أدت الطفرة النفطية الأخيرة إلى ارتفاع الفائض الذي تخصصه الحكومات الخليجية للاستثمار في الخارج، بهدف الادخار للأجيال المقبلة و الإعداد لمرحلة ما بعد النفط. في الكويت، على سبيل المثال، يحتم القانون تخصيص ما لا يقل عن 10% من دخل النفط لصندوق الأجيال القادمة. و تسمى هذه الصناديق quot;الصناديق السيادية لإدارة الثروةquot; بحكم ملكيتها من طرف الحكومة . و غالبا ما تخضع إدارتها للتوجيهات السياسية، مما أدى إلى ضعف العائد و تحقيق الخسائر في بعض الحالات .

تبلغ الصناديق الخليجية السيادية حاليا 1.5 تريليون دولار (1500 مليار دولار)، مما يعني أن أي انخفاض بنقطة مئوية واحدة في العائد السنوي يؤدي إلى خسارة تقدر بــ 15 مليار دولار . تأكد هذا في تجربة جهاز الكويت للاستثمار (حوالي 213 مليار دولار حاليا)، الذي تعرض إلى خسائر في 2001 و 2002 . تم بعدها تعيين السيد بدر الأسعد على رأس الإدارة الجديدة، لما له من تجربة في إدارة الصناديق الخاصة، الذي خاض تجربة نموذجية، بإمكانها أن تقدم درسا هاما للدول الخليجية و العربية الأخرى.

ورد في تقرير لــ quot; وول ndash; ستريت quot; بتاريخ 24 أغسطس الماضي ما يلي:

quot; بدا السيد بدر الأسعد مهمته الجديدة بدراسة سياسة الاستثمار لوقفي جامعتي quot; يايل quot; و quot; هارفارد quot; النموذجيتين . و تأكد بناء على ذلك أن الجهاز الكويتي يستثمر 2.5% قي العقارات و 1.5% في الصناديق الخاصة للاستثمار، مقابل17 % و 20%، على التوالي، في وقف quot;يايل quot; . كما كان جهاز الكويت يركز على الاستثمار في السندات الحكومية ذات العائد المنخفض، بينما يستثمر وقف quot;يايلquot; 20% في الأسهم (ذات المردود الأعلى و المخاطرة الأكبر) .

بدا الصندوق الكويتي سياسة جديدة للاستثمار بناء على الخطوط العريضة التي وردت في تقرير الشركة المتخصصة quot;ميرسير لاستشارات الاستثمار quot;، نتج عنها تحقيق عائد في حدود 11.4% في 2005 و 13.2% في 2006 . و تحقق هذا نتيجة تنويع الاستثمارات، بما فيها الاستحواذ على أسهم بعض الشركات الأمريكية بمقدار 300 مليون دولار . و هي إستراتيجية اتبعتها بعض الدول الخليجية الأخرى، إذ استحوذت الأجهزة التابعة لحكومة دبي على أسهم لبنوك quot;ايتش-ايس-بي-سيquot; و quot; ستندارد-تشارتيريدquot; و الشركة التي تمتلك quot;ايرباصquot; . كما عرض جهاز قطر للاستثمار 24 مليار دولار لشراء سلسلة متاجر التجزئة البريطانية quot; جي- سينسبوري quot; ... و الأرجح أن تصبح الصناديق السيادية في دول الخليج منافسا قويا في مجال الاستحواذ على الشركات العالمية، إذ أن هذه الصناديق لا تحتاج إلى الاقتراض خلافا للإطراف المنافسة.

من أهم التوجهات الجديدة لجهاز الكويت للاستثمار شراء أصول شركات الاستثمار الخاصة متوسطة الحجم في الدول المتقدمة، و صناديق الاستثمار الاسياوية الواعدة، بما فيما استثمار 700 مليون دولار سنة 2006 في بنك الصين الصناعي و التجاري .

تجد اذرع الاستثمار لحكومات الشرق الأوسط اليوم نفسها في قلب التغير الحاصل على مستوى حركة رؤوس الأموال العالمية من أسواق الدول المتقدمة في الغرب إلى أسواق الاقتصاديات سريعة النمو في الهند و الصين و جنوب شرق أسيا و تركيا . و هذا ما قام به السيد بدر الأسعد عندما خفض حصة استثمارات الحافظة في أمريكا و أوروبا من 90% إلى 70%، لصالح الاستثمار في عملات الوون (الصين)، الرينجيت (ماليزيا) و الروبية الهندية .quot;
انتهى

تجد إدارة الثروات الحكومية في الدول العربية، بما فيها غير النفطية، مثل البنوك المركزية التي بحوزتها احتياطيات كبرى من العملة الصعبة و بعض مؤسسات القطاع العام، نفسها في وضع حرج . إذا استثمرت هذه الصناديق في سندات الخزانة الحكومية، يكون العائد ثابتا لكن ضعيفا (اقل من 6% بالنسبة لسندات الخزينة الأمريكية). أما إذا ما استثمرت في الأسهم و الأسواق الناشئة، حيث العائد اكبر، فالمخاطرة تكون كبيرة أيضا. لذلك يتوجب على الحكومات العربية إتباع الإستراتيجية التي اتبعها جهاز الكويت للاستثمار بتنويع المحافظ و التعهيد بإدارة الأموال إلى شركات إدارة الأصول المتخصصة لما لها من خبرة في هذا المجال .

كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه