يشكل الجنس قضية هامة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بل يكاد يكون، على الإطلاق، أهم قضايا شبابها وشاباتها، وشيوخها أيضا، بسبب التربية الأسرية، والمناهج التعليمة، والشرائع الدينية، والأعراف الاجتماعية، ومفاهيم الأخلاق السائدة، التي تدعو جميعها إلى عدم الاختلاط بين الجنسين في المدارس الابتدائية، والجامعات، وفي أماكن العمل ببعض البلدان، كما تدعو بعض هذه الأعراف إلى تنقيب المرأة باعتبارها عورة، ووضعها في كيس أسود محكم الإغلاق، وتكميمها، بحيث لا يظهر منها لا كف يدها ولا يُسمع صوتها. مما يؤدي بأبنائنا وبناتنا إلى حالة شديدة من الكبت الجنسي لا مثيل لها في العالم قاطبة. أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
وما يهمنا في هذا المقال، ليس الارتباط الوثيق بين الكبت، والعنف والقتل والانتحار، ولا ما يسببه الكبت من مشاكل نفسية وتربوية تؤثر تأثير شديدا على حياة الإنسان، بل ما يسببه الكبت من مشاكل أخلاقية واجتماعية، بعضها ظاهر للعيان، وأكثرها مخفي، والمخفي أعظم.
لقد أدرك علماء الدين في البلدان العربية والإسلامية ضراوة هذا المشكل (الكبت)، ومدى تأثيره على كل أفراد المجتمع، والآثار السلبية التي تترتب عليه. لذلك، وكما غيروا اسم الفائدة- الربا في البنوك وسموها أرباحا، لتكون حلالا زلالا، ويكون استيفاءها شرعيا. كذلك سارعوا هنا مشكورين لإيجاد حلول (شرعية) للتخفيف من وطأة الكبت، ولكن من رؤية ومصلحة ذكورية، وتعاطف مع رغبات وحاجات أبناء جنسهم، فقد أدركوا من خلال تجربتهم مدى الظلم اللاحق بالرجال العربان، إذ أن أربعة نساء وما ملكت قدرات الرجل المالية على دفع أجور النساء اللواتي يستمتع بهن، تشكل عبئا ماديا ثقيلا على الرجل، وقد لا تلبي كل حاجاته الجنسية والنفسية خاصة إن لم يكن قادرا ماليا على التغيير والتبديل، فهو في مضمار الجنس مغوار لا يُشق له غبار، بدليل أن رجال بلادنا لا يهتمون بالفياغرا ولا يستوردنها. فأراد هؤلاء المشايخ توفير المال على الرجل الذي ينفق على نسائه الأربعة، وغيرهن، فاخترعوا له أنواعا أخرى مبتكرة من الزواج، لم تعهدها مجتمعاتنا من قبل، جعلوها ببعض التخريجات واللمسات، شرعية. بحيث لا يكون الرجل في هذا الزواج مسؤولا عن شيء أمام المرأة، إلا عن فحولته. فكان أولا الزواج العرفي الذي لا يعلم به إلا الله، والذي يكفي ليكون صحيحا، ويعاشرا بعضهما بعضا، أن يقول الرجل للمرأة، والمرأة للرجل، (زوجتك نفسي) دون إعلان أو إشهار. ثم جاء زواج الفريند (Girl friend) الذي اخترعه الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس مجلس شورى حزب الإصلاح اليمني ورئيس جامعة الأبحاث الإسلامية، رأفة ورحمة بالشباب المسلم والشابات المسلمات في الغرب، وبغية اتقاء شرور الفتن الأخلاقية، كما قال. وأخيرا وليس آخرا، زواج المسيار الذي أفتى به بعض مشايخ الخليج، دون أن ننسى زواج المتعة المتبع لدى الشيعة، والرائج لدى الشيوخ وكبار السن الأثرياء في إيران.
وزواج المسيار كزواج المتعة، شكل من أشكال المعاشرة الجنسية بين رجل وامرأة، لا علاقة له بالحب، ولا بالمودة ولا بالرعاية، ولا بتأسيس أسرة، ولا يتحمل الرجل فيه أية مسؤولية نحو زوجته لا في العناية والإشراف، ولا في الإعانة، ولا في السكن، ولا في الإنفاق. أي لا قوامة من الرجل على المرأة، مما يعني أنه استغلال من قبل الرجل لحاجة المرأة الجنسية التي يعلم الرجل العربي، وينكر، أن حاجتها الجنسية مماثلة ومساوية لحاجته، فأعطى لنفسه أضعافا مضاعفة مما أعطاها.
