أخبار مرتبكة
نقد رواية أنس بن مالك
في البخاري (حدثنا محمد بن عبد الصمد، حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز بن صهيب، حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو يردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يُعرَف ونبي الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يُعرَف، قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك ؟ فيقول: هذا الرجل يهديني سواء السبيل، قال: فيحسب الحاسب انه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير، فالتفت ابو بكر فأذا هو فارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أللهم أصرعه، فصرع الفرس، ثم قامت تحمحم، فقال يا نبي الله مرني بما شئت، فقال: قف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا، قال: فكان أوَّل النهار جاهدا على نبي الله صلى الله عليه وسلم وكان أخر النهار مسلمة له، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم جانب الحرّة، ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فسلموا عليهما وقالوا: أركبا آمنين مُطاعين، فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وحفَّوا دونهما بالسلاح، فقيل في المدينة: جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب، فأنه ليحدث أهله إذا سمع به عبد الله بن سلام، وهو في نخل لأهله، يخترف لهم، فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم أي بيوت أهلنا أقرب ؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله، وهذه داري، وهذا أبي. قال فانطلق فهيئ لنا مقيلا، قال: قوما على بركة الله. فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام، فقال: أشهد أنك رسول الله، وإنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فأدعهم فاسالهم عن قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فانهم أن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيَّ، فارسل نبي الله صلى الله عليه وسلم فاقبلوا فدخلوا عليه. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود، ويلكم إتقوا الله، فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتمك بحق فاسلموا، قالوا: ما نعلمه ــ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم قالها ثلاث مرار ــ قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا: حاشا لله ما كان ليُسلم، قال: أفرأيتم لو أسلم، قالوا: حاشا لله ما كان ليُسلم، قال: أفرأيتم إن أسلم، قالوا: حاشا لله ما كان ليُسلم. قال: أ خرج عليهم، فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله، فو الله الذي لا إله إلا هو أنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق، فقالوا: كذب فاخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) 1ـ
رواه أحمد بن حنبل عن طريق (عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني أبي، حدثني عبد العزيز بن صهيب، حدثنا أنس بن مالك... وساق الحديث ــ)، ورواه بن سعد بطريق (أخبرنا أبو معمر المنقري، ا خبرنا عبد الوارث، أخبرنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك... وساق الحديث...) 2 ورواه مختصرا عن (حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن أبا بكر الصديق كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، وكان أبو بكر يختلف إلى الشام، فكان يُعرَف، فكانوا يقولون: يا أبا بكر من هذا الغلام بين يديك ؟ فقال: هذا يهديني السبيل، فلما دنوا من المدينة نزلا الحرَّة، وبعث إلى الأنصار، فجاءوا، فقالوا: قوما آمنين مطمئنين، قال: فشهدته يوم دخل المدينة علينا، فما رأيت يوما قط كان أحسن ولا أضوء من يوم دخل المدينة علينا، وشهدته يوم مات، فما رأيت قد يوماكان أقبح ولا أظلم من يوم مات)3 ورواه أيضا عن طريق أبي هريرة قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء أبي بكر ناقته، قال: فكلما لقيه إنسان قال: من أنت ؟ قال: باغ، بغي، فقال: من هذا ورائك ؟ قال: هادي يهديني)4
والسؤال:
ما هو الموقف من رواية أنس الطويلة هذه ؟
ونحن نركز على رواية أنس بن مالك لأنها القاعدة والأساس هنا.
التدقيق جيدا في تضاعيف الرواية المذكورة يثير في النفس أ كثر من داع سلبي، وخاصة العبارة المحيِّرة التي تقول (وأبو بكر شيخ يُعرَف ونبي الله شاب لا يُعرَف).
الذي يلفت النظر في هذه العبارة أنها تصدَّرت النص الطويل، ثم تتوالى صيغت تأكيدها بشكل وآخر، وملاحظتنا على هذه الجملة الخطرة من ورواية أنس...
bull;أنها عبارة جافة منطيقا وواقعيا، فلم يكن فارق السن بين النبي الكريم والصديق رضي الله عنه أكثر من سنتين، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد عرض نفسه على القبائل، وا لتقى بعرب المدينة في البيعة الأولى والثانية، وذلك من أوس وخزرج، وقد طارت شهرته الأفاق، وعرف وضعه الجميع، ولذا أعتبر هذا التصوير مخالفا للمنطق الطبيعي، فضلا عن كونه جافا مكابرا، وقد أدرك بعضهم مزالق هذا المنطق غير الطبيعي، وحاول معالجته، فأدعى أن النبي كان لا يُعرَف وأبو بكر يعرف، لأن أبا بكر كان أشيب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأنه كان كثير السفر إلى الشام،وهو تعليل لا يرقى إلى الحجة القوية، على أن هذا المنطق الجاف يكرِّس جهله وجهالته عندما يدعي أنس بن مالك في روايته هذه أن العرب الذين كانوا يلقون أبا بكر رضي الله عنه يسألونه عن هذا (الغلام) الذي بين يديه ــ طبقات بن سعد 1/ 234 ــ حقا أنه منطق جاف بل ومنافي للتاريخ بشكل فاضح، حيث كان النبي الكريم قد بلغ من العمر أكثر من أربعين عاما، وهو منطق منحاز لحساب شخص على حساب خاتم الأنبياء، فالنبي الكريم الذي صنع التاريخ ملقى أو مودَّع بين يدي أبي بكر، وفي تصوري حتى أبو بكر رضي الله عنه يرفض ذلك.
