الثقوب التي تحكم تفكيرنا، هي في أغلبها ثقوب ثقافية، مرجعيتها الأساسية ناشئة من التكوين الثقافي الذي ينمو على عناصر عديدة، وربما كان من أبرز ما يشرح الواقع البائس لبيئة ما مطالعة فنونها، وبما أن الفن الغنائي قد وجّه ضد انحطاط بعض مظاهره النقد العنيف، إلا أن quot;الفن السينمائيquot; عربياً لم يوجه له إلا القليل من اللوم، وبكل أسف فإن السينما العربية حالياً تعيش في انحدار مريع، فنلحظ نموّ quot;السينما التهريجيةquot; التي تبني الفيلم كله على شخص واحد مبتدئ يهرّج طويلاً، من دون أي نصّ مدهش، أو إخراج متكامل أو مشاهد جاذبة، كل الفيلم ينتهي على تهريج متواصل من قبل شخصٍ ما وقع ضحية منتجٍ يضخّ عبره مشاهد وأفلام تثير الاشمئزاز.
أصبحت السينما العربية وسيلة ارتزاق تؤوي من هبّ ودب لإنتاج الأفلام وتمثيلها، بعيداً عن إدراك المعنى الفني للسينما، نلحظ ذلك مع انتشار التهاون في الأدوار الكبيرة من قبل بعض الصبية والمراهقين الذين يحاولون أن يقنعوننا بالقوة أنهم من أفضل الممثلين، وأن ظلّهم خفيف! ولنقارن بين طريقة التحضير للدور عربياً وطريقة التحضير له غربياً، ففي فيلم quot;عطر امرأةquot; حينما أراد quot;آل باتشينوquot; أن يمثّل هذا الدور أصبح يعيش لفترة طويلة مع المكفوفين ويقيم دراسة متكاملة حول الحركات المباشرة والرمزية التي سيستخدمها من أجل القيام بالدور، وقرأ آل باتشينو أطناناً من الأوراق عن quot;السي آي إيهquot; استعداداً لدور يبشّر به منذ سنوات لفيلم سيصدر له، وتشارلز ثيرون حينما أرادت تمثيل دور quot;الفصام النفسيquot; في فيلم quot;محامي الشيطانquot; أصبحت تأخذ جلسات دورية من أجل إتقان الدور المنوط بها، و راسل كرو حينما أراد تمثيل فيلم quot;عقل جميلquot; حيث يقوم بدور عالم الرياضيات الذي يعيش حالةً نفسية بقي فترةً طويلة بعد الفيلم يعالج نفسه من آثار ذلك الدور، حسب لقاء أجرته معه قناة quot;إم بي سيquot; في برنامج quot;سكوبquot;.
إذن مسألة الدور المنوط بالممثل ليس لعبةً صبيانية، تقوم على ارتداء quot;الماكياجquot; المعدّ من دون إتقان لمعنى الدور الكينوني الداخلي ولمفهوم الدور الرمزي الاجتماعي، ولآثار الدور على المشاهد، وعلى الناقد أيضاً، في السينما المصرية مجموعة من الصبية السذج الذين يدعون إتقانهم للتمثيل، وهم لا يفرقون بين أن تضحك أصدقاءك بنكتة أو قفشة، وبين صناعة دور كوميدي، فهاهم الصبية يقومون بأدوار بطولية كلها تهريج وصراخ وركض أبله من دون معنىً أو دلالة، وهذا هو العائق الفكري في مسألة التمثيل والفنّ الذي يغفل عنه الكثير من المنتجين الذين يريدون الربح بأسرع وسيلة. إن هذا النوع من الفن التهريجي الذي ينتشر عربياً يجب أن يكون محطّ نقد طويل من قبل المختصين، ولست أدري ماذا يمكن أن يقدّمه شخص تافه اشترك في برنامج تلفزيون quot;الواقعquot; وأخذ بعض الحصص الفقيرة فنياً عن التمثيل ثم بدأ يلعب أدوار البطولة في أفلام تؤسس للبؤس السينمائي.
إذا أردنا أن ندرك حجم العاهة الفكرية والثقافية فلننظر إلى الانحطاط الفني الذي يستغلّ عطش الجماهير إلى الضحك، أو إلى التسلية في بثّ الأفلام السيئة، هذا هو المؤلم حقاً، أن تكون بعض الفئات الباحثة عن الربح بعقليتها التجارية الاستحلابية هي التي تسيطر على السينما، ويغيب المعنى والرمز والدلالة عن الصورة وإنتاجها، ونفتقدّ بحق إلى الصورة النصية الغنية ، نرى السينما الآن بوجهها المكفهر نرى السينما حالياً تؤوي الصغار وأصحاب العاهات، وكأنها أصبحت quot;جمعية خيريةquot; يدخلها من يعرف ومن لايعرف بحثاً عن المال والزواج والشقة والسكن، من دون وعي أو تدرّب.

كاتب سعودي
[email protected]