ربما يكون التاريخ مستعداً بعد أكثر من عشرين عاماً quot; ليعيد نفسه quot; ولكن بشكل يناسب القرن الواحد والعشرين.. واعني بذلك صفقة بيع أسلحة أمريكية إلى المملكة العربية السعودية التي بدأ الصراع حولها على مستوى الكونجرس والإدارة الأمريكية بين معارضين هنا ومؤيدين هناك.. مما يشير إلى بداية جولة جديدة من تبادل الضرب تحت الحزام بين الطرفين قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة كتلك التي انهت مسئولية الرئيس كارتر وأجلست ريجان على قمة إدارة البيت الأبيض..
قامت المعركة الأولي التي يمكن أن يحاكيها التاريخ مرة أخرى وفق سيناريو معدل أو منقح.. بين الرئيس الأمريكي رونالد ريجان ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين حول ما وصف أيامها بـ quot; صفقة طائرات الأواكس quot; التي قررت الإدارة الأمريكية برئاسة كارتر بيعها للمملكة العربية السعودية..
ورثت إدارة الرئيس رونالد ريجان من الإدارة السابقة عليها مجموعة من الملفات الساخنة كان من بينها ملف هذه الصفقة.. وبعد بضعة أشهر ndash; من الدارسة والتمحيص - أبدت وزارة الدفاع الأمريكية برئاسة كاسبر واينبرجر موافقتها على إتمام الصفقة خصوصاً وان كارتر كان قد سبق وتعهد بان لا تُزود الطائرات المباعة بأية إمكانيات هجومية تهدد أمن إسرائيل وسلامتها، وذلك ردا على ما أشاعه إيفرايم إفرون سفيرها بواشنطن في ذاك الوقت quot; أن هدف المملكة هو ضرب إسرائيل quot;.. إلا أن وزارة الخارجية برئاسة الكسندر هيج أوصت برفضها quot; في ضوء الضغوط البالغة الشدة التي بدأت الجماعات اليهودية في ممارستها علناً وفى الخفاء..
قرر مجلس إدارة إيباك AIPAC- التي تعد إلى الآن اقوي جماعات الضغط في أمريكا ndash; أن تصعد من حملتها نيابية عن الحكومة الإسرائيلية لوقف هذه الصفقة مستغلة الشعار الذي رفعه السيناتور ادوارد كيندي quot; أن إتمامها سيخُل بميزان القوى في الشرق الأوسط لأنها ستشكل مصدر تهديد مباشر لإسرائيل quot;..
أطلقت إيباك أول صواريخها الهجومية في اتجاه الإدارة الأمريكية عندما نسقت مع مؤيدي إسرائيل داخل الكونجرس لعقد ندوتين للحوار حول الصفقة عقدت الأولي بمجلس النواب وعقدت الثانية بمجلس الشيوخ بهدف التأثير على الرئيس ريجان الذي سرب ndash; رغم ذلك - ما يفيد أنه ملتزم بإتمامها في ظل قناعته بأحقيته ndash; لأسباب خاصة - بالفوز بمنصب الرئيس..
وبينما اعتمد البيت الأبيض على قدرات ريتشارد الين مستشار الرئيس للأمن القومي على إدارة الحوار خصوصاً في ندوة مجلس الشيوخ لصالح إتمام الصفقة، ركزت إيباك على تشجيع الغالبية الديموقراطية التي تهيمن على المجلس ( النواب ) لفرض وصايتها على الرئيس الجمهوري الجديد.. ولوحت بإمكانية نقل التأييد التقليدي الذي يحظي به الحزب الديوقراطي بين أثرياء اليهود إلى الحزب الجهوري.. وفى نفس الوقت قتحت دائرة إتصالتها مع رؤساء الجماعات اليهودية الأمريكية على إمتداد الساعة لشحنهم للقيام بالضغط على أعضاء مجلس الشيوخ بكافة الوسائل للاعتراض على إتمام هذه الصفقة quot; لما تُمثله من مخاطر على أمن إسرائيل التي تمثل النظام الديموقراطي الوحيد بين أنظمة الحكم الديكتاتورية والرجعية في الشرق الأوسط quot;..
أعلن البيت الأبيض في مارس عام 80 quot; انه، وافق تحت ضغط الظروف المستجدة في الشرق الأوسط والمتمثلة في غزو السوفيت لأفغانستان وإندلاع الحرب العراقية الايرانية، على بيع صواريخ جو / جو وخزانات إضافية لطائرات إف / 15 للسعودية.. ورفض طلبها لشراء منصات توجيه قذائف لأنها ستزيد من قدراتها الدفاعية.. كما قرر في نفس الوقت تقديم مساعدات مالية لإسرائيل قدرها 600 مليون دولار على مدى عامين ووعد بان يعيد التفكير في القيود التي فرضها ndash; واشنطن - عليها من قبل حيال بيع طائراتها المقاتلة كافير لطرف ثالث quot;..
رغم كل هذه الضمانات والقيود من ناحية والمكاسب الهائلة من ناحية أخرى، تمسكت إسرائيل برفض إتمام الصفقة خاصة بعد أن أضاف إليها الرئيس الأمريكي quot; الموفقة على بيع خمس طائرات من طراز اواكس quot; الأمر الذي برهن على مبدأ الرفض قائم لأنه يتعلق quot; بمعركة quot; تسليح دولة عربية تؤيدها الرابطة الوطنية للعرب الأمريكيين والشركات العملاقة التي لها مصالح في المملكة..
استغلت الإدارة الأمريكية رغبة مناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد لزيارة واشنطن في سبتمبر عام 81، وساومته مقابل عدم فتح ملف الصفقة مع أعضاء مجلس الشيوخ أن تكف ( هي ) عن التعريض بسياسات حكومته العدوانية التي عكستها عملية ضرب المفاعل الذرى العراقي وغارت طائراتها الوحشية ضد بيروت.. ولكنه لم يف بما اتفق عليه مع سفارته في واشنطن، وعمل بشكل خفي على إشاعة quot; المخاوف ضد سلامة وأمن الشعب الإسرائيلي quot; في كل مكان ذهب إليه سواء كان تجمع سياسي أو لقاء إعلامي أو مقابلة مع يهود أمريكيون..
ردا على الاستفزازات التي خلفتها زيارة بيجين داخل مجلسي النواب والشيوخ اصدر البيت الأبيض بياناً نفي فيه تماما أن الطائرات المباعة للسعودية تعكس تهديداً لإسرائيل لأن quot; ما تتمتع به من مزايا تقنية ndash; تخشي منها إسرائيل على نفسها - لا يتوافر إلا في الطائرات التي تعمل في خدمتها وتلك التي تعمل لحساب الناتو quot;..
صوت مجلس النواب الأمريكي يوم 14 أكتوبر عام 81 ضد بيع الطائرات للسعودية بعد أن اعترضت عليها لجنة علاقاته الخارجية، مما اضطر إدارة الرئيس ريجان إلى تكثيف جهودها داخل مجلس الشيوخ لكسب المعركة..
وتحقق لها النجاح عندما صوت 52 من أعضاء الكونجرس إلى جانب quot; إتمام الصفقة quot; وإعترض عليها 48 منهم..
هذه الإرهاصات نفسها.. تعيشها هذه الأيام الأجواء السياسية على مستوى المسافة الفاصلة بين البيت الأبيض ومبني الكابيتول الذي يضم مجلسي النواب والشيوخ.. فهل يعيد التاريخ نفسه وتفوز المملكة العربية السعودية بإتمام الصفقة، أم تنجح إيباك في وقفها هذه المرة ثأرا لهزيمتها قبل ما يزيد عن عشرين عام!!..

استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا
[email protected]