bull;وبالمقارنة مع رواية مولى أبي هريرة، يبدو لنا أن أبا بكر رضي الله عنه هو الآخر (لا يُعرَف) ففي النص (... فكلما لقيه ــ أي أبي بكر ـــ أنسان قال من أنت ؟ قال باغ أبغي...) وهذا خلاف ما جاء في رواية أنس بن مالك، وفي أهم نقطة يُراد التوكيد عليها، أي (وكان أبو بكر رجل يُعرَف)
bull;وتصطدم مسألة السن بمستويها (الرسول الشاب وأبو بكر الشيخ) برواية ابن اسحق عن عروة، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة،عن رجال من قومه التي جاء بها (لما بلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة،وكنا نخرج كل غداة، نجلس له بظاهر الحرَّة... حتى إذا كان اليوم الذي جاء فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم... خرجنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أناخ إلى ظل هو وأبو بكر، و الله ما ندري أيهما أسن، هما في سن واحدة)5.
bull;وفي رواية أنس هذه نقرأ أن النبي الكريم وصاحبه الكريم قدما المدينة في النهار، وذلك في قوله (... فكان أول النهار جاهدا على بني الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النهار مسلحة) ولكن في هذا معارض برواية اسرئيل عن أبي اسحق،عن البراء، عن أبي بكر (... ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، حتى قدمنا المدينة ليلا) ــ 6، ويقال له حديث الرمل ــ وهو حديث صحيح بعرف الفكر السني، لأن مسلما رواه في صحيحه، فأيهما أدعى للقبول والأخذ وكلاهما صحيح ؟ ربما سيأتي كلام أكثر في هذه النقطة.
bull;ولم نجد لخبر (الإرداف) هذا أثرا في رواية ابن اسحق عن عبد الرحمن بن عويمر بن ساعدة، ولا في رواية ابن عباس عن دخول رسول الله المدينة 7 ولا في رواية عروة التي سوف نناقشها لاحقا، ومن الغريب أن تغيب هذه الظاهرة البارزة في رويات هؤلاء فيما ينفرد بها أنس بن مالك، وكان عمره آنذاك عشرة سنوات !! والحالة ذاتها يمكن أن تُثار في خصوص الفارس المزعوم.
من الواضح أن الرواية تتكون من المقاطع التالية: ــ
المقطع الأول: قبل مجيئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحرّة، وكانت فيها وقعة أ وحدث الفارس ا لذي لحق النبي الكريم وصاحبه الكريم،وما حصل لهما معا.
المقطع الثاني: نزول النبي الحرّة ومجيء الأنصار لإستقباله ــ وسوف نتحدث عن هذه النقطة لاحقا بإذن الله تبارك وتعالى ــ.
المقطع الثالث: دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فعلا،ونزوله على دار أبي أيوب.
المقطع الرابع: قصته صلى الله عليه وآله وسلم مع عبد بن سلام.
ونريد أن نعالج المطقطع الأول، فهو أضافة إلى خلو الروايات الأخرى منه، يثير سؤالا بديهيا.
من أين علم أنس بهذا الحدث الضخم ؟
لقد كان أنس في الحرّة وذلك تقديرا وانسجاما مع صحة حديثه وصدق خبره، والحدث كان قبل وصول الرسول الحرّة، فكيف علم بذلك ؟
قد يُقال أن أنس روى ذلك عن غيره، ولكن يحق لنا أن نسال عن هذا الغير، رغم أن لحن الروا ية لا يفيد ذلك على الإطلاق.
أن أنس يروي هنا شيئا لم يره، وعلى ضوء ذلك يكون من الصعب قبول كل ما جاء في رواية أنس، وعلينا ان نتعامل معها بحذر.
نقد رواية عروة بن الزبير
قال بن شهاب (فاخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب من المسلمين، كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرَّة فينتظرونه، حتى يردَّهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من أطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات اليمين، حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا، فطفق نم جاء من الانصار ــ ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ يحي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسَّس المسجد الذي أُسَِس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتمين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت راحلته: هذا أن شاء الله المنزل، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هدية حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول، وهو ينقل اللبن:
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
اللهم أن الآخر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة) ــ8 في تاريخه
ما هو الموقف من هذا الرواية ؟
يبدو أن هناك إصرارا على أن يكون أبو بكر رضي الله عنه عرِّيف رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم الخلل في السند الذي سنأتي على محاكمته، فأن هناك أكثر من ملاحظة.
bull;إن لحن الرواية يفيد بأن اليهودي المزعوم شخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ البداية، وبهذا يكون وفّر فرصة للتعرف على النبي الكريم، وأعتقد أن أي أنصاري وافد سوف لا يخفى عليه رسول الله بعد ذلك، خا صة وإن الأنصار الذين استقبلوا رسول الله في الحرّة كانوا خمسائة صحابي 9ــ وليس بحاجة أن ينتظر مفارقة الشمس والرداء، بل أن السؤال عمّن هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيكون فاتحة كلام أي أنصاري قادم، والجواب ليس صعبا،ثم أين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الذين سبقوه إلى الهجرة والذين سبقوه في النزول على بيت عمرو بن عوف10
bull;وفي الرواية ما يتعارض مع رواية أسرائيل عن أبي اسحق،عن البراء بن عازب، عن أبي بكر نفسه (ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه ــ أي أبو بكر ــ حتى قدمنا المدينة ليلا) كما جاء في صحيح مسلم (ح 2009 باب الزهد) !
bull;وهنا مفارقة مهمة بين رواية أنس السابقة ورواية عروة هذه، فلقد أدعى أنس في روياته أن الأنصار إنما جاءوا رسول الله في الحرة بعد أن أرسل إليهم، فيما يدعي عروة أ ن الأنصار إنصرفوا إلى بيوتهم، وفي هذه اللحظة جاء الرسول وهتف اليهودي ا لمزعوم بصيحته، فعادوا والتقوا رسول الله مرة أخرى.
bull;وانسجاما مع رسالة النبوة والشخصية العظيمة أعتقد أن من الأرجح أن يبادر صلى الله عليه وآله للتعريف بنفسه، و التعريف بأبي بكر رضي الله عنه، وليس العكس كما تدعي هذه الرواية.
هذا في صدد هذه الفقرة من المتن، وسوف نناقش فقراتها الأخرى في السطور الآتية أ ن شاء الله.
سند الرواية يقف عند عروة، ومن حقنا أن نسأل أو نطالب بالمصدر الذي أخذ منه عروة ا لخبر، ويروي بعضه ابن اسحق بسند [ فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عويمر بن سا عدة قال: حدَّثني رجال من قومي من أ صحاب رسول الله.... (وساق الحديث)]. وهنا أكثر من ملاحظة:
الأولى: الثغرة في السند التي تتجسد في (حدثني رجال من قومي)، لأن هؤلاء في عداد المجهولين، فهو حديث غير متصل السند، وذلك لا يعالج أبدا نقطة الضعف في سند عروة السابق.
الثانية: أن رواية ابن اسحق خالية من أكثر من فقرة في رواية عروة بن الزبير، ومنها: إدعاء الاكساء (الذي سوف ننقاشه في آخر البحث)، ومنها: التعريف بأبي بكر رضي الله عنه. وتأسيسا على الملاحظات السابقة من الصعب قبول كل ما جاء في هذه الرواية.
في قباء
تتفق أو تكاد كل المصادر الحديثية والتاريخية وكتب السيرة أن رسول الله وصل المدينة المنورة في يوم الأثنين، 12 ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة، 11. وكانت هناك إشارة واضحة في رواية أنس وعروة، كذلك فيما يرويه ابن اسحق (السيرة الهشامية 2 / 137)، من أن رسول الله التقى الأنصار بالحرة، بشكل وآخر، فأن المصادر كلها تؤكد أنه صلى الله عليه وآله استقر في قباء، وقباء تقع على بعد ميلين من جنوب المدينة المنورة، جاء هذا في كل المصادر التي تعرضت لسيرته، وأكثر هذه المصادر أنه نزل في قباء، حيث كادت الشمس أن تعتدل، وشذ من قال أ نه قدمها ليلا، وذلك في رواية العازب عن أبي بكر في صحيح مسلم (ح: 2009).
وهنا سؤال: ــ
كم مكث رسول الله في قباء، وقبل ذلك، ماهي أجواء وحيثيات هذا النزول ؟
قال ابن اسحاق (... فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الأثنين، يوم الثلاثاء،ويوم الأربعاء، ويوم الخميس، وأسس مسجده، ثم أخرجه الله من بني أظهرهم يوم الجمعة، وبنو عمرو بن عوف يزعمون: أنه مكث فيهم أ كثر من ذلك، فالله أعلم أي ذلك كان. فأدركت رسول الله الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلاّها في المسجد الذي في بطن ا لوادي، وأدى الأنواء، فكانت أول جمعة صلاّها في المدينة) 12.
ويستمر ابن اسحق في سرده، فيذكر أن رسول الله واصل مسيره، وكلما يمر بحي من أحياء العرب يأخذون بناقته، ويطالبونه بالنزول عليهم، فيقول الرسول (خلوّا سبيلها فإنها مأمورة)، أي الناقة،حتى (... إ ذا أتت دار بني مالك بن النجاربركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم... فلما بركت ورسول الله عليها لم ينزل، وثبت، فسارت غير بعيد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها، لا يثنيها به،ثم التفت إلى خلفها، فرجعت إلى مبركها أوَّل مرَّة، فبركت فيه... فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أ يوب بن خالد بن زيد رحْله فوضعه في بتيه ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) /13
جاء في صحيح البخاري عن طريق التياح عن أنس بن مالك: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في علوّ المدينة من حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، قال: فأقام فيها أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، قال: فجاءوا متقلدين سيوفهم، قال: وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على را حلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بن النجار حوله،، حتى ألقى بفناء أبي أ يوب، قال: فكان يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصي في مرابض الغنم، قال:ثم أنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى الملأ من بني النجار، فجاءوا. فقال: يا بني النجار تأمنوني بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال: فكان فيه ما ما أقول لكم...) [14.ونلاحظ توكيده على بني النجار بطريقة فنية مقصودة، وقد أهمل ذكر كل الأحياء العربية التي مرَّ بها رسول الله في حركته من قباء إلى المدينة، وركز على بني النجار فقط، وربما يعود هذا إلى كونه بخاريا في الاساس، فهو: (أبو حمزة الأنصاري الخزرجي البخاري المدني)/ 15 حيث بنى الرسول المسجد.
وعلى هذا الاساس يكون النبي الكريم قد مكث في قباء، وفي بيت عمرو بن عوف أربعة أيام، أو أربع عشرة ليلة، قال بالرأي الأول أبن اسحق في السيرة، وتابعه الطبري في 2 / 459، ورجحه البلاذري في 1 / 263، وذكره الكامل في التاريخ في 2 / 107. وعلى الثاني رواية البخاري ومسلم وابن سعد،وابن الجوزي في زاد المعاد 3 / 58، وغير هذين الرأيين ضعيف لا يُؤخذ به / أنساب الأشراف 3 / 58 / والرأي الأ ول أثبت لدى المؤرخين.
كان البيت الذي نزل فيه هو دار كلثون بن الهدم، وفي الوقت نفسه كان يخرج ويجلس للناس في بيت سد بن خيثمة، الذي يقال له بيت العزاب، ذلك إشارة إلى أعزاب المهاجرين، كانوا ينزلون عنده 16.
هذا المختصر مأخوذ من عدة مصادر وبلحاظ العناصر المشتركة إلى حد ما.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه
والأن سؤال ثان: ــ
وأين كان أبو بكر الصديق ؟
قال ابن اسحق (فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون على كلثوم بن الهدم، أخي بني عمرو بن عوف... ونزل الصديق رضي الله عنه على خصيب بن أساف، أحد بني الحارث بن ا لخزرج بالسنّج، ويقول قائل كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير، أ خي بني الحارث)17.
