(1)الفهم بديلا عن القداسة
quot; المتعصبون لازمانهم صور فاتنة للعامة، لأن البشر يفضلون رؤية إيماءات تافهة لما تربوا عليه بدلاً من أن يسمعوا صوت العقل quot;.
فردريك نيتشه
فردريك نيتشه
اولا: مدخل: الى متى سيبقى الماضي وصيا علينا؟
اليوم، اخذ كل من هّب ودّب يكتب quot; التاريخ quot;، بل قل يستنسخ ما قاله الاخرون، بلا اي منهج، او امانة، ومن دون اي حياء، ولا اي ضمير! بل وغدا البعض، يسلق ما يعرف بـ quot; الحقائق quot; بعد سرقتها ليقوم بتشويهها عمدا من دون اي احساس بالذنب! ناهيكم عن حجم اعداد المزورين والمدلسين والكاذبين والرواة العنتريين الذين ليس باستطاعتهم التحكم بعواطفهم، ونزق تعصبهم، وغربة سايكلوجياتهم ابدا.. تجدهم وكأنهم خرجوا من ذلك العصر توا، اذ يتحدثون وكأنهم قد رأوا احداثه، والتقوا شخوصه، وخبروا اسراره ومظانه.. وثمة من يرمي كل عفونة هذا الحاضر على تاريخنا بلا اي عقل، ولا اي حكمة.. لقد كثر المجانين في مجتمعاتنا بشكل لا يصدق، وكلهم يرقصون على لعبة التاريخ.. ومع هيجان الانقسامات، طفت على السطح كل رواسب الماضي، وبدا عصرنا يعيش في رعاية الماضي.. ان ابناء الماضي التليد او البليد لو قاموا من قبورهم، ووجدوا انفسهم فجأة في طائرات جامبو، وفي ايديهم موبايلات، وفي بيوتهم تلفزيونات وكومبيوترات واتصالات لاصابتهم لوثات متنوعة من الجنون ولدخلوا كلهم مستشفى المجانين.. والامر سيّان عندي، ان يغدو ابناء اليوم وكأنهم خرجوا من عصور حجرية او بدائية، وقد افتقدوا التفكير والمنطق والعقل حتى لمرة واحدة! انني لا اتخيل ابدا ان ترتد مجتمعاتنا، هكذا نحو الماضي السحيق.. هذا الارتداد الكاسح بكل غباء من دون ان يحمل الناس زهرة الماضي ورموزه كي يخترقوا المستقبل.. فالمستقبل خطير جدا، ولا اعرف كيف ستواجهه مجتمعاتنا التي يزداد اهتراؤها، وينعدم انتاجها، ويغترب ابناؤها، يوما بعد آخر، وهي لم تزل بهوسها في مستشفى المجانين منذ خمسين سنة! وكل من يقرع الاجراس منبها، يغدو خصما يهاجمونه وعدوا وزنديقا يدعون لقتله او نفيه او تشويه سمعته!
ثانيا: كيف ننجح في توظيف الذاكرة التاريخية؟
لقد تربت أجيال عربية عديدة على مدى قرنين من الزمن تربية تاريخية خاطئة، وعاشت جميعها على تضادين اثنين: حلم الأمجاد المفرحة، او بكائية المظلومية السوداء! وكانت ولم تزل، تربية ساذجة بلهاء، تضخ في العقول والوجدان والتفكير بأن كل ما افرزه التاريخ من التراث هو النافع والرائع، او تجد على الساحل الاخر منه، ذلك الماحق الساحق الذي لا يمكن أن يتجرأ أحد على دراسته ونقده وتمكين العقل منه.. حتى وجدنا كل مجتمعاتنا تعتبر quot; التاريخ quot; هو المقدس كـ quot; الدين quot;، ولا يليق بأي دارس ومؤرخ ومفكر أن يستكشف اية مقاربات للحقائق التي ربما تطفو على السطح، بل ولا يمكنه أبدا أن يستأصل العفن من واقع متزمت إزاء الماضي بسبب أن الحاضر كله لم يزل في جوف الماضي! ولا ان يصحح اية مفاهيم خاطئة غدت مع متتاليات الزمن، مجرد طقوس مبتدعة، لأن الاوصياء على التاريخ، هم quot; رجال دين quot;، ولهم القدرة الديماغوجية في تسويق القداسة وخداع العامة! ان اغلب مشاكل الحاضر تجدها راكنة من ترسبات الماضي وبقاياه التي يتزمت إزاءها كل من الدولة والمجتمع تحت مسميات عدة، وأغطية متنوعة، وتشكيلة فيها كل الألوان الفاقعة غير المتجانسة، أو عند آخرين يقبع كل شيء تحت عباءة داكنة سوداء لا يمكن أن يخرقها أي quot; منهج quot;، أو تتدارسها أية quot; فلسفةquot; من اجل تعرية مقاربات (الحقائق ) التي يؤمن بها كل طرف، مهما كان نوعها وشكلها وصنفها، ومهما بلغ كمّها وحجمها واتساعها! وهنا يمكن توظيف الذاكرة التاريخية توظيفا حقيقيا، خصوصا، اذا ما تميّزت بالنضوج، وانها مقارنة بذاكرة تاريخية غيرها، تمتلك ثقلا من الاحداث والتجارب وخزين خزائن من المستندات والوثائق والمعلومات.
لقد تربت أجيال عربية عديدة على مدى قرنين من الزمن تربية تاريخية خاطئة، وعاشت جميعها على تضادين اثنين: حلم الأمجاد المفرحة، او بكائية المظلومية السوداء! وكانت ولم تزل، تربية ساذجة بلهاء، تضخ في العقول والوجدان والتفكير بأن كل ما افرزه التاريخ من التراث هو النافع والرائع، او تجد على الساحل الاخر منه، ذلك الماحق الساحق الذي لا يمكن أن يتجرأ أحد على دراسته ونقده وتمكين العقل منه.. حتى وجدنا كل مجتمعاتنا تعتبر quot; التاريخ quot; هو المقدس كـ quot; الدين quot;، ولا يليق بأي دارس ومؤرخ ومفكر أن يستكشف اية مقاربات للحقائق التي ربما تطفو على السطح، بل ولا يمكنه أبدا أن يستأصل العفن من واقع متزمت إزاء الماضي بسبب أن الحاضر كله لم يزل في جوف الماضي! ولا ان يصحح اية مفاهيم خاطئة غدت مع متتاليات الزمن، مجرد طقوس مبتدعة، لأن الاوصياء على التاريخ، هم quot; رجال دين quot;، ولهم القدرة الديماغوجية في تسويق القداسة وخداع العامة! ان اغلب مشاكل الحاضر تجدها راكنة من ترسبات الماضي وبقاياه التي يتزمت إزاءها كل من الدولة والمجتمع تحت مسميات عدة، وأغطية متنوعة، وتشكيلة فيها كل الألوان الفاقعة غير المتجانسة، أو عند آخرين يقبع كل شيء تحت عباءة داكنة سوداء لا يمكن أن يخرقها أي quot; منهج quot;، أو تتدارسها أية quot; فلسفةquot; من اجل تعرية مقاربات (الحقائق ) التي يؤمن بها كل طرف، مهما كان نوعها وشكلها وصنفها، ومهما بلغ كمّها وحجمها واتساعها! وهنا يمكن توظيف الذاكرة التاريخية توظيفا حقيقيا، خصوصا، اذا ما تميّزت بالنضوج، وانها مقارنة بذاكرة تاريخية غيرها، تمتلك ثقلا من الاحداث والتجارب وخزين خزائن من المستندات والوثائق والمعلومات.
ثالثا: دوامة الثنائيات وراء كل الانقسامات والصراعات
ان من اصعب الامور ان يكون quot; التاريخ quot; مادة مستلبة من قبل جهلة، او مرضى، او عصابيين، او مغالين، او مجموعة من الدجالين الذين تجمعهم كلهم في مستشفى المجانين، والتاريخ، لا يعرفه الناس الا من معلم او مؤرخ.. فاذا ما استسلمت لمن يهذي فيه، او يثرثر عنه، او يزّور منه.. وسوف يفسره كل واحد منهم على هواه، بل واصبحنا اليوم مجموعة مجتمعات، متناشزة، ومتنافرة، بل ومنقسمة في ساحة مليئة بالاضداد المذهبية والطائفية والتحزبية السياسية، هذا يدافع، وذاك يهاجم.. وتلك تزغرد، واخرى تولول وتلطم.. اولئك يدورون حول انفسهم، وهؤلاء يسبحون بامجاد سلالاتهم، والاخرون يقدسون اضرحة آل بيتهم، ومن دونهم يتهجدون عند قبور اوليائهم، ومنعزلون يقدسّون خرقهم ويهلوسون في تكاياهم، صباحهم ومساءهم.. واذا كان الشعراء والمعلمون يمجدون ويمدحون هذا quot; الخليفة quot; وذاك quot; السلطان quot;، يأتي من يسبّ ويشتم ويلعن الجميع! ويعجب الناس اليوم وهم يشهدون غرائب مناسبات تاريخية يحتفون بها كونها دينية مقدسة! وكّنا ولم نزل على امتداد التاريخ الاسلامي، وحتى يومنا هذا، ندور في دوامة ثنائيات مزمنة: صراع قحطانيين ضد عدنانيين، أو بين شماليين وجنوبيين، أو بين مهاجرين وانصار، او بين صحابة وآل بيت، او بين خلفاء وأئمة، او بين بنو أمية وبنو العباس وما بينهما.. علويون ومرجئة، وحسينيون ازاء يزيديين، وما كان بين اهل العراق واهل الشام، او بين سلالة سادة وغير سادة، او بين نقباء حسينيين واشراف حسنيين، او بين دواخل وخوارج، او بين عثمانيين وصفويين.. او بين ايوبيين وفاطميين.. او شوافع وحنابلة، او بين سلفيين ومتصوفة، أو بين صوالح وطوالح، او بين روافض ونواصب، او بين ظاهرية وباطنية ناهيكم عن كم لا حصر له من طرق صوفية.. الخ من التحزبات والتمذهبات والطرائق التي عبثت بمجتمعاتنا على امتداد تاريخ طويل، بل وكانت من وراء اذكاء حروب واشعال صراعات بين دول كبيرة وصغيرة.
رابعا: الفهم بديلا عن القداسة
متى تفهم مجتمعاتنا تواريخها بمنتهى الحياد والاستقلالية والنضوج العلمي؟ متى تبتعد عن مزاولة هذا الالتصاق الذي يقربها من تقديس الأشياء، واعادة إنتاجها بعيدا عن فهمها وإدراك مخاطرها؟ متى تتخلص من كل التمجيدات، والمفاخرات، او كل الكراهية، والمكبوتات ازاء ما دار في الأيام الخوالي، علما بأنها لم تدرك، ان التاريخ كله، هو امتداد من الازمان النسبية المتغايرة والتي لا تحتمل المطلقات ابدا، فزهرة الماضي لم يصنعها إلا المبدعون والمنتجون والعلماء ونخب من المثقفين الحقيقيين، وان الفجائع والنكبات لم يصنعها الا الاغبياء والمتخلفون والمشرعون المتعصبون؟! فهل باستطاعة الناس أن تنجح في تحكيم العقل وهم يتدارسون وينقدون الأحداث والأشخاص والمواقف والنصوص مهما بلغت درجة ثقتهم بها؟ اننا نرى اليوم، ومع ثورة المعلومات الالكترونية استخداما جنونيا لتشويه التاريخ وتحريفه بالرغم من انوف الفلاسفة العقلاء والمؤرخين المنهاجيين.. فهل يمكننا ايقاف هذه الموجات الكاسحة التي تريد ان تجد لها مشروعية من نوع ما في ظل خيمة تاريخية قديمة تقع في مستشفى للمجانين! هنا، هل تنجح السياسات التربوية العربية ( او تلك التي يمارسها شيوخ وملالي في دول اسلامية معينة سنّية وشيعية ) أن تزرع وازع الحيادية، والموضوعية، والعلمية مهما بلغت درجات التاريخ من القداسة؟؟ كي يدرك المرء يوما معنى الخطأ، ومعنى الاعتراف به والتعلم منه؟؟ ولكن من سيقوم بالمهمة اذا كانت مجتمعاتنا قاطبة قد غاصت في التخلف حتى الركب؟ من سيغرس فلسفة القطيعة كي يحل الفهم بديلا عن القداسة؟
ان من اصعب الامور ان يكون quot; التاريخ quot; مادة مستلبة من قبل جهلة، او مرضى، او عصابيين، او مغالين، او مجموعة من الدجالين الذين تجمعهم كلهم في مستشفى المجانين، والتاريخ، لا يعرفه الناس الا من معلم او مؤرخ.. فاذا ما استسلمت لمن يهذي فيه، او يثرثر عنه، او يزّور منه.. وسوف يفسره كل واحد منهم على هواه، بل واصبحنا اليوم مجموعة مجتمعات، متناشزة، ومتنافرة، بل ومنقسمة في ساحة مليئة بالاضداد المذهبية والطائفية والتحزبية السياسية، هذا يدافع، وذاك يهاجم.. وتلك تزغرد، واخرى تولول وتلطم.. اولئك يدورون حول انفسهم، وهؤلاء يسبحون بامجاد سلالاتهم، والاخرون يقدسون اضرحة آل بيتهم، ومن دونهم يتهجدون عند قبور اوليائهم، ومنعزلون يقدسّون خرقهم ويهلوسون في تكاياهم، صباحهم ومساءهم.. واذا كان الشعراء والمعلمون يمجدون ويمدحون هذا quot; الخليفة quot; وذاك quot; السلطان quot;، يأتي من يسبّ ويشتم ويلعن الجميع! ويعجب الناس اليوم وهم يشهدون غرائب مناسبات تاريخية يحتفون بها كونها دينية مقدسة! وكّنا ولم نزل على امتداد التاريخ الاسلامي، وحتى يومنا هذا، ندور في دوامة ثنائيات مزمنة: صراع قحطانيين ضد عدنانيين، أو بين شماليين وجنوبيين، أو بين مهاجرين وانصار، او بين صحابة وآل بيت، او بين خلفاء وأئمة، او بين بنو أمية وبنو العباس وما بينهما.. علويون ومرجئة، وحسينيون ازاء يزيديين، وما كان بين اهل العراق واهل الشام، او بين سلالة سادة وغير سادة، او بين نقباء حسينيين واشراف حسنيين، او بين دواخل وخوارج، او بين عثمانيين وصفويين.. او بين ايوبيين وفاطميين.. او شوافع وحنابلة، او بين سلفيين ومتصوفة، أو بين صوالح وطوالح، او بين روافض ونواصب، او بين ظاهرية وباطنية ناهيكم عن كم لا حصر له من طرق صوفية.. الخ من التحزبات والتمذهبات والطرائق التي عبثت بمجتمعاتنا على امتداد تاريخ طويل، بل وكانت من وراء اذكاء حروب واشعال صراعات بين دول كبيرة وصغيرة.
رابعا: الفهم بديلا عن القداسة
متى تفهم مجتمعاتنا تواريخها بمنتهى الحياد والاستقلالية والنضوج العلمي؟ متى تبتعد عن مزاولة هذا الالتصاق الذي يقربها من تقديس الأشياء، واعادة إنتاجها بعيدا عن فهمها وإدراك مخاطرها؟ متى تتخلص من كل التمجيدات، والمفاخرات، او كل الكراهية، والمكبوتات ازاء ما دار في الأيام الخوالي، علما بأنها لم تدرك، ان التاريخ كله، هو امتداد من الازمان النسبية المتغايرة والتي لا تحتمل المطلقات ابدا، فزهرة الماضي لم يصنعها إلا المبدعون والمنتجون والعلماء ونخب من المثقفين الحقيقيين، وان الفجائع والنكبات لم يصنعها الا الاغبياء والمتخلفون والمشرعون المتعصبون؟! فهل باستطاعة الناس أن تنجح في تحكيم العقل وهم يتدارسون وينقدون الأحداث والأشخاص والمواقف والنصوص مهما بلغت درجة ثقتهم بها؟ اننا نرى اليوم، ومع ثورة المعلومات الالكترونية استخداما جنونيا لتشويه التاريخ وتحريفه بالرغم من انوف الفلاسفة العقلاء والمؤرخين المنهاجيين.. فهل يمكننا ايقاف هذه الموجات الكاسحة التي تريد ان تجد لها مشروعية من نوع ما في ظل خيمة تاريخية قديمة تقع في مستشفى للمجانين! هنا، هل تنجح السياسات التربوية العربية ( او تلك التي يمارسها شيوخ وملالي في دول اسلامية معينة سنّية وشيعية ) أن تزرع وازع الحيادية، والموضوعية، والعلمية مهما بلغت درجات التاريخ من القداسة؟؟ كي يدرك المرء يوما معنى الخطأ، ومعنى الاعتراف به والتعلم منه؟؟ ولكن من سيقوم بالمهمة اذا كانت مجتمعاتنا قاطبة قد غاصت في التخلف حتى الركب؟ من سيغرس فلسفة القطيعة كي يحل الفهم بديلا عن القداسة؟
(انتهت الحلقة الاولى.. انتظروا الحلقة الثانية )
التعليقات