كثيرون شاهدوا أو لم يشاهدوا فيلم quot;عايز حقيquot;، بطولة الفنان هاني رمزي، والذي يحكي قصة شاب لا يملك ما يمكنه من الحصول على شقة، يتزوج فيها خطيبته، التي خللت من طول الانتظار، ثم تقوده المصادفة لقراءة بنود من الدستور المصري، يفهم منها أنه بصفته مواطن، يعتبر أحد ملاك المال العام للدولة، فبدأ يسعى ليبيع نصيبه في المال العام، حتى تراجع في آخر لحظة، .كي لا يبيع مصر للأجانب.
في الأغلب هذه الفكرة الطريفة للفيلم، هي التي أوحت لحكومتنا الرشيدة، بفكرة طريفة مشابهة، هي أن توزع على أفراد الشعب أسهماً في شركات قطاع الأعمال العام، التي تنتوي التخلص منها بالبيع.
لا أنكر أنني فشلت في أن أفهم ما تطرحه علينا الحكومة بالتحديد، ربما لتواضع قدراتي الذهنية، وربما لأن الحكومة نفسها، لا تعرف بالتحديد ماذا تنتوي أن تفعل، أو أنها تعرف، وتبقي ذلك سراً، لغرض في نفس يعقوب، رغم أنها صرحت بغرضها من تلك الفكرة، وهو التخلص من الصداع الذي تسببه لها معارضة عملية الخصخصة، وتوفيق أوضاع الاقتصاد المصري مع متطلبات السوق الحر.
رغم أن الموضوع يبدو اقتصادياً بحتاً، إلا أنه عندما يكون الحديث عن ثروة أو اقتصاد وطن، فإن الجانب الاقتصادي لابد وأن تلتحق به جوانب سياسية ودستورية، تدخل في صميم مفهوم الوطن والمواطنة، وهي الجوانب الأكثر بروزاً في الحرب التي تشنها المعارضة على عمليات التحول الاقتصادي، ولا تجد من جانب الحكومة إلا الصمت، المصحوب بالتحرك البطيء والمتردد والخجول، في الاتجاه الذي ترى الحكومة أن عليها السير فيه.
فلننحي في هذه المقاربة الجانب الاقتصادي رغم أهميته، لمجرد أن كاتب هذه السطور لا يكاد يفقه شيئاً في الاقتصاد، رغم أنه يدعي وعيه بالحقوق والواجبات المترتبة على صفة المواطن التي يتمتع بها.
ما ظهر جلياً في تلك الفكرة الطريفة التي طرحتها الحكومة، هو أن مفهومها لمعنى الوطن والمواطنة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، لا يقل تشوهاً عن مفاهيم معارضيها، والذين يشنعون ويلطمون الخدود، على ما تقوم به الحكومة من بيع لمؤسساتها، وهو ذات التشوه في الفهم الذي يتبدى في فيلم quot;عايز حقيquot;، سواء في اتجاه البطل لبيع نصيبه في المال العام، أو في تراجعه حتى لا يبيع مصر للأجانب.
لدينا مفاهيم quot;الوطنquot; وquot;الملكية العامةquot; وquot;الملكية الخاصةquot; وquot;السيادة الوطنيةquot;، ويتوقف على فهمنا الصحيح لكل من هذه المفاهيم، مصير البلاد والعباد، في مرحلة التحول والتغيير المصيري هذه، والتي لابد أن نجتازها، إذا أردنا أن يكون لنا مكان في الألفية الثالثة.
quot;الوطنquot; هو الكيان الجغرافي، بكل ما عليه ومن عليه، وما يمكن أن يكون عليه في المستقبل، من مواطنين ومقومات مادية.. فرغم أن الوطن كيان متعين حاضر هنا والآن، بمكوناته البشرية والمادية، إلا أنه أيضاً ممتد زمانياً إلى مالانهاية، وهذا يقلص إلى حد كبير من حجم ملكية وحقوق الجيل الحالي من المواطنين، والتي تقترب نظرياً من الصفر، إذا ما حسبنا نصيب الجيل الحالي، على أساس حجم ممتلكات الوطن، مضروباً في كسر اعتيادي، بسطه عدد المواطنين الحالي، ومقامه عدد الأجيال المقبلة إلى ما شاء الله.. يعني هذا من الناحية العملية أن أصول المال العام، لا يجوز اقتسامها بين أبناء الجيل الحالي، وأن النسبة التي لم تحددها الدولة بعد في مشروعها، لتحتفظ بها للأجيال القادمة، ستكون مهما كان حجمها، جائرة بالنسبة للمستقبل.. يعني هذا أيضاً أن أقصى ما يحق للجيل الحالي الاستفادة به من الأملاك العامة، هو ريعها الجاري، بعد اقتطاع ما يفي بصيانة وتنمية تلك الأصول.
يترتب على هذا أن الدولة يجوز لها أن تستخدم ما تدره عليها ممتلكاتها لتغطية عجز موازنتها، لكن لا يجوز أن تستخدم حصيلة بيعها لتك الممتلكات في الإنفاق العام، بل يقتصر توظيف تلك الحصيلة على مشروعات تنموية، تؤدي لتعظيم الملك العام، مثل تأسيس بنية تحتية تساعد على التنمية، إذا ما كنا في مرحلة تخلي الدولة عن دور المنتج المباشر.
رغم أن طبيعة الملكية العامة أنها ملكية مشتركة بين المواطنين، إلا أنها ملكية غير قابلة للاقتسام بين مجموع مالكيها، فهذه النوعية من الاقتسام تقتصر على الملكية الخاصة لعدد من المساهمين، أما الملكية العامة فمفهومها مختلف تماماً، فالمواطن الواحد لا يمتلك كسراً عشرياً من وطنه، نسبة إلى عدد المواطنين، وإنما كل مواطن يمتلك الوطن كله كاملاً، لكن يشاركه في ذات الملكية الكاملة جميع المواطنين، الأمر أشبه بأبوة وأمومة الوالدين للأبناء، فمن غير الجائز اقتسام الأبناء بين الوالدين، ليأخذ كل منهما نصيبه من الأبناء، وهنا المغالطة الرئيسية في فيلم quot;عايز حقيquot;، وفي مشروع حكومتنا الرشيدة.
quot;الملكية الخاصةquot; هي ما يمتلكه أفراد، سواء كانوا مواطنين أم أجانب، وهي ليست ملكية مطلقة لأصحابها، ذلك أنها تفتقر لعنصر مهم هو quot;السيادةquot;، فحقوق الملكية تقتصر على الاستفادة من عائدات الممتلكات، أو بيعها أو توريثها، لكنها خلال كل ذلك تكون خاضعة لسيادة الشعب صاحب الوطن، ممثلاً في دولته، فأنت في دارك لا تملك أن تفتح نافذة جديدة، أو تلغي قديمة، دون أخذ التصاريح اللازمة من الجهات السيادية.
quot;السيادة الوطنيةquot; هي سيادة المواطنين على وطنهم، وتمثلهم في ممارسة هذه السيادة الدولة، التي تضع القوانين واللوائح المنظمة والمحددة لكل ما يجري على أرض الوطن من نشاط، وهي سيادة دائمة وشاملة لكل الوطن، بملكياته العامة والخاصة، وأيضاً الأفراد ذاتهم، سواء كانوا مواطنين أو أجانب.. بهذا يكون من قبيل الخلط وسوء الفهم أن يتصايح البعض حين تبيع الدولة أصولاً أو أراض للأجانب، بأنها تبيع الوطن، فكلمة الوطن هنا تعني quot;السيادة الوطنيةquot;، وهي غير قابلة للبيع أو التنازل، فما يباع أو يشترى هو الماديات، أو بالأصح حقوق الانتفاع بالماديات، دون أن يصاحب انتقال الملكية بين أطراف عديدة، انتقال مماثل للسيادة.
للدولة إذن أن تبيع ما تشاء من أصول أو أراض، للمواطنين أو للأجانب، على ألا تنفق حصيلة ما باعت على الإنفاق الجاري، وألا توزعها على الشعب كرشوة، لكن تستخدم تلك الأموال في تنمية وتعظيم الممتلكات العامة.. هكذا أجدني أصرخ بأعلى صوت: quot;مش عايز حقيquot;!!
[email protected]
في الأغلب هذه الفكرة الطريفة للفيلم، هي التي أوحت لحكومتنا الرشيدة، بفكرة طريفة مشابهة، هي أن توزع على أفراد الشعب أسهماً في شركات قطاع الأعمال العام، التي تنتوي التخلص منها بالبيع.
لا أنكر أنني فشلت في أن أفهم ما تطرحه علينا الحكومة بالتحديد، ربما لتواضع قدراتي الذهنية، وربما لأن الحكومة نفسها، لا تعرف بالتحديد ماذا تنتوي أن تفعل، أو أنها تعرف، وتبقي ذلك سراً، لغرض في نفس يعقوب، رغم أنها صرحت بغرضها من تلك الفكرة، وهو التخلص من الصداع الذي تسببه لها معارضة عملية الخصخصة، وتوفيق أوضاع الاقتصاد المصري مع متطلبات السوق الحر.
رغم أن الموضوع يبدو اقتصادياً بحتاً، إلا أنه عندما يكون الحديث عن ثروة أو اقتصاد وطن، فإن الجانب الاقتصادي لابد وأن تلتحق به جوانب سياسية ودستورية، تدخل في صميم مفهوم الوطن والمواطنة، وهي الجوانب الأكثر بروزاً في الحرب التي تشنها المعارضة على عمليات التحول الاقتصادي، ولا تجد من جانب الحكومة إلا الصمت، المصحوب بالتحرك البطيء والمتردد والخجول، في الاتجاه الذي ترى الحكومة أن عليها السير فيه.
فلننحي في هذه المقاربة الجانب الاقتصادي رغم أهميته، لمجرد أن كاتب هذه السطور لا يكاد يفقه شيئاً في الاقتصاد، رغم أنه يدعي وعيه بالحقوق والواجبات المترتبة على صفة المواطن التي يتمتع بها.
ما ظهر جلياً في تلك الفكرة الطريفة التي طرحتها الحكومة، هو أن مفهومها لمعنى الوطن والمواطنة، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، لا يقل تشوهاً عن مفاهيم معارضيها، والذين يشنعون ويلطمون الخدود، على ما تقوم به الحكومة من بيع لمؤسساتها، وهو ذات التشوه في الفهم الذي يتبدى في فيلم quot;عايز حقيquot;، سواء في اتجاه البطل لبيع نصيبه في المال العام، أو في تراجعه حتى لا يبيع مصر للأجانب.
لدينا مفاهيم quot;الوطنquot; وquot;الملكية العامةquot; وquot;الملكية الخاصةquot; وquot;السيادة الوطنيةquot;، ويتوقف على فهمنا الصحيح لكل من هذه المفاهيم، مصير البلاد والعباد، في مرحلة التحول والتغيير المصيري هذه، والتي لابد أن نجتازها، إذا أردنا أن يكون لنا مكان في الألفية الثالثة.
quot;الوطنquot; هو الكيان الجغرافي، بكل ما عليه ومن عليه، وما يمكن أن يكون عليه في المستقبل، من مواطنين ومقومات مادية.. فرغم أن الوطن كيان متعين حاضر هنا والآن، بمكوناته البشرية والمادية، إلا أنه أيضاً ممتد زمانياً إلى مالانهاية، وهذا يقلص إلى حد كبير من حجم ملكية وحقوق الجيل الحالي من المواطنين، والتي تقترب نظرياً من الصفر، إذا ما حسبنا نصيب الجيل الحالي، على أساس حجم ممتلكات الوطن، مضروباً في كسر اعتيادي، بسطه عدد المواطنين الحالي، ومقامه عدد الأجيال المقبلة إلى ما شاء الله.. يعني هذا من الناحية العملية أن أصول المال العام، لا يجوز اقتسامها بين أبناء الجيل الحالي، وأن النسبة التي لم تحددها الدولة بعد في مشروعها، لتحتفظ بها للأجيال القادمة، ستكون مهما كان حجمها، جائرة بالنسبة للمستقبل.. يعني هذا أيضاً أن أقصى ما يحق للجيل الحالي الاستفادة به من الأملاك العامة، هو ريعها الجاري، بعد اقتطاع ما يفي بصيانة وتنمية تلك الأصول.
يترتب على هذا أن الدولة يجوز لها أن تستخدم ما تدره عليها ممتلكاتها لتغطية عجز موازنتها، لكن لا يجوز أن تستخدم حصيلة بيعها لتك الممتلكات في الإنفاق العام، بل يقتصر توظيف تلك الحصيلة على مشروعات تنموية، تؤدي لتعظيم الملك العام، مثل تأسيس بنية تحتية تساعد على التنمية، إذا ما كنا في مرحلة تخلي الدولة عن دور المنتج المباشر.
رغم أن طبيعة الملكية العامة أنها ملكية مشتركة بين المواطنين، إلا أنها ملكية غير قابلة للاقتسام بين مجموع مالكيها، فهذه النوعية من الاقتسام تقتصر على الملكية الخاصة لعدد من المساهمين، أما الملكية العامة فمفهومها مختلف تماماً، فالمواطن الواحد لا يمتلك كسراً عشرياً من وطنه، نسبة إلى عدد المواطنين، وإنما كل مواطن يمتلك الوطن كله كاملاً، لكن يشاركه في ذات الملكية الكاملة جميع المواطنين، الأمر أشبه بأبوة وأمومة الوالدين للأبناء، فمن غير الجائز اقتسام الأبناء بين الوالدين، ليأخذ كل منهما نصيبه من الأبناء، وهنا المغالطة الرئيسية في فيلم quot;عايز حقيquot;، وفي مشروع حكومتنا الرشيدة.
quot;الملكية الخاصةquot; هي ما يمتلكه أفراد، سواء كانوا مواطنين أم أجانب، وهي ليست ملكية مطلقة لأصحابها، ذلك أنها تفتقر لعنصر مهم هو quot;السيادةquot;، فحقوق الملكية تقتصر على الاستفادة من عائدات الممتلكات، أو بيعها أو توريثها، لكنها خلال كل ذلك تكون خاضعة لسيادة الشعب صاحب الوطن، ممثلاً في دولته، فأنت في دارك لا تملك أن تفتح نافذة جديدة، أو تلغي قديمة، دون أخذ التصاريح اللازمة من الجهات السيادية.
quot;السيادة الوطنيةquot; هي سيادة المواطنين على وطنهم، وتمثلهم في ممارسة هذه السيادة الدولة، التي تضع القوانين واللوائح المنظمة والمحددة لكل ما يجري على أرض الوطن من نشاط، وهي سيادة دائمة وشاملة لكل الوطن، بملكياته العامة والخاصة، وأيضاً الأفراد ذاتهم، سواء كانوا مواطنين أو أجانب.. بهذا يكون من قبيل الخلط وسوء الفهم أن يتصايح البعض حين تبيع الدولة أصولاً أو أراض للأجانب، بأنها تبيع الوطن، فكلمة الوطن هنا تعني quot;السيادة الوطنيةquot;، وهي غير قابلة للبيع أو التنازل، فما يباع أو يشترى هو الماديات، أو بالأصح حقوق الانتفاع بالماديات، دون أن يصاحب انتقال الملكية بين أطراف عديدة، انتقال مماثل للسيادة.
للدولة إذن أن تبيع ما تشاء من أصول أو أراض، للمواطنين أو للأجانب، على ألا