نقله الطبري في 2 / 457، وذكره الكامل في 2 / 106، ونقرأ أيضا (... ونزل أبو بكر على حبيب بن أبي سفيان، وقيل على خارجة بن زيد بالسنُّج)18ا (... ونزل أبو بكر رضي الله عنه على حبيب بن أساف، وقيل خارجة بن زيد رضي الله عنه) / 19
اذن افترق أبو بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم نزوله على كلثوم بن ا لهدم من بني عمرو بن عوف، أضف على ذلك لم نكد نسمع لأبي بكر ا لصديق أي نشاط خلا ل هذه المدة التي أقامها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في (قباء) وكأن مهمته كانت التعريف بالنبي وقد أنتهت الآن !!
علي بن أبي طالب عليه السلام
وسؤال ثالث...
وأين مصير علي بن أبي طالب عليه السلام ؟
في السيرة الهشامية (وأقام علي بن أبي طالب عليه السلام بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ا لودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن هدم...) 20
في أنساب الاشراف (... وقدم علي بن أبي طالب عليه السلام المدينة فنزل على كلثوم ين الهدم...) المصدر.
وفي إمتاع الأسماع (لما قدم رسول الله إلى قباء... ونزل على كلثوم بن الهدم... وقال قوم: نزلوا على سعبد بن خيثمة، والصحيح: أنه نزل على كلثوم بن الهدم،غير أنه كا ن إ ذا خرج من منزل كلثوم بن الهدم يجلس للناس في منزل سعد بن خثيمة وراودوه على الدخول إلى المدينة، فقال: ما أنا بداخلها حتى يقدم بن عمي وابنتي، يعني عليا وفاطمة)21.
وفي الفصول المهمة (فوصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء... ونزل على كلثوم بن الهدم... وقال قوم: نزل على سعد بن خيثمة، والصحيح: أنه نزل على كلثوم بن الهدم، غير أنه كان إذا خرج من منزل كلثوم بن الهدم يجلس للناس في منزل سعد بن خيثمة، وراودوه عى الدخول إلى المدينة، فقال: ما انا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي، يعني علياً وفاطمة)22.
وفي الحلبية (... ونزل علي بن أبي طالب لما قدم المدينة على كلثوم أيضا، بقباء بعد أن تأ خر بمكة بعده ـ أي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث ليالي ليؤدي الودائع)23.
وفي سيرة دحلان (ولما توجّه صلى الله عليه وسلم المدينة أمر عليا رضي الله عنه أن يقيم بعده حتى يرد الودائع، فقال علي كرم الله وجهه بالأبطح ينادي من كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وديعة فليأت تؤدّى إليه أمانته، فلما نفذ ذلك ورد عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشخوص إليه... ولما حصل نزل على كلثوم بن الهدم)24.
وفي تنبيه الأشراف (... وأمر ـ أي رسول الله ــ عليا رضي الله عنه بالتخلف بعده ليؤدي عنه ودائع كانت للناس عنده، فتخلف بعد خروجه ثلاثة أيام،وإلى أن أدّى ما كان عنده من الودائع ثم لحق به...)25
وفي نور الأبصار (... فنزل صلى الله عليه وسلم بقباء، وكان يوم الأثنين... وأدركه علي هو ومن معه من ضعفاء المؤمنين بقباء، ولم يقم بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إلاّ ثلاثة أيام...)26.
وفي سيرة ابن كثير (... وتأخر علي بن أبي طالب بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأمره، ليؤدي ما كان عنده عليه السلام من الودائع ثم لحقهم بقباء)27.
وفي الحقيقة أن حاصل هذه النصوص أن عليا عليه السلام لحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقباء، رغم تحفظنا على بعض المواد في هذه النصوص، منها قضية الودائع، فأن العلاقة بين النبي الكريم والمجتمع الجاهلي أنذاك توترت، ووصلت إلى حد القتل، فكيف يستقيم هذا مع ذاك ؟ وكيف تتوفر إمكانيات إعادة هذه الودائع إلى أهلها على يد علي، وهناك العيون تتربص بالنبي ومن له علاقة به ؟! ثم نستطيع بكل وضوح ان نلاحظ عمليات الزياد ة في المضمون من مصدر لآخر ! ولكن القدر المتيقن هو أن عليا لحق بالنبي في قباء، ولكن رغم ذلك نقرأ عن أبن سعد عن الواقدي قوله: ـ
(... وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزل أبي أيوب زيد بن حارثة وأبا رافع وأعطاهما بعيرين وخمسين درهم إلى مكة، فقدما عليه بفاطمة وام كلثوم أبنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة بنت رامعة... وخرج عبد الله بن أ بي بكر معهم بعيال أبي بكر، فيهم عائشة...) 28.
لقد حاول بعضهم أن يستفيد من هذه الرواية نفيا لما سبق بيانه، محاولا إثبات الادعاء الذي يقول أن عليا عليه السلام لحق رسول الله بعد أ ن استقر في المدينة وعند أبي ايوب على وجه الخصوص.
هذه الرواية تثير أكثر من إشكال.
أولا: من الغريب حقا أننا لم نعثر على اسم علي بن أبي طالب في هذه الرواية ضمن الجماعة القادمة،مع أنه أهم شخصية في الموضوع كله، فيما حرصت الرواية على ذكر الاسماء الباقية، الأمر الذي يؤكد مشروعية هذا الاستغراب، وهو بلا ريب يشكل نقطة ضعف في الروا ية،إذ لا يوجد أي مسوغ لأغفال أو إخفاء الأسم المذكور، بل بالعكس، الدواعي متوفرة على ضرورة ذكره والتنويه به.
ثانيا: إن الرواية تتضاد مع السرد الروائي الذي سبق أن استعرضنا بعض شواهده،وهو سرد يتسم بتصاف حقائقه، واتساق أفكاره، وتلاحق أحداثه، مما يوفر له دعائم مهمة على صعيد القبول.
ثالثا: لقد مضى بنا الحديث عن كيفية مجي عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما، بعد أن أعلمه عبد الله بن أبي أريقط،ولم تشر الرواية أبدا إلى علي ومجيئه.
