نما لعلمنا أن quot;المجلس القومي لحقوق الإنسانquot; في مصر قد عقد في 18 أغسطس ورشة عمل لمناقشة quot;النظام الانتخابي الأكثر عدالةquot; تمهيداً لتضمين نتائجها في فعاليات مؤتمر حول المواطنة، يقال أنه سينعقد في شهر نوفمبر القادم.
لعل صدر السادة المنظمين والمشاركين في الورشة يتسع لسماع هذا الرأي، الذي لم يطلبه أحد منّا، ولكن نرى من واجبنا تقديمه ـ حتى لو جاء متأخرا!

***
في البداية، نعتبر عنوانَ الورشة حول quot;العدالة الانتخابيةquot; أمراً ربما كان ذا دلالة هامة، إذ قد ينبئ بإدراكٍ جديد بأن:
1ـ الانتخابات ليست هدفا في حد ذاتها، ولكنها لا تزيد عن كونها آلية من آليات النظام الديموقراطي؛
2ـ وبأن النظام الديموقراطي، إن لم يكن مبنيا على أسس الحرية والعدالة والمساواة، فهو صنوٌ ممسوخ للدكتاتورية، وبابٌ مواربٌ لدخول الفاشية واستتبابها.
وبناء على ما سبق، فمن المهم ـ في رأينا ـ قبل أن يحاول أحدٌ الدخول في التفاصيل حول quot;النظامquot; الانتخابي أن يتم تحديد الهدف ثم البحث عن الوسيلة أو الآلية التي تضمن تحقيق هذا الهدف.
والهدف، في نظرنا، ينبغي أن يكون ضمان quot;التمثيلية الحقيقيةquot; (Representativity) لمكونات الشعب المصري.
ولكي يكون لهذا الهدف أي معنى، فلا مفر من الانتباه إلى ما يلي، من بين أمور أخرى تخرج عن دائرة تركيز هذا المقال:

أولا: المصريون المغتربون:
يُقدّر عددُ المصريين المغتربين بما بين ثلاثة وخمسة ملايين. وهؤلاء، من وجهات النظر القانونية الدولية والدستورية و quot;الانتمائية المشاعريةquot;، مواطنون مصريون حقا لا غش فيهم، حتى وإن تجنس ما يقرب من نصفهم بجنسيات الدول التي يعيشون فيها.
وحتى سنوات قليلة ماضية كانت القنصليات والسفارات المصرية تقبل مشاركة المغتربين في الاستفتاءات quot;إياهاquot;. ولكن حتى هذا التقليد قد توقف مؤخرا ربما منعا للصداع، أو توفيرا لنفقات عملية معروفة النتائج مسبقا. إبان الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي تم في أبريل الماضي لم يُسمح بالمشاركة quot;لعدم وجود تعليمات من وزارة الداخليةquot; طبقا لما أفاد به مسئولو القنصليات: وكأن ممارسة الحقوق والواجبات يتم وفقا لمزاج موظفي وزارة الداخلية...
ولكي يكون النظام الانتخابي quot;أكثر عدالةquot; فمن المحتم البحث عن آلية مناسبة لضمان ممارسة هؤلاء المواطنين لحقوقهم وواجباتهم الدستورية. وليس في هذا بدعة أو ضلالة، فدول العالم كله (المتحضر والنامي والنائم) تسمح للمواطن المغترب بالمشاركة في الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وطنه الأصلي.
وبصفة عامة يُمارَس هذا الحق في حالة الانتخابات النيابية عبر آليات تتراوح بين:
1ـ أن يكون الانتخاب quot;محلياquot;، أي طبقا لعنوان سكناه قبيل مغادرة الوطن؛ و
2ـ تحديد quot;كوتاquot; لعدد من النواب الذين يمثلون المواطنين المغتربين طبقا للتوزيع الجغرافي (على سبيل المثال أن يكون في كل من مجلسي الشعب والشورى عشرة أعضاء عن المغتربين: أربعة عن أمريكا الشمالية واثنان عن كل من أوروبا واستراليا ودول الخليج).

ثانيا: الفئات quot;المُهمَّشةquot; داخل مصر:
ليس سرا أن المرأة والأقباط غيرُ ممثلين في مجلسي الشعب والشورى، وفي المجالس المحلية، إلا بصورة هامشية يندى لها جبين أي نظام انتخابي يدّعي حداً أدنى من quot;التمثيليةquot;.
وبرغم وضوح هذه الحقيقة وكثرة الكلام عنها والشكوى منها، فإنه من الملاحظ أن القيادات السياسية في الدولة وفي الحزب الحاكم وإن بدأت في مناسبات مختلفة تعلن عن نية والتزام بالبحث عن آلية مناسبة لتمثيل المرأة بصورة أفضل، إلا أنها (تلك القيادات) تبدو وقد quot;نأت بنفسهاquot; عن أن تقترب من موضوع quot;الأقباطquot;... لا يهم أن يكون هذا quot;النأيquot; بدافع الاستعلاء أو التعصب أو العنصرية أو مجرد منافسة quot;للمحظورينquot; في أفكارهم ومواقفهم. المهم أن تتراجع القيادات عن quot;نأيِهاquot; وتتقبل الفكرة البديهية التي تقضي بأن المواطنة ستبقى حبرا على ورق ما لم يتم معالجة موضوع مشاركة الأقباط في إدارة شئون بلادهم كمواطنين درجة أولى، وليس أقل، بصورة حاسمة.
قد تساق بعض الأعذار هنا وهناك، لكن لا بد من التذكير بأنه إذا كانت هناك رواسب اجتماعية وثقافية ودينية تراكمت على مدى العصور تحول بين أن يكون للمرأة، بين يوم وليلة، حوالي نصف المقاعد النيابية، فإن الأمر يختلف تماما بالنسبة للأقباط: فقد كانوا في النصف الأول من القرن الماضي متواجدين بوضوح وبصورة تتوازى مع نسبتهم إلى مجموع السكان ـ وبدون أن يكون نوابهم ممثلين عن quot;الأقباطquot;: والكل يعرف بأمر حالات العديد من النواب الأقباط عن دوائر غالبية سكانها الساحقة من المسلمين.
لكن بعد فترة quot;أهل الثقة قبل أهل الخبرةquot; التي عانى منها الأقباط وتم فيها تهميشهم (مع غيرهم)؛ كان من المحزن والمحبط أن نرى في الفترة التالية ـ التي تمتد حتى الآن ـ صرح quot;الدين لله والوطن للجميعquot; وقد تصدع إن لم يكن قد انهار تحت وطأة هجمة الرجعية الدينية، التي تواطأت الدولة معها إن لم تزايد عليها، والتي لا تعترف بالوطن أو المواطنة، بما لا داعي للإفاضة فيه. والنتيجة هي أنه أصبح دخول جمل من ثقب إبرة أيسر بكثير من أن ينجح قبطي في انتخابات نيابية.
وإن كان التعديل الدستوري الأخير، وخاصة المادة الأولى حول quot;المواطنةquot;، قد أنعش بعض الأمل في أن يعود الوطن وطنا للجميع؛ لكن من المؤسف أن الواقع (الذي غالبا ما يستند ـ بالحق أو الباطل ـ إلى quot;المادة الثانيةquot;) قد أوشك أن يئد هذا الأمل ويعصف بذاك التفاؤل.
هل آن الأوان لنؤكد على أن quot;العدالة الانتخابيةquot; تقتضي quot;ضرورة تواجد الأقباط بصورة تتماثل مع نسبتهم إلى السكانquot; في المجالس الانتخابية؟
هل آن الأوان للتخلص من البديل الحالي الممقوت، الذي هو الدولة الطائفية التي تحتكر فيها طائفة (الأغلبية) كافة مقاليد الحكم؟
هل آن الأوان لوضع هدف أن يكون هناك على الأقل مابين أربعين وخمسين عضوا من الأقباط في كل من مجلسي الشعب والشورى؟
إذا اتفقنا على الهدف، فما أسهل أن نجد الآلية المناسبة!
فليعلن quot;المجلس القومي لحقوق الإنسانquot; عن قبوله وتمسكه بهذا الهدف ودفاعه عنه والتزامه بإقناع quot;أولى الأمرquot; به، باعتباره تفعيلا لمبدأ المواطنة الذي يحتم العدالة الانتخابية.
أما عن الآليات، فهناك من الخبراء (وترزية القوانين) من في استطاعتهم العثور عليها بدون أدنى مشكلة! فإن العالم ـ مرة أخرى ـ قد ابتكر العديد من الحلول والنظم والآليات التي يمكننا أن نتعلم منها: (التمثيل النسبي، التمييز الإيجابي كآلية مؤقتة حتى تعود الأمور لنصابها، القوائم الانتخابية، الخ الخ).
المهم أن تخلص النيّات أولا حول الهدف، أما الباقي فهو سهل يسير!
وكما يقول المثل الصيني: إذا وجدت الإرادة، وجدت الوسيلة!

[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية