لم يكتفِ العرب بالتمسك بقوانين القرون الوسطى التي تجعل المرأة شيئا تابعا للرجل يتصرف به على هواه، فمتى شاء تزوجها باختياره هو ولو غصبا عنها، ومتى شاء طلقها بكلمة عصبية منه أو تزوج سواها بدون ادنى اهتمام لمشاعرها كإنسان وتحت واجهة المسموح شرعا، ولم يكتفوا ان يكون اختيارها لشريك حياتها عن طريق وكيل من احد أوليائها، ولم يكتفوا بانهم حجبوها وفرضوا عليها ان تقرّ في المنزل اغلب عمرها، ولم يكتفوا ان تحكموا بحريتها الشخصية بالتنقل والحصول على جواز سفر، ولم يكتفوا بان اسموها عورة واعتبروها النقص بعينه، وكم اتعبوا انفسهم في الادب والفن والتراث ليخلقوا من هذه الانسانة شيئا لراحة الرجل أو الذكر الذي لابد وان تسعده المرأة والا فلن تنال رضاء الله ورضاء الناس، ولم يتوقفوا منذ اكثر من الف عام على وضع وصايا للمرأة من اجل المحافظة على الرجل، ومن اجل الإبقاء على الرجل مهما كان حتى لو كان كفزاعة طيور...
وماعلى المرأة سوى الصبر والتحمل كي لا تخسر ذلك الزوج، وكأن الرجل ليس انسان، بل ملاك مقدس وخال من العيوب فلابد للمرأة عندها ndash; وهي الدونية بنظرهم ndash; ان تبقى مهيضة الجناح مطأطأة الرأس امامه ليرتفع هو بها ولتنسحق هي بين الجدران.. ورغم ان العرب اليوم صار لديهم بترولا واعتقدوا انهم لابد وان يسلطوا على المرأة شيئا بسيطا من الاهتمام ولو على شاشات التلفزيون، ليفهم مشترو البترول ورافعو الابراج العربية الضخمة ان العرب في تطور، نراهم اليوم يحاولون استعمال المرأة بالتجارة و بطرق شاذة، فهم يسلطون عليها الاضواء محجبة، فالغناء العربي اليوم يرد على رافضي الحجاب بأغان تكرس تحجب المرأة تحت اسم لباس العفة بأصوات مطربين مشهورين، ويبهرجون لها الحجاب بالجواهر والمطرزات، ولكي تعشق الحجاب منذ الطفولة نراهم فتحوا المصانع ليحجبوا اللعبة باربي، و لتصبح المرأة العربية دمية بعيدة عن سرب ابناء جلدتها من البشر في الفكر والهمّ والطموح..
وبذات الوقت الذي يفرضون على المرأة كل هذه المتطلبات التي تسلب ارادتها وانسانيتها يريدون منها المساهمة ببناء اوطانهم ويريدون منها ان تكون بذات الوقت اما صالحة لابنائها تعطيهم الوقت الكافي لتغرس بداخلهم قيما لم تحظ هي بها من الاهل كونها الانثى التي يفضل عليها الذكر العربي دائما..
كيف يريدون من المرأة المساهمة بالبناء وهم الذين يريدونها لعبة مبهرجة لشهواتهم، ويريدونها شيئا مخبأ عن الانظار يملكه الرجل ويتحكم به؟
يسالني بعض الناس الم تتعبي من الكتابة عن المرأة في مجتمع لازال سائرا بغيه نحو الوراء؟
واجيب هل يتعب صاحب الحق؟
المرأة العربية صاحبة حق طبيعي مغتصب منذ مئات السنين بل هو يزداد اغتصابا كلما زادت تطورات المجتمعات الحضارية وزاد بالمقابل تخلفنا نحن.