الرواية الشيعية
في (إعلام الورى) يرد خبر الزهري ويدرج أهم ما ورد في مصادر المدرسة الأخرى،فد وافى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قباء يوم الأثنين 12 ربيع الأول، ونزل على كلثوم بن الهدم شيخ بني عمرو، ويشير صاحب المصدر الذي هو الطبرسي قائلا (فلما أمس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فارقه أبو بكر ودخل المدينة، ونزل على بعض الأنصار، وبقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقباء نازلا على كلثوم بن الهدم)29.ويذكر الطبرسي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكث في قباء (خمس عشر يوما فجاء أبو بكر فقال: يا رسول الله تدخل المدينة فأن القوم متشوقون إلى نزولك عليهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا أريم هذا المكان حتى يوافي أخي علي عليه السلام، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث إليه أن إحمل العيال وأقدم، فقال أبو بكر: ما أحسب عليا يوا في، قال:بلى ما أ سرعه إن شاء الله، فبقي خمس عشر يوما، فوافى علي عليه السلام بعياله... وبقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد قدوم علي عليه السلام يوماً أو يومين ثم ركب راحلته...) 30/ ويستمر المصدر فيذكر ما ذُكِر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأوس والخزرج يحفونه مرّ ببني سالم عند زوال الشمس، فنزل عندهم، وصلى الظهر، وخطب الجمعة فيهم، ثم سار بناقته، فانتهى إلى عبد الله بن أُبي، وفي نهاية المطاف بركت ناقته على باب أبي أيوب خالد بن زيد31.وفي الكافي أن النبي الكريم قدم المدينة لأثني عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول مع زوال الشمس، ونزل بقباء على عمرو بن عوف، و أقام عندهم بضعة عشر يوما (يقولون له: أتقيم عندنا فنتخذ لك مسجدا ومنزلا، فيقول: لا، أني أنتظر عليا بن أبي طالب،وقد أمرته أن يلحقني ولست مستوطنا منزلا حتى يقدم علي... فقدم علي والنبي في بيت عمر بن عوف فنزل معه، ثم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم قدم علي عليه السلام تحوَّل إلى بني سالم بن عوف، وعلي معه، يوم الجمعة، مع طلوع الشمس، فخط لهم مسجدا، ونصل قبلته، وصلى بهم الجمعة... ثم را ح من يومه إلى المدينة، على ناقته ا لتي كان قدم عليها، وعلي معه لا يفارقه... قال سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين عليه السلام: جُعِلت فداك كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أقبل إلى المدينة فأين فا رقه ؟ فقال: أ ن أ با بكر لما قدم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قباء، فنزل بهم ينتظر قدوم علي عليه السلام، فقال له أبو بكر: أنهض بنا إلى المدينة، فأ ن القوم فرحوا بقدومك، وهم يستيرثون أقبالك إليهم، فأنطلق بنا إلى المدينة، ولا تقم هنا تنتظر عليا،فما أظنه يقدم عليك إلى شهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كلا، ما أسرعه... فأنطلق ــ أي أبو بكر رضي الله عنه ــ حتى دخل المدينة، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء حتى ينتظر عليا) 32، وفي المناقب (... دخل ـ أي النبي الكريم ــ المدينة يوم الأثنين الثاني من عشرين ربيع الأول، وقيل ا لحادي عشر وهي السنة الأ ولى من الهدجرة... وكان نزل بقباء في دار كلثوم بن الهدم، ثم بدار سعد بن خيثمة الأوسي ثلاثة أيام، ويقال: أ ثنا عشر يوما إلى بلوغ علي وأهل البيت...)33، وفي رواية ثانية (... فنزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كلثوم بن الهدم، وكان يخرج فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة، وكا ن قيام علي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث ليال، ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزل معه على كلثوم، وكان أبو بكرفي بيت حبيب بن آساف، فأقام النبي بقباء يوم الأثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسَّس مسجده، وصلى يوم الجمعة في المسجد الذي في بطن الوادي... فكانت أول صلاة صلاّها بالمدينة...)34. ويوصل الحديث حتى وقوف الناقة على با ب بيت أبي أيوب، ونزل الرسول هذا البيت. 35.
تعتمد الرواية الشيعية هنا على الرواية السنية بشكل عام،ولكن تزيد ما من شأنه الإساءة المبطنة إلى أبي بكر رضي الله عنه، حيث كان أبو بكر حسب بعض مقاطع الرواية يستبعد قدوم علي على قباء قريبا، وربما لشهر ! وكان يحاول إقناع الرسول الكريم بذلك !
هذا المقطع من الراوية كما أتصور هو جزء من صراع مناقبي تولت إدارته سلطة خارج النص كما هو و اضح، ومن الأفضل في مثل هذه الحالات الحذر من الأخذ بمثل هذه النصوص، ومن حقنا أن نسأل عن مصدر هؤلاء في هذه الزيادات على النص الأصلي المنقول عنه.
النزول على بني النجار
خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قباء يوم الجمعة متوجها إلى قلب المدينة الطيبة، وقد صلى الجمعة في بني سليم، وتذكر الروايات أن الرسول كان يمر بأحياء الأنصار وفي الطريق إلى المدينة، فيعترضون ناقته، يطلبونه بالنزول عليهم لأنهم أهل العدة و المنعة والقوّة. ولكن رسول الله كان يقول لهم (خلوا سبيلها فإنها مأمورة)، أي النا قة وتختلف الروايات في تصوير النتيجة.
في رو اية أنس بن ما لك (... ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت ناقته عند مسجد الرسول بالمدينة... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت راحلته: هذا إن شاء الله المنزل...) 36. وفي رواية أخرى (فبركت على باب أبي أيوب...) 37..وفي رواية (... قال ــ يعني أنس ــ وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر دونه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب...) 38. وفي رواية (... فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل جانب ولد أبي أيوب... فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي البيوت أهلنا أقرب ؟ فقال: أبو أيوب أنا يا نبي الله،هذه داري وهذا أبي، قال: فأنطلق فهي لنا مقيلا...) 39. ونقطة الضعف في هذه الروا يات أ نها جميعا عن أنس، ولكنها مضطربة في تحديد المكان الذي إنتهت إليه الناقة، المسجد أم باب أبي أيوب أم فناء إبي أيوب أ م جانب دار أبي أيوب ؟ وقد يبدو أن هذا الاعتراض بسيطا، ولكنه في الحقيقة مهم، من جانب خفي، أنه يكشف عن عدم دقة الراوي وضبطه،وتحديد المكان جزء من رحلة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فضلا عن أن هذا الاضطراب يحول دون تشكيل صورة واضحة المعالم عن النتيجة في هذا المجال. نقرأ في روا ية لعبد الله بن الزبير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ا ستناخت به راحلته بين دار جعفر بن محمد بن علي وبين دار الحسن بن زيد، فأتاه الناس فقالوا: يا رسول الله المنزل، فانبعثت به ر احلته، فقال: دعوها فأنها مأمورة... ثم خرجت به حتى جاءت موضع المنبر، فأستناخت ثم تحللت... فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته فيه، فآوى إلى الظل، فأتاه أيوب، فقال: يا رسول الله أ ن منزلي أ قرب المنازل إليك، فانقل رحلك إليَّ قال: نعم، فذهب برحله إلى المنزل، ثم أ تاه رجل فقال: يا رسول الله أين تحل ؟ فقال: أن الرجل مع رحله أ ين كان)40.
ويمكننا أن نلاحظ على هذه الرواية أنها عن عبد الله بن الزبير، وهذا الرجل ولد في عام الهجرة ! وإذا كان قد استقاها من مصدر ما، فلم لم يذكر المصدر، ومن هو المصدر ياترى؟
نقرا في روا ية أخرى (... حدثنا مضر بن علي، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن اسحق... قدم المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم... إنتهت إلى مكان مسجده في المدينة، وهو مربد لغلامين من بني النجار، ثم من بني غنم ثم بركت... فنزل عنها واحتمل أبو أيوب رحله)41 ـ. ونقطة الضعف في هذه الروا ية أن أ بي اسحق لم يذكر مصدره، وعلى هذا المنوال يروي (... عن عبد الرحمن بن عويمر بن ساعدة، قال: حدثني رجال من قومي...)42 ــ وعنصر الإحالة الأخير مجهول. وفي رواية أخرى (... جعفر بن جسر بن فرقد: أخبرنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، عن أبن عمر، قال: قال أهل المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل المدينة راشداً مهديا،فدخلها، وخرج الناس ينظرون إليه، كلما مرَّ على قوم قالوا: يا رسول الله: ها هنا، فقال: دعوها فإنها مأمورة، ويعني الناقة،حتى بركت على باب أبي أيوب) ـ 43 ــ وفي السند: جعفر بن جسر بن فرقد، منكر الحديث عن أبيه ـ ا لضعفاء الكبير. وفي روا ية أخرى (... بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي أيوب، قال: أقرعت الأنصار أيهم يأوي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرعهم أ بو أيوب) ــ 44.وفي السند بقية بن الوليد، ففي المغني للذهبي (يروي عمّن دب ودرج، وله غرائب تُستنكر أيضا عن الثقاة لكثرة حديثه، قال بن خزيمة: لا أحتج بحديث بقية، وقال أحمد بن حنبل: له مناكير عن الثقاة... وقال غير واحد: كان يدلس عن قوم متروكين... قال ابن مبارك: أعياني بقية يسمِّي الكنى ويكنِّي الأ سماء) 45.وفي رواية البخاري أ يضا (... قال بن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير... ثم ركب ر احلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت: هذا إن شاء الله ا لمنزل...) 46. ورواه ايضا موسى بن عقبة عن ا بن شهاب عن عروة ــ ونقطة الضعف أن عروة لم يبين لنا مصدره، قد يقال أن الثقة لا يروي إلا عن ثقة، وهي حجة و اهية، ضعيفة، فإذا كان مصدر عروة ثقة عند عروة لا يوجب كونه ثقة عند غيره، وفي تصوري أن فقدان أو غياب المصدر في مثل هذه الأحوال يدعونا إلى التريث كثيرا، حتى وإن جاءت مؤيدات من الخارج، لأن الخبر في حقيقته اتصال سندي حتى المنبع الأول، وأن المؤيدات الخارجية قد تجبر ضعف السند على شرط ا تصاله المستمر حتى المصدر المؤسس، أما إذا كان هذا المصدر غائبا، فإن هذه المؤيدات الخارجية لا تنقذ الخبر أو لا تردم هذا الفراغ المفزع.
إن وقوف السند عند عروة بن الزبير يبرر السؤال التالي...
ترى من أين أخذ عروة الخبر ؟
سؤال يطرحه الفراغ وليس واقع عروة،وإن هذا الواقع مهما كان ناصعا، لا يملك القدرة على ملئ هذا الفراغ، لان وا قع عروة يملا حياته الخاصة، وهو حجة عليه في الاختيار، لا أكثر ولا أقل.
هذه هي اهم الروايات في الباب...
وفي الحقيقة إذا اغفلنا ما يعتري هذه الرواية أو تلك، فإن الاتجاه العام يفيد بأن ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بركت على باب مسجده، ثم نهضت أو نهض بها، فانتقل إلى بيت أ بي أ يوب،وعلى هذا الشبلنجي ودحلان وانساب الأشراف، وفي الرو اية الشيعية ما يؤيد ذلك، ففي روضة الكافي (... وليس يمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببطن من بطون الأنصار إلاّ قاموا إليه يسالونه أي منزل ينزل عليهم، فيقول لهم: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضع لها زمامها، حتى إنتهت إلى الموقع الذي ترى، وأشار بيده إلى المسجد، فوقفت عنده وبركت، ووضعت جرانها على الأرض، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقبل أيوب مبادرا، حتى احتمل رحْله فادخله منزله، ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي معه، حتى بنى له مسجد ه، وبُنيت له مساكنه، ومنزل علي عليه السلام، فتحولا إلى منازلهما) 47.والرواية عن سعيد بن المسيب، ولم تثبت رجاليا وثاقته عند الشيعة أنفسهم !