والفرق بين زواج المتعة، وزواج المسيار، أن الأول لا يتطلب موافقة ولي الأمر ولا وجود شهود، وينتهي بانتهاء المدة المحددة له في عقد زواج المتعة. بينما لا ينتهي زواج المسيار إلا بالطلاق، كما يتطلب وجود شهود، وموافقة ولي الأمر (حسب المذهب الحنفي تستطيع المرأة البالغة سن الرشد القانونية أن تزوج نفسها).
ويرى بعض العلماء أن زواج المسيار غير شرعي لسببين. فهو أولا مخالف لمقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية التي تقوم على المساكنة والمودة والرحمة كما جاء في الآية (21) من سورة الروم (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ومخالف ثانيا لأنه لا يحقق مبدأ القوامة كما جاء في الآية (34) من سورة النساء (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..... ).
ويرى العلماء المؤيدين لهذا الزواج أنه يحل مشكلة العنوسة- خاصة في دول الخليج- التي أرخت بثقلها على المجتمع كواقع مر وخطير، كما أنها تحل مشكلة الجنس والمؤانسة لدى المطلقات والأرامل أيضا. أي أنه من باب الرحمة والعطف على هؤلاء النساء، وتلبية حاجاتهن الطبيعية.
إن تداعيات زواج المسيار هي التي تتصدر قائمة الأخبار هذه الأيام. فقد نشرت جريدة إيلاف بتاريخ (21/08/2007) خبرا مفاده أن امرأة سعودية تزوج مسيارا من رجلين اثنين في وقت واحد. وتستقبلهما بمواعيد مختلفة (أي أنها لم تجمع بينهما كما يجمع الرجل بين نساءه). ويرى الشيخ عبد المحسن العبيكان مستشار وزير العدل وعضو مجلس الشورى السعودي، أن ما فعلته هذه المرأة لا يعتبر زواج مسيار، بل زواج متعة، المحرم شرعا. وأن هذه المرأة تستحق عقابا قاسيا، ويفترض أن يطبق في حقها حد الرجم.
رابط الخبر http://www.elaph.com/Entertainment/2007/8/257260.htm
أما حد الرجم الذي يفترض الشيخ العبيكان أن يطبق على تلك السيدة، فإنه شريعة يهودية (انظر سفر التثنية الفصل 22 الفقرات من 22 إلى 24). وقد بالغت الشرائع اليهودية في إذلال المرأة واضطهادها. ولا تمت هذه الشرعة للشرائع الإسلامية بصلة، إلا إذا أردنا تقليدهم، واقتباس شرائعهم. إذ لا وجود لهذا الحد في القرآن أبدا، وإن كانت تطبقه إيران وباكستان واليمن وبعض الدول الإسلامية.
وإذا كان الرسول قد أمر برجم أحدهم بعد اعترافه بالزنا، فإن ذلك كان قبل أن يتم نزول كل آيات القرآن. ولو أردا الله شرعة الرجم، لشرّعه في كتابه، وجعله حدا من الحدود.
وقد جاء في كتاب (الإتقان في علوم القرآن للإمام السيوطي الشافعي- النوع السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه) أن عمر بن الخطاب قال: quot;لولا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها يعني آية الرجمquot; وما الذي يمنع عمر بن الخطاب، الذي لا يخشى في الحق لوم لائم، من كتابتها لو أنه قرأها من قبل في القران، أو سمعها من رسول الله؟ لكنه لم يقرأها ولم يسمعها، وهو يعترف إنه لو فعل لزاد في كتاب الله. وعقوبة الزاني والزانية في القرآن مائة جلدة على مرأى الناس (الآية 2 سورة النور).
لا شك أن تلك السيدة السعودية قد رأت أن زواج المسيار ما هو إلا زواج متعة، غايته ومقاصده جنسية بحتة، إذ لا تتوفر فيه عناصر ومقاصد الزواج الإسلامي التي تقوم على المودة والرحمة والسكنى والقوامة، ورأت كذلك، طالما أن الأمر على هذا النحو، إن من حقها كما يستمتع الرجال بمجموعة من النساء أن تستمتع هي أيضا برجلين، وأملت أن يحالفها الحظ، ويبقى أمرها مخفيا، وقد تطلق أحدهما بعد حين، ولم تفطن أن حظها زفت، وإلا لكانت تزوجت زواجا طبيعيا
- آخر تحديث :
التعليقات