ليست الحضارة ان نعلي البنايات ونفتتح السوبرماركتات الضخمة والتي تقضي المرأة فيها معظم اوقاتها، كمستهلكة غالبا، انما الحضارة قيم أساسها المباديء الانسانية التي تعتبر الارضية الصلبة لبناء اية حضارة ثابتة، فهل استطاعت حتى الدول العربية الغنية والتي نراها تقفز بثقافة الاسمنت بأعلى من ابنية وابراج كثير من الدول الاوروبية، ان تحقق السعادة لافرادها وتبني مجتمعا اساسه العدالة الاجتماعية والمساواة؟
ان نظرة بسيطة لما يجري داخل بيوت وأركان التجمعات البشرية هذه نعرف من خلالها الفارق بين الحضارة وابراج الاسمنت.. الفارق بين الحضارة والمجوهرات التي تملأ دعاياتها تلفزيوناتنا العربية، الحضارة والزيف الذي يلف علاقات الناس فيما بينهم..
مادفعني لكتابة هذا المقال هو رسالة من الرسائل التي يضج بها بريدي وبريديكم، خاصة من اصحاب النظريات الاسلامية الجديدة ممن أسسوا لمواقع كثيرة تنشر افكارهم غير المنطقية والتي اعتبرها البعض مسلمات للفكر الاسلامي الجديد، حيث تذكر هذه الرسالة نظرية غريبة عجيبة، تقولquot; بنظرية سقوط الحضارة بسبب خروج المرأة من المنزلquot;، تصوروا، كل مايسيء للحضارة البشرية سببه خروج المرأة من المنزل! وعلينا نحن العربيات اذن انقاذ الحضارة البشرية والاختباء في عقر البيت لنصبح بعض أثاثه!!!
ويستشهد صاحب هذه الاطروحة بعبارة اظن انها مستقطعة عنوة لتخرج خارج سياقها الذي أراده الفيلسوف، إذ لااظن عاقلا يقول بهذا، فما بالكم بفيلسوف غربي نهضت حضارتهم واصبح اقتصادهم متينا وثابتا بسبب مساهمة المرأة في كل مجالات الحياة العامة..
واليكم ما استشهد به كاتب المحاضرة مما قاله الفيلسوف اليكسيس كاريل والتي استمد منها افكاره الشاذة والغريبة حيث يقول:
quot;ان الحضارة الغربية لابد ان تنهار لأنها حضارة لا تلائم الانسان، وكل امر مخالف للفطرة لابد ان يدفع ثمنه، ولابد ان تدفع ضريبتهquot;.
فكيف فسر صاحبنا المحاضر العربي نظرية الفيلسوف بطريقة لا تمت للمنطق بشيء معتبرا ان تقاليد الحضارة العربية والاسلامية التي تلغي أبسط رغبات الانسان وغرائزه الفطرية ومنها حرية المرأة في المشي في الهواء الطلق خارج المنزل والعمل وقت الحاجة للعيش او السفر، وغيرها من محرمات عددناها في بداية المقال انها هي التي تحافظ على الفطرة البشرية رغم انها تمنعها من ممارسة أية رغبات فطرية نابعة من صميم تكوينها الفسلجي كإنسان اولا؟
كل هذا يعتبره بعض العرب -ومنهم صاحب المحاضرة- متفوقا على الحضارة الغربية التي كان يقصدها الفيلسوف في مقولته والتي رأى انها قاصرة عن منح الانسان حقه المكتسب من الحرية الفطرية، اي ان الفيلسوف كان بمقولته يتمنى على الحضارة الغربية من ان تمنح الانسان حرية أكثر ليكون اقرب الى الفطرة منها الى اي شيء اخر..
فالى أي حد وصل هلع الرجل العربي من خروج المرأة خارج المنزل!
والى أي حد يتجرأ هؤلاء المتطرفون على الطبيعة البشرية بصورة المرأة والتي كرمت في القرآن كما جاء في الآية quot; وخلقنا لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها quot;
كما انها الوالدة التي كرمت بآية quot; ولا تقل لهما أفٍ ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة....الى اخر الآية quot;
فهل ينهر الانسان امه لو أرادت الخروج من المنزل لغرض هام مثلا؟
ماذا سيقول هذا المحاضر لطلبته ترى؟ واي نوع من الطلبة سيصبح هؤلاء المتلقون لهكذا افكار؟ وماذا سيكونون سوى مجموعة ارهابيين يكرهون الارض ومن عليها، هدفهم الاول هو تفجير اجسادهم لقتل الابرياء وتدمير الحضارة البشرية التي يحتج عليها شيخهم ويعدها بالسقوط؟
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات