لقد هجمت على النّاس من العرب والمسلمين quot;لوثة الأسلمةquot;، فعمدوا إلى كلّ فنٍّ غربي محاولين إلباسه quot;حجابا إسلاميًّا، وفق مواصفات ومقاييس الدعوة الإسلاميّة كما يفهمونها!
فبتنا نسمع بالإعلام الإسلامي الهادف، والصُّحف الإسلاميّة، والشّريط الإسلامي، والزّواج الإسلامي، والسّوق الإسلاميّة، والجرس الإسلامي- الذي بدلاً من أن يرنّ في معرض التّنبيه صلصلة، نراه يصرخ في تحويره الجديد محيّيًا quot;السّلام عليكمquot;!
ولم يكتفِ القوم بهذا، بل حتّى quot;الأدب الجاهليquot; أسلموه، فها هو الشّاعر يوسف العظيم يعمد إلى quot;سلخquot; كلّ المعلّقات مبدّلاً ديباجة أبياتها ممّا هي عليه إلى رؤية جديدة على الطّريقة الإسلاميّة، ولم يجد أدني حرج في أن يُسمّى ديوانه quot;لو أسلمت المعلّقاتquot;، فإن كان هذا quot;غريبًاquot; فالأغرب منه أن بعضهم تمادى أكثر من ذلك ودخل بنا في تفاصيل quot;الجماع الإسلاميquot;.
ولم يقف الأمر عند هذا، بل إفتنّ البعض بفكرة نسف التّجارب الغربيّة من خلال البحث عن جذور كلّ فكرة غربيّة في القاموس الإسلامي، ليثبت أنّ الإسلام قد سبق الأمم الأخرى بهذا الميدان.
وإليك بعض الأمثلة من حصيلة هذا quot;النّبشquot;:
عندما انتشرت الاشتراكيّة في أزمنة وازدهرت، كتب شاعر الأمراء أحمد شوقي قصيدة عصماء في مدح المُصطفى صلّى الله عليه وبارك يقول في إحدى أبياتها:
الاشتراكيّون أنت أمامهم...!!
ولمّا جاء الغرب بفكرة الدّيمقراطيّة، لم ينتظر دعاة الأسلمة كثيرًا ولم يتردّدوا، فأخرجوا لنا مصطلح quot;الشّورىquot;، وعندما جاءت كلمة quot;القانونquot; أسلموها بكلمة مقابل quot;الشّريعةquot;، ولمّا حلّت كلمة quot;وطن، تنادى دعاة الأسلمة بكلمة quot;أمةquot;، وحين وصلنا إلى مفردة quot;مواطنquot; استبدلوها بـquot;مسلمquot;، ولمّا وصلنا إلى مفهوم quot;العولمةquot;، جاءوا يركضون حاملين معهم quot;عالمية الإسلامquot;!.
ولما جاءت مفردة الحكومة قالوا هي quot;الخلافةquot;..
هكذا تمّت تسوية الأمور، في قضيّة يرفض الطّرفان الرّضا بها والقياس عليها، فلا الوطن يرضى بأن يكون عالمًا إسلاميًّا، ولا العالم الإسلامي يرضى أن يكون quot;وطنًا له ضوابطهquot;، لنكون في نهاية الأمر أمام لغتين مختلفتين، تتحدّثان عن مفهومين معروفين متضادّين، لكنّهما يعيشان معًا في سلام مفتعل، وتزاوج إجباري، عبر مساحة طويلة اسمها العالم العربي.
ولعل آخر موضات الأسلمة هي quot;أسلمة الانتحارquot;، وبها أعني تلك العلميّات التي يقوم بها مجموعة من المرضى النّفسيين المأزومين.. وهنا تجدر الإشارة بإعجاب كبير إلى موقف سماحة الشّيخ عبدالعزيز آل الشّيخ مفتي المملكة العربيّة السعوديّة الذي كان أوّل عَالِم يقف ضدَّ هذه العمليّات مصدرًا فتوى بتحريمها عندما كانت محصورة في فلسطين، ولم تكن وصلت بلادنا الحبيبة - حفظها الله من كل سوء -، ولقد لقي سماحته ردود فعل غاضبة، لكنّه ثبت على قوله، وهاهم خصومه بالأمس يستبدلون الآن مسمّى quot;العمليّات الاستشهاديةquot; بـquot;العمليّات الانتحاريّةquot; كما هي تسمية سماحته منذ سنوات.
والسّؤال الذي كان قائمًا في الذّهن: لماذا لا نتبيّن الأمور إلّا بعد فوات الأوان ومرور الأزمان، بعد أن تهلك النّاس والأوطان؟.
لقد كنّا وما زلنا نُعيّر الغرب بالانتحار، وهاهو الانتحار يأتينا، ولكن بقميصٍ إسلامي فضفاض براق اسمه quot;الاستشهادquot;.. لقد كان الغربي ينتحر وحيدًا وquot;ينكسر وحيداًquot; طلبًا للرّاحة، ولكنّ المرضى النّفسيّون عندنا يموتون بأحزمة نافسة، تُميتهم وتميت غيرهم، ولا يهمّ ذلك طالما أنّ هذه العملية quot;هي أقرب الطُّرق إلى الوصول للحور العينquot;. والله من وراء القصد.

[email protected]