أتعجب ممن يتعجبون من فرحة العرب الغامرة، بضربة الحذاء الطائر المباركة، بيد مجاهد بطل، ممن لبثوا عقوداً تحت نعال صدام
وزبانية بعثه.. الأمر منطقي تماماً، ولا يستدعي دهشة أو تعجب، أو حتى اشمئزاز من افتضاح عقولنا وثقافتنا، فنحن مفتضحون بأوضاعنا المزرية أمام العالم كله، وليس من المتوقع أن تزيده تلك الحادثة أو الموقعة افتضاحاً.. أمة عربية واحدة، خالدة في البؤس والتخلف، ولا تملك من أمر نفسها، إلا أن توغل في الارتداد نحو ماض، أشد بؤساً وتخلفاً، جاعلة منه غايتها ومنتهى آمالها.. وهذا أيضاً ليس بغريب أو عجيب، فهذا البؤس والتخلف هو أقصى ما تستطيع، وأبعد ما يمكن لعقولها وأيديولوجياتها أن تذهب إليه.. أبعد ما تسمح به نظمها الاجتماعية وعاداتها وتقاليدها العربية الأصيلة.
ماذا ترانا نتوقع من شعوب تستكين طوال دهور، للحياة تحت نعال حكامها، وتجمد عقولها لتستجدي الإرشاد والفتوى في كل صغيرة وكبيرة من أصحاب العمائم، التي تحوي تحتها رؤوساً تبيض فيها الديدان وتفقس.. شعوب همَّشت أو جهلت وتجاهلت كرامتها الشخصية، في مواجهة من يقودونها بالرفس بالنعال، مخدرة بمقولات دينية مفارقة لأبسط مبادئ العقل، بقدر ما هي مفارقة لكل حقائق الواقع المعاش؟
هل من الغريب أو المدهش أن تحتفي شعوب العروبة بضربة حذاء، إذا كانت هي ذاتها تساس بالأحذية، وبالتالي لم تعرف غير الحذاء وسيلة وأداة للتعامل؟
مادام لم يسبق لنا استخدام العقل والمنطق في الحوار بيننا وبين بعضنا البعض، أو في العلاقة بيننا وبين حكامنا، أو مع سادتنا رجال الدين، الذين يحقنوننا ليل نهار بالخرافات، وبكل عقاقير تغييب العقل، فمن المنطقي تماماً أن تتعطل وتضمر كل ملكاتنا العقلية، وأن تتركز وتتساقط رؤانا إلى مستوى ما ننتعل.. الأمر هنا ليس أمر انحدار أخلاق وتدهور قيم، بقدر ما هو لجوء طبيعي لأقصى ما نملك من إمكانيات، وبالتالي لا لوم علينا هنا.. فالصحفي المُرسل لمؤتمر صحفي من قبل مؤسسة إعلامية، لم يسبق لأحد من منتسبيها أن أعمل عقله، أو بالأحرى لم يمتلك أحد منهم عقلاً سبق تنميته وتهذيبه من الأساس، بل تُرك على طبيعته وفطرته، كثور غير مدجن، فماذا يمكن أن يفعل مثل هذا الثور إذا متى تواجد في ساحة نزال، إلا أن يستخدم حافره في الرفس؟
إذا كان هناك بيننا من أصحاب الصوت العالي من يناهضون تحريم ضرب الأطفال في معرض تربيتهم وتعليمهم بالمدارس أو في البيوت، ومن يؤكدون على أن ضرب الزوجات له أولوية في طرق تعامل الأزواج معهن.. إذا كنا إلى هذا الحد نجهل ونفتقد لآلية الحوار في حياتنا الاجتماعية والأسرية، فكيف يمكن أن نتوقع أن يكون لدينا صحفي يقف في مؤتمر رئاسي، ويمتلك ناصية التعبير عن نفسه وعن مجتمعه بالحوار، وليس بما تربى وتعلم من صدام حتمي مع الأخر، قد يستخدم فيه قبضة يده، وقد لا يسعفه سوى قدمه، أو حتى كما حدث حذاؤه.
محور الإشكالية هنا ليس شخص الصحفي (لقباً) منتظر الزيدي، سواء اعتبرناه بطلاً ومناضلاً إسلامياً أو عروبياً، أو اعتبرنا تجسيداً لمأساة الثقافة العربية.. المحاكمة هنا، إدانة أو تثميناً، ليست لهذا الفرد بالتحديد، الذي هو مجرد نتاج لمجتمعه.. كما أن الأمر ليس أمر البحث عن مدى حبنا أو كراهيتنا للسيد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ولا هو أمر تقييم لسياساته تجاه الشرق الأوسط.. المسألة هي ما كشفته موقعة الحذاء التاريخية من طبيعة ثقافتنا، التي ننعم أو نتضرر نحن منها، قبل أن تطال برذاذها الآخر.
هي مناسبة مثلى إذن، لكي نعيد تدبر أحوالنا، فنفرح ونقيم المهرجانات الاحتفالية، كما فعلت أكبر قنوات ترويج الإرهاب التليفزيونية، إذا أعجبتنا ثمار ثقافتنا ونهجها، أو ما تستطيعه تجاه الآخر.. أو أن ينكب علماؤنا على دراسة أسباب ما وصلنا إليه من تدهور، وتقرير إذا ما كنا نتملك ما يمكن تطويره، ليكون لدينا أسلحة أخرى، نحاور بها أنفسنا أو الآخر، غير أحذية الدمار الشامل هذه.
فلنقارن حال العرب وثقافتهم، بحال الفرس في إيران، فنحن وهم في حالة عداء مع الغرب وحضارته، ونود أن نغلق عيوننا ونفتحها، فنجد المحيطين الأطلنطي والهادي قد ابتلعا في جوفهما كل أثر لتلك الحضارة، التي تقض مضاجعنا، وتهدد هويتنا الثقافية والقومية والدينية، رغم أنها تمدنا أيضاً بمقومات الحياة.. ليس أسباب هذا العداء ومبرراته موضوعنا في هذه السطور.. المهم هو نهج الثقافتين في إدارة الصراع في حالة العداء، نهج الثقافة الفارسية، في مواجهة نهج الثقافة العربية.. الفرس يعدون الصواريخ والقنابل الذرية، ليتمكنوا يوماً من إزالة إسرائيل وأمريكا من على خريطة العالم.. أيضاً رغم الديكتاتورية الممسكة برقاب الشعب الإيراني، نجد لديهم أجنحة معارضة قوية، وتيارات سياسية وثقافية، تقاوم سقوط العربة الإيرانية إلى أسفل سافلين.. أما الثقافة العربية فلم تنجب من يحاولون امتلاك صواريح وقنابل ذرية يبيدون بها أعداءهم، كما لم تنجب تيارات معارضة تمتلك رؤى سياسية وثقافية مغايرة عن تلك التي يتبناها الحكام، وإنما تعرف تلك التيارات المعارضة فقط نهج اللعنات والشتائم وحتى ضرب الأحذية داخل البرلمانات، تتناطح بها مع الحكام، ومع بعضها البعض، حتى داخل تلك المجموعات المعارضة ذاتها، لمجرد الأمل في إزاحت الآخرين، ليجلسوا هم بدلاً منهم، سواء على منصات القش والهشيم المعارضة، أو على كراسي الحكم الوثيرة، ليأخذوا دورهم في الإيغال في ذات ما سبق وأن أوغل فيه حكامهم.
السؤال الذي فرضته علينا موقعة الجزمة العربية إذن، ليس أن نضرب الرئيس الأمريكي بالجزمة أم لا، لكنه أن نحيا في ظلال الحوار بما تمثله الأحذية، سواء كان الحوار بيننا وبعضنا البعض، أو بيننا وبين الآخر الذي نكرهه كراهيتنا للحياة والحضارة، أو أن نبحث كيف نخرج مما نعتبره مأساة ثقافية وحضارية، لنمتلك يوماً أجيالاً، تكون قادرة على الحوار بغير أحذية الدمار الشامل!!
[email protected]
ماذا ترانا نتوقع من شعوب تستكين طوال دهور، للحياة تحت نعال حكامها، وتجمد عقولها لتستجدي الإرشاد والفتوى في كل صغيرة وكبيرة من أصحاب العمائم، التي تحوي تحتها رؤوساً تبيض فيها الديدان وتفقس.. شعوب همَّشت أو جهلت وتجاهلت كرامتها الشخصية، في مواجهة من يقودونها بالرفس بالنعال، مخدرة بمقولات دينية مفارقة لأبسط مبادئ العقل، بقدر ما هي مفارقة لكل حقائق الواقع المعاش؟
هل من الغريب أو المدهش أن تحتفي شعوب العروبة بضربة حذاء، إذا كانت هي ذاتها تساس بالأحذية، وبالتالي لم تعرف غير الحذاء وسيلة وأداة للتعامل؟
مادام لم يسبق لنا استخدام العقل والمنطق في الحوار بيننا وبين بعضنا البعض، أو في العلاقة بيننا وبين حكامنا، أو مع سادتنا رجال الدين، الذين يحقنوننا ليل نهار بالخرافات، وبكل عقاقير تغييب العقل، فمن المنطقي تماماً أن تتعطل وتضمر كل ملكاتنا العقلية، وأن تتركز وتتساقط رؤانا إلى مستوى ما ننتعل.. الأمر هنا ليس أمر انحدار أخلاق وتدهور قيم، بقدر ما هو لجوء طبيعي لأقصى ما نملك من إمكانيات، وبالتالي لا لوم علينا هنا.. فالصحفي المُرسل لمؤتمر صحفي من قبل مؤسسة إعلامية، لم يسبق لأحد من منتسبيها أن أعمل عقله، أو بالأحرى لم يمتلك أحد منهم عقلاً سبق تنميته وتهذيبه من الأساس، بل تُرك على طبيعته وفطرته، كثور غير مدجن، فماذا يمكن أن يفعل مثل هذا الثور إذا متى تواجد في ساحة نزال، إلا أن يستخدم حافره في الرفس؟
إذا كان هناك بيننا من أصحاب الصوت العالي من يناهضون تحريم ضرب الأطفال في معرض تربيتهم وتعليمهم بالمدارس أو في البيوت، ومن يؤكدون على أن ضرب الزوجات له أولوية في طرق تعامل الأزواج معهن.. إذا كنا إلى هذا الحد نجهل ونفتقد لآلية الحوار في حياتنا الاجتماعية والأسرية، فكيف يمكن أن نتوقع أن يكون لدينا صحفي يقف في مؤتمر رئاسي، ويمتلك ناصية التعبير عن نفسه وعن مجتمعه بالحوار، وليس بما تربى وتعلم من صدام حتمي مع الأخر، قد يستخدم فيه قبضة يده، وقد لا يسعفه سوى قدمه، أو حتى كما حدث حذاؤه.
محور الإشكالية هنا ليس شخص الصحفي (لقباً) منتظر الزيدي، سواء اعتبرناه بطلاً ومناضلاً إسلامياً أو عروبياً، أو اعتبرنا تجسيداً لمأساة الثقافة العربية.. المحاكمة هنا، إدانة أو تثميناً، ليست لهذا الفرد بالتحديد، الذي هو مجرد نتاج لمجتمعه.. كما أن الأمر ليس أمر البحث عن مدى حبنا أو كراهيتنا للسيد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ولا هو أمر تقييم لسياساته تجاه الشرق الأوسط.. المسألة هي ما كشفته موقعة الحذاء التاريخية من طبيعة ثقافتنا، التي ننعم أو نتضرر نحن منها، قبل أن تطال برذاذها الآخر.
هي مناسبة مثلى إذن، لكي نعيد تدبر أحوالنا، فنفرح ونقيم المهرجانات الاحتفالية، كما فعلت أكبر قنوات ترويج الإرهاب التليفزيونية، إذا أعجبتنا ثمار ثقافتنا ونهجها، أو ما تستطيعه تجاه الآخر.. أو أن ينكب علماؤنا على دراسة أسباب ما وصلنا إليه من تدهور، وتقرير إذا ما كنا نتملك ما يمكن تطويره، ليكون لدينا أسلحة أخرى، نحاور بها أنفسنا أو الآخر، غير أحذية الدمار الشامل هذه.
فلنقارن حال العرب وثقافتهم، بحال الفرس في إيران، فنحن وهم في حالة عداء مع الغرب وحضارته، ونود أن نغلق عيوننا ونفتحها، فنجد المحيطين الأطلنطي والهادي قد ابتلعا في جوفهما كل أثر لتلك الحضارة، التي تقض مضاجعنا، وتهدد هويتنا الثقافية والقومية والدينية، رغم أنها تمدنا أيضاً بمقومات الحياة.. ليس أسباب هذا العداء ومبرراته موضوعنا في هذه السطور.. المهم هو نهج الثقافتين في إدارة الصراع في حالة العداء، نهج الثقافة الفارسية، في مواجهة نهج الثقافة العربية.. الفرس يعدون الصواريخ والقنابل الذرية، ليتمكنوا يوماً من إزالة إسرائيل وأمريكا من على خريطة العالم.. أيضاً رغم الديكتاتورية الممسكة برقاب الشعب الإيراني، نجد لديهم أجنحة معارضة قوية، وتيارات سياسية وثقافية، تقاوم سقوط العربة الإيرانية إلى أسفل سافلين.. أما الثقافة العربية فلم تنجب من يحاولون امتلاك صواريح وقنابل ذرية يبيدون بها أعداءهم، كما لم تنجب تيارات معارضة تمتلك رؤى سياسية وثقافية مغايرة عن تلك التي يتبناها الحكام، وإنما تعرف تلك التيارات المعارضة فقط نهج اللعنات والشتائم وحتى ضرب الأحذية داخل البرلمانات، تتناطح بها مع الحكام، ومع بعضها البعض، حتى داخل تلك المجموعات المعارضة ذاتها، لمجرد الأمل في إزاحت الآخرين، ليجلسوا هم بدلاً منهم، سواء على منصات القش والهشيم المعارضة، أو على كراسي الحكم الوثيرة، ليأخذوا دورهم في الإيغال في ذات ما سبق وأن أوغل فيه حكامهم.
السؤال الذي فرضته علينا موقعة الجزمة العربية إذن، ليس أن نضرب الرئيس الأمريكي بالجزمة أم لا، لكنه أن نحيا في ظلال الحوار بما تمثله الأحذية، سواء كان الحوار بيننا وبعضنا البعض، أو بيننا وبين الآخر الذي نكرهه كراهيتنا للحياة والحضارة، أو أن نبحث كيف نخرج مما نعتبره مأساة ثقافية وحضارية، لنمتلك يوماً أجيالاً، تكون قادرة على الحوار بغير أحذية الدمار الشامل!!
[email protected]
التعليقات