حثني فضول قوي لمعرفة الفرق بين الحب والمودة، ولم أعثر في قواميس اللغة العربية ما يروي لي هذا الفضول، وهناك في كتاب فقه اللغة للثعالبي أن الحب أحد عشر درجة، ولكنها لا تزيد عن تلاعب بالألفاظ؟
وفي القرآن نجد هاتين اللفظتينquot; حب و مودة quot;فهل هنالك فرق بينهما؟
إن ما يسميه الناس حبا أحيانا يكون إفسادا وابتذالا للكلمة
وفي حب الأمومة الذي هو أرقى أنواع الحب وأكثرها استعدادا للإيثار نفاجأ بقصص واقعية رهيبة، وينقل (إيريك فروم) في كتابه (الإنسان بين الجوهر والمظهر) ص 65 عن (لويد دي موس Loyd de Mause) أن الألفي سنة الأخيرة التي انقضت من تاريخ الغرب، تحفل بالقصص والتقارير، عن أشكال القسوة والفظاعة التي ارتكبت في حق الأطفال، و أشكال مفجعة من التعذيب البدني والنفسي والإهمال والسادية والامتلاك بالمعنى المباشر، تحت عنوان الرعاية والاهتمام والحب، كما أن الأعوام الأخيرة سجلت حوادث كثيرة تصب في الموضوع ذاته، أما الحب للجنس الآخر فهو أيضا يحمل أخبارا لا تحصى من الكوارث التي تمت باسم الحب وإن مقولة ومن الحب ما قتل قد ترجمت إلى حوادث كثيرة، وقصة (ديك الجن) الحمصي قتل في لحظة غيرة جاريته المدعوة (ورد) وغلامه، وكانا أحب إنسانين إلى قلبه، وقضى بقية عمره يتجرع الخمر في إناءين صنعهما من رماد الجثتين، أسفاً على ما اقترف.
و(عطيل) في رواية مكبث بقلم شكسبير، قتل ديدمونة حبه العظيم.
وحب سالومي كلفت رأس يوحنا المعمدان، فجاء مذبوحا على طبق، في حفلة رقص وعربدة..
وامرأة العزيز في القرآن فتنت بيوسف وشغفها حبا، ولكن هذا الشغف دفع بيوسف إلى ظلمات الحبس، كما توعدت لئن لم يفعل ما آمره ليسجنّن وليكونن من الصاغرين.
أما عندما يختم الحب بنهاية سعيدة، ويمتلك كل طرف الآخر، في ظلال القفص الذهبي، فقد تأتي لحظة للزوجين، يتحقق فيها أحد الزوجين أن أيا منهما لا يحب الآخر، بل ولم يحبه أبدا في يوم من الأيام؟
بل قد يتولد لديهما إيمان عميق، أنهما قد مرا بحالة وهم كبير، وهي فترة الخطوبة التي يخطب فيها المحب ود صاحبه ويتقرب منه، وآنذاك لا يكون أحد منهما متأكد من مشاعر الآخر ويحاول كسبه.
وهذه اللحظات مفعمة بالحيوية والجاذبية ومثيرة للاهتمام وجميلة، تكسب الوجوه جمالا ونضرة، والسبب هنا أن أحد المحبين لم يكن قد ملك الآخر بعد، ومن ثم تكون الطاقة موجهة للعطاء، وتنشيط المشاعر.
وبمعنى آخر كما في تعبيرات أيريك فروم : نحن هنا بين الامتلاك والكينونة..
ولكن مع الزواج غالبا ما تتغير الأمور تغيرا تاما، إذ لم تعد هنالك مشكلة كسب كل منهما للآخر، فقد أصبح كل منهما مالكا لحب الآخر، وأصبح الحب ملكية مضمونة، فيكف كل منهما عن بذل أي جهد لأن يكون محبوبا، ويصاب أحدهما أو كلاهما بالبدانة المفرطة والترهل و يهمل أناقته وأحيانا نظافته، وتصبح طريقة أكله مقززة، وشخيره عاليا وسلوكه سمجا؟
ومن ثم يصبح الزوجان غير قادرين إلا على إثارة الملل، ويفارقهما ما كان فيهما من جمال، وتتملكهما الحيرة وخيبة الأمل، ويتساءلان بعجب؟ أليسا هما الشخصين نفسيهما؟ أم كانت ثمة غلطة منذ البداية؟
وغالبا ما يبحث كلا منهما عن علة التغيير في الطرف الآخر، وينسى نفسه، والعلة مزدوجة الطرفين، وأحيانا يدخل الزوجان حالة من الطلاق الصامت!!