في تصوري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يريد النزول في أقرب مكان ممكن، فهو جاء من سفر طويل، متعب، وبعض الروايات تفيد ذلك بطريقة غير مباشرة، فقد كان صلى الله علية وآله وسلم يسأل عن أقرب مكان، وفي رواية أن أبا أيوب أخبره بـأن منزله أقرب المنازل، فحصل على رضا الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، ونلاحظ بشكل واضح إضافات صاحب الكافي على أصل الخبر !
في بيت أبي أيوب
تقول المصادر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل في بيت أبي أيوب الأنصاري الخزرجي النجاري، نسبة إلى النجار (والنسبة: أن ا لجد الأعلى وهو مالك، أختتن بقدوم، أو لأنه ضرب رجلا بقدوم فسمي نجارا...) ـ 48.وتختلف الدواعي باختلاف الروايات، منها:لأن أبا أيوب بادر واحتمل رحل الرسول الكريم، ومنها: لأن زوج أبي أيوب ا ستلمت الرحل، ومنها: لأن بيت أبي أ يوب كان أقرب البيوت إلى المسجد أو المكان الذي بركت فيه الناقة... ومهما كان الأمر، فإن هناك مسوغا آخر يذكر في السيرة، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نزل بيت أبي أيوب الأنصاري لأنه كان أفقر القوم، وهو ـ سلام الله عليه ــ أراد بذلك أكرامه 49.
ولكن من هو أبو أيوب ؟
(هو خالد بن يزيد بن كليب... بن مالك بن النجار... بن الخزرج أبو أيوب الأنصاري، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها، بايع في العقبة الثانية، قدم دمشق في إمارة معاوية بن أبي سفيان) ـ 50. كان من خلص علي بن أبي طالب عليه السلام،ومن الذين أ نكروا على أبي بكر رضي الله عنه، وكان أخر من تكلم ـ 51.وشهد معه قتال الخوارج، وصحبه إلى المدائن 52.وكان عامله على المدينة وهرب عندما وصلها بسر بن أرطأة، فحرق داره 53.ورغم التصاقه بعلي عليه السلام كان يتمنى حرب الروم ولو بقيادة يزيد بن معاوية 54.وله عدة أحاديث، ففي (مسند بقي) بقي له مئة وخمسون حديثا، فمنها في البخاري ومسلم:سبعة، وفي البخاري حديث، وفي مسلم خمسة أحاديث ــ مات سنة خمسين وقيل أثنتين وخمسين، ودفن في القسطنطينة، مما يدل على أنه حمل إلى هناك، وهو ما كان يطالب به.55 وفي رواية: (... وكان أبو أيوب له منزل أسفل وفوق المنزل غرفة، فكره أن يعلو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي العلو أحب إليك أم السفل ؟ فإني أكره أن أعلو فوقك، فقال صلى الله عليه وسلم: السفل أرفق بنا لمن يأتينا، فقال أبو أيوب: فكنا في العلو أنا وأمي، فكنت إذا استقيت الدلو أخاف أن يقع قطرة منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أ صعد وأمي إلى العلو خفيا، من حيث لا يعلم ولا يحس بنا ولا نتكلم إلا خفيا) !
نقرأ في الرواية الشيعية في هذا المقطع من السيرة الشريفة عن معاجز للرسول الكريم، فقد جاء في مناقب آل أبي طالب أن أم ايوب لما فتحت الباب كي يدخل رسول الله في البيت (... قالت: واحسرتاه، ليت كانت لي عين أبصر بها وجه سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أ ول معجزة للنبي صلى الل عليه وسلم في المدينة، أنه وضع كفه على وجه أم أيوب فانفتحت عيناها) ـ 56. والرواية مرسلة،و كتاب المناقب هذا كثيرا ما يرسل، وفي أعلام الورى (... وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة يبعث إ ليه ـ أي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ــ في كل يوم غذاء وعشاء في قصعة ثريد عليها أعراق،فكان يأكل معه من جاء حتى يشبعون، ثم ترد القصعة كما هي، وكان سعد بن عبادة يبعث إليه كل ليلة عشاء ويتعشى معه من حضره، وترد القصعة كما هي...) 57 ـ وهذ ا المصدر كثير من رواياته مراسيل. وأعتقد أن الله تبارك وتعالى يبارك في هذه القصعة برحمته، فيكفي قليلها الكثيرين، هذا ربما أكثر معقولية من هذه الصور المخيالية التي لا تتمتع بأي سند معتبر !
نموذج من الأخبار المرتبكة
قرانا في أخبار عائشة رضي الله عنها عن الهجرة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خرج وأبو بكر وعار بن فهيرة من بيت الصديق رضي الله عنه، وقد كان لكل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبه ناقته الخاصة به، وعندما انطلقا من الغار كان الركب كما تصفه السيرة الهشامية (... فركبا ـ أي الرسول وأبو بكر ــ وأردف الصديق رضي الله عنه عامر بن فهيرة مولا ه خلفه ليخدمهما في الطريق...) ـ 58ا (... فانطلقا وا نطلق معهما ـ أي الدليل ــ عامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما، ويردفه أبو بكر ويعقله على رحله...)59 ــ ويبدو أن الركب وصل إلى قباء بهذه الصورة، فأننا نقرا في سيرة إبن هشام (... ثم قدم بهما ــ أي الدليل بالرسول والصديق ــ على عمرو بن عوف لأثني عشر ليلة قد خلت من شهر ربيع الأول يوم الأثنين، حين اشتد الضحاء، وكانت الشمس تعتدل...) 60.حيث لم يذكر أي تغيير طرأ... ولكن أنس بن مالك يدلي بمعطيات أخرى، حيث يقول (... أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يُعرف والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يُعرَف... فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرَّة...)61 ــ
إذن وحسب رواية مالك، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مردفا أبا بكر قبل أن يصل الحرَّة، وهذا يخالف بظاهره رواية عروة عن عائشة، كم أنه يخالف رواية ابن اسحق، كما أنه تغيير لا نعرف له داع، فلقد كان لكل واحد منهما راحلته، منذ أن برحا الغار، بل منذ أن برحا بيت أبي بكر رضي الله عنه وذلك وفق رواية عائشة السابقة، وكان أبو بكر قد أردف عامر، فلماذا هذه النقلة غير الطبيعية ؟ !
ولم تقف المسالة عند هذا الحد ؟
تذكر الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلع على حي عمرو بن عوف في (قباء) ومكث هناك أربعة عشر ليلة على أرجح الأخبار، وأوسع الروايات، وفي الأ ثناء إفترق عن أبي بكر، وجاء علي عليه السلام لاحقا به،وبعد يومين أو أكثر رحل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة، هنا يصادفنا الموضوع نفسه، حيث يقول أنس بن مالك (وكأني أنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ر احلته وأبو بكر رضي الله عنه ردفه، وملأ بني النجار حوله، حتى أ لقى بفناء أبي أيوب)62.
لقد مر بنا سابقا، أ ن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقطع المسافة بين قباء وقلب المدينة المنورة كان يمر على أحياء العرب، وقد جرى بينه وبينهم نقاش وحوا ر وحديث، وك ان يصلي كلما يحين وقت الصلاة،وبعض الروا يات تشير أنه وضع حجر الأساس لأثر من مسجد..
والسؤال هنا هو:
ترى هل كان أبو بكر عبر كل هذه الأ حدا ث والمفاصل المثيرة صامتا ؟
لقد كان هو الذي يعرف النبي للأنصار، وهو الذي بدأ الحديث في أول اجتماع بين الرسول والحشود المستقبلة في الحرة، فاين هذا من ذاك ؟ ولماذا هذا الصمت ؟ وهل انتهت مهمة التعريف عند حدود الحرة ؟ وكل هذا الذي حصل بين الرسول وأهل الاحياء التي مر بها لم يستحق أي إشارة أ و تعليق من أ بي بكر ؟فابو بكر معرَّف الرسول، وهو ردفه، والناس تتزاحم عليه بطلب وأكثر، فكيف لا يتخذ موقفا ما أزاء كل هذا الذي يجري ؟! ونحن نطرح هذه الأسئلة آخذين بنظر الاعتبار دور أبي بكر السابق، وحركته العميقة، وهي أ سئلة يطرحها سياق الأشياء.
أدرك بعضهم بالمفارقة في رواية أنس فحاول علاجها بالطريقة التالية (... كانت للصديق رضي الله عنه ناقة خاصَّة به في رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون أبو بكر رديفه عند دخوله على أخواله بني النجار في المدينة تشريفا له، وتنويها بقدره) 63ــ
ومن الواضح هوعلاج لمشكلة مطروحة وليس إثباتا لقضية متنازع عليها أو حولها، أي أن المفارقة موجودة ومثيرة للإنبتاه، فأراد هذا الكاتب أن يعالج الدهشة المشروعة لهذه المفارقة الغريبة، على أن التنويه بشرف إبي بكر رضي الله عنه كان يمكن أن يكون بالكلام الصريح.ولم يشر المعلق ا لمذكور إلى إرداف أبي بكر مولاه عامر بن فهيرة من الغار إلى قباء، وكيف أن ذلك يتناقض مع إدعاء أنس بن مالك سابقا.
إن الإرداف كان موجودا، وعلى الأ قل في المسافة من الغار إ لى الحرة أو في قباء، ولكن لم يكن بين يدي أبي بكر ورسول الله، وإنما بين أبي بكر وعامر كما في السيرة الهشامية في رواية عروة بن الزبير عن عائشة، ولكن أنس حرف الموضوع لغايات ا لله أعلم بها.
فضيلة مشكوك بها
تشير بعض الأخبار أن الزبير بن عوام وطلحة بن عبيد الله التقيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الطريق إلى المدينة، فكسا كل منهما الرسول وأبا بكر ثيابا بيض، وكان الرجلان ضمن موكب تجاري عائد من الشام إلى مكة.
جاء في البيهقي [... حدثنا ا سماعيل بن ابراهيم بن عقبة،عن عمه موسى بن عقبة قال: ويقال لما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، وقدم طلحة بن عبيد الله من الشام خرج طلحة عامدا مكة، لما ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر، خرج أما متلقيا لهماوأمّا عامدا عمده بمكه معه ثياب أ هداهما لأبي بكر من ثياب الشام، فلما لقيه أعطاه الثياب، فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأبو بكر...
قال موسى بن عقبة: وزعم ابن شهاب أن عروة بن الزبير (قال بن الزبير) لقي رسول الله في ركب من المسلمين كانوا تجارا بالشام قافلين إلى مكة، فعارضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا ] 64ــ
ما يذكره البيهقي يمكن النظر إليه من مستويين: ــ
المستوى الأول: عن موسى بن عقبة مباشرة، وموضوعه الصريح اهداء طلحة الثياب البيض رسول الله وأبا بكر رضي الله عنه.
المستوى الثاني: عن موسى بن عقبة ناقلا (زعم...) الزهري عن عروة بن الزبير، وموضوعه الصريح اهداء الزبير الثياب البيض للرسول وصاحبه، وهي في الأصل قطعة من روية طويلة للبخاري 65.
موسى بن عقبة ليس له صحبة، ولم يسمع من طلحة مباشرة في هذا الموضوع بالذات، كما هو نص الروا ية الصريح، كذلك عروة ليس له صحبة، وهو لم يسمع من الزبير مباشرة في هذا الموضوع بالذات، كما هو نص لرواية الصريح، وقد حاول الحاكم أن يوصل المستوى الثاني فقال في مستدركه [... حدثنا معمر بن راشد عن الزهري قال: أخبرني عروة أنه سمع الزبير (وسا
التعليقات