماً عن تراثنا وممارساتنا، وهذا ماتجسده المعاني المتضمنة والصريحة بهذا الصدد في نصوصنا الدينية المقدسة، إذ يقول النص على سبيل المثال لا الحصر :إن الله وحده يبعث الحياة ووحده له الحق في أن يأخذهاquot;

وفي محاولةٍ جادة أخرى لإطفاء نار تداعيات هذا quot;الخبر الفتنةquot;، quot;أكد السيد جاسم فارس عضو هيئة علماء المسلمين في بعشيقة إن الهيئة قامت خلال اليومين الماضيين بتعميم كتاب على (1400) جامع في محافظة نينوى ورد فيه إن الفتاة الإيزدية التي قتلت قبل نحو ثلاث أسابيع ماتت وهي إيزدية ولم تشهر إسلامها..!quot;
http://www.lalishduhok.org/modules.php?name=Newsamp;file=articleamp;sid=1709
وجاء هذا quot;الكتاب المسؤولquot; ومن قلب الحدث(بعشيقة المكان والزمان، وبعشيقة الفاعل والمفعول به والمفعول لأجله) كتأكيدٍ لما وقع بالفعل، لا كما أُريد له أن يحصل.
إنّ quot;لاإشهار الفتاة الضحية للإسلامquot; كان ذات الموضوع الذي تمّ تأكيده، في الإجتماع الموسع(الموصل، 2007/04/26) الذي انعقد بين وفد من وجهاء ورجال الدين ببعشيقة و 50 خطيباً من خطباء الجوامع في الموصل.
أكد المجتمعون في حينه على أن quot; الفتاة لم تقتل بسب إسلامها بل بسبب إلقاء القبض عليها مع شاب مسلم لا يرتبطان لا بعقد ولا بزواج، وهذا يخالف عادات الايزدية والاسلام، وان علاقة من هذا الطراز لا يمكن ان نصفها بغير الزنىquot;.(شبكة لالش الإعلامية: 2007/04/26).

وما وقوف هيئة علماء المسلمين في العراق إلى جانب دماء العمال الإيزيديين ال24 ضد القتلة التكفيريين، الذين مارسوا إرهابهم بحق هؤلاء الأبرياء الغلابة، بحجة quot;الإنتقام لشهيدة الإسلامquot;، إلا تأكيداً على صحة ما جاء على لسان السيد جاسم فارس العضو في هيئة العلماء المسلمين في بعشيقة.
ففي الوقت الذي قامت فيه جماعات الإرهاب وحبك الموت وصناعته، بquot;القتل الإصطفائي المختارquot; بحق 24 عاملاً إيزيدياً بريئاً، لا حول لهم ولا قوة، قالت أنه جاء انتقاماً لquot;شهيدة الإسلام دعاءquot;، في هذا الوقت استنكرت هيئة علماء المسلمين في العراق، في بيانٍ لها(رقم 404/ 23.04.07)، حادثة القتل الجماعي هذه، ووصفتها بquot;الجريمة النكراء التي أقدمت عليها عصابات الموتquot;.

من جهته، وفي الوقت الذي quot;اعترضquot; فيه والد المغدورة دعاء على قتل ابنته بتلك الطريقة التحت حيوانية، الأكثر من بشعة، واحتفاظه بحقه القانوني في مقاضاة الجناة، فإنه أكد في الوقت عينه، على quot;اللاإشهارquot; عينه، قائلاً: quot;ماتت ابنتي إيزيديةquot;.
وفي حديث لفضائيتين عراقيتين، بُث الجمعة 27/4/2007، قال : quot;ابنتي لم تشهر إسلامها، ولم تكن تجيد القراءة أو الكتابة ولم تقرأ القرآن في حياتها، واختفت ليوم واحد فقط.. فكيف أسلمت قبل 4 أشهر..،وعليه اعترض على قتل ابنتي بتلكالطريقة... واحتفظ بحق مقاضاة الجناة..!quot;
http://www.lalishduhok.org/modules.php?name=Newsamp;file=articleamp;sid=1706

وفي لقاء مع وزير الإقليم الدكتور دخيل سعيد (2007/04/26 ) قال: quot;إن قتل الفتاة الإيزدية جاء كنتيجة لسلوكها الأخلاقي والاجتماعي وليس بسبب اعتناقها للإسلامquot;

أما البرلمانية الإيزيدية مريم حسن، والتي استنكرت، وبشدة، مع برلمانيين ووزراء ومسؤولين إيزيديين آخرين، حادثة القتل السادي الخارج عن كل الأخلاقيات، أكدت في حديثٍ لها لوكالة (آكي) الايطالية للأنباء(30 نيسان/أبريل)، أن quot;الفتاة لم تقتل بسبب الارتداد عن دينها، بل قتلت بسبب ارتباطها بعلاقة حب، مع شاب مسلم خارج طائفتها، وهذه جريمة بحق المرأة يفترض أن يحاكم المتسببون بهاquot;.

وفوق كل هذا وذاك فإن جثمان المغدورة قد وري الثرى في مقبرة quot;شيخ شمسquot; الإيزيدية، والتي دُفن فيها منذ زمانٍ خلا وللآن، الكل الإيزيدي، سواءً بسواء، بشيوخه وأبياره ومريديه.
وهو الأمر الذي ينفي بالمطلق خبر quot;إشهار الفتاة للإسلام ديناً لهاquot;.

وعليه، فإنّ quot;العربية نتquot; بخبرها المفبرك هذا(إشهار الفتاة الضحية الإسلام)، والذي جاء quot;تحريضياًquot; في بعضه، ومنافياً للدقة والموضوعية في نقل المعلومة، في بعضه الآخر، قد وقعت في الفخ مرتين:
مرةً في quot;فخ الكذبquot;. فالخبر باطل وكاذب، لا أساس له من الصحة، لأنّ الفتاة لم تعلن إسلامها، ولا هم يحزنون. وهي كانت ستعيش quot;إيزيديةquot; على quot;سنن دينهاquot; لولا إقدام البعض الساقط والمتوحش من الرعاع الإيزيديين(ولكل جماعة إثنية أو دينية أو مذهبية...رعاعها ووحوشها الكاسرة)، على نهش جسدها البريء.
والدليل كما أسلفنا، هو وابل التصريحات والمواقف الصادرة عن الجهات الرسمية والأهلية، القائمة على شئون الديانتين الإسلامية والإيزيدية، إضافةً إلى مشاركتها الموتى الكثيرين من بني عقيدتها، الثرى ذاتها، والمقبرة ذاتها، والجيرة الأبدية ذاتها.
ومرةً ثانية، في quot;فخ التحريضquot;، لأن الخبر جاء خارجاً عن الموضوعية، والتقى في هذا الخروج الشطحوي مع دعاية صناع الإرهاب التكفيريين، الذين اتخذوا منها quot;سنداً شرعياًquot; ليسندوا إليه جريمة قتلهم وإبادتهم لكل ماهو إيزيدي، انتقاماً لquot;دم شهيدة الإسلامquot;، حسب ادعائهم.
وما حصل من حصادٍ للقتل الجماعي الإنتقائي المنظم بحق 24 عاملاً إيزيدياً في حي النور بالموصل(22.04.07)، لم يكن إلا جواباً عاجلاً على quot;الفبركة العاجلةquot; التي وقعت العربية نت(كمنبر معتدل) مع جهات إعلامية أخرى معروفة بموضوعيتها، في فخاخها العاجلة، وفخاخ صانعي الإرهاب العجولين، المسنودين إلى فتاوي شيوخهم وبياناتهم وتفخيخاتهم العاجلة.

أن المسألة في أساسها، لا تكمن بالطبع في الدفاع عن quot;شرفquot; الإسلام أو الإيزيدية، بقدر ما يكمن في الدفاع عن quot;شرفquot; المهنة أولاً وأخراً.

بقي أن أقول وأؤكد مرةً أخرى، في سياق هذا quot;القتل الشريفquot;، الخارج عن كلّ الشرف، وكلّ قتلٍ أينما كان عنوانه، وأنى كانت جهته، كما أكدت في مقالات ومناسباتٍ سابقة، وبوضوح لا لبس فيه، أنّ الله كثير ولكل العباد فيه حصته ورؤيته ومشاركته.
في الله، لنا ما لنا وعلينا ما علينا. الله كفكرة كونية، يُعطى ولايُسلب. هو يوهَب ولا يُحتكَر. لنا في الله، كلٌ حسب عمله وكلٌ حسب حاجته.
الله الكثير يرحم ولا ينتقم، يحيي ولا يقتل، يحرر ولا يستعبد، يبني ولا يدمر.
الله الكثير، هو حرية كثيرة، حرية الأنا والآخر معاً، حرية الإثنين في بعضهما ولبعضهما: حرية أن يختار المرء من يشاء، ويحب من وما يشاء، ويتزوج من يشاء، ويعيش ويفكر كيف يشاء، ويسعى إلى من وما يشاء.
الله الكثير الخلاّق هو الحرية الكثيرة الخلاّقة، والفعل الكثير الخلاّق، فلماذا لا نسعى إلى الله/الحرية ما استطعنا إليه سبيلاً.

[email protected]