وإذا صدفت المقادير؛ أن يحصل الزوج على عمل في مكان بعيد، كان رائعاً؛ وتشعر الزوجة بارتياح بالغ؟؟
هذا ما أسرت لي به السيدة quot;مquot; يوما...
وعندما يعجز الزوجان عن إيقاظ هذا الحنين إلى مشاعر الحب التي خمدت، فإن أيهما أو كلاهما قد يتصور أن رفقة جديدة يمكن أن تروي هذا الظمأ؟؟
إنهما يشعران أن ما يحتاجانه هو الحب غير أنهما لا يدركان أن الحب تعبير عن الكينونة وتحقيق لها
الحب أعمى صفة أخرى للحب، عدا أنه قاتل؟!
وحسب رأي الشاعر
عين المحب عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساوئ
وقد وصف لي أحد الأزواج زوجته بالغادة الهيفاء الرشيقة الأنيقة اللطيفة العفيفة، ولما قابلتها صدفة دعوت الله في سري أن يبقي نظارته الطبية القديمة على عينيه؛ فلو تغيرت الصورة تكشف هول الواقع.
وفي قصص الأطفال أن رجلا أحب زوجته حبا أفقده صوابه؛ فعمي قلبه عن الحقيقة، حتى إذا طلبت منه أن يتخلص من أمه المريضة، عمد إلى صنع سلة كبيرة من القش، وحملها فيها كي يتركها في الغابة، فلحق به ابنه مناديا: يا أبت أعد معك السلة، لأنني قد أحتاجها كي أضعك فيها يوما ما، عندما تمرض وتتقدم بك السن؟
وفي كتاب علم نفس النجاح لـ (برايان تريسي) يقدم حلا للعلاقة المتدهورة بين الزوجين ويقول
أول مشكلة في العلاقة بين الزوجين، هي عدم الالتزام الكامل بالعلاقة، وأن كل واحد لا يريد أن يعطي العلاقة كل قلبه، وإنما ينتظر ليرى ماذا سيعطي الآخر، سواء ماديا أو معنويا، وهو لا يريد أن يخسر ببذل شيء أكثر من الطرف الآخر أو بمعنى آخر المقايضة في الحب ولا يمكن إنقاذ الزواج في هذه الحالة، إلا ببذل أحد الطرفين أقصى آيات الحب والعطاء دون مقابل، وفي هذه الحالة إما أن يستجيب الطرف الآخر، ويقابل العطاء بالمثل، وإما أن يدفن الزواج في مقبرة الطلاق.
إن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت الكريم تمردا
وقد حكت لي صديقة قصة زواجها؛ ففي رحلة شهر العسل وإبان الأيام الأولى من زواجها، اكتشفت أن زوجها يعاني من حالة اكتئاب، لأن خطيبته التي كان يحبها قد تركته، وحاول إنقاذ نفسه من التردي في مهاوي الاكتئاب بزواج سريع ينسيه علاقته الأولى، وكانت هي كبش الفداء فأساء معاملتها وهزأ بها أمام أصدقائه وأغلظ معها في الكلام ومنع عنها المال وهجرها في الفراش ولم تكن صديقتي آنذاك قد اطلعت على فلسفةquot; برايان تريسيquot; ولكنها بفطرة سليمة لم تتوقف عن إغداق الحب والحنان متجاهلة كل فنون القسوة التي أمطرها بها زوجها الذي وعدها بصنوف الحب والدلال عندما استمات كي تقبل به زوجا في بداية تعارفهما وهكذا أنقذت زواجها وأعلن زوجها التوبة والندم وشفي من كآبة فراق حبيبته وحلت السكينة في حياتهما
*ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة*
وقد كتب عالم النفس والفيلسوف الأوروبي الأمريكيquot; إريك فرومquot; في كتابه quot;الإنسان بين المظهر والجوهر quot; أن (نتملك To Have) أو (نكون Or to BE) عن الفارق بين (التملك) و(الكينونة) في الحياة اليومية في التعلم والتخاطب والقراءة وممارسة السلطة والمعرفة والإيمان وفي الحب
وهكذا فللحب معنيان، وهذا يتوقف على الإطار الذي يحتويه إطار تملك فهو حب أو إطار كينونة وهي المودة....
ومن أسماء الله الحسنى الودود وليس المحب، لأن المودة هي الحب الذي تؤطره الرحمة، ليفرز سكينة وطمأنينة * ألا بذكر الله تطمئن القلوب*
إن ربي رحيم ودود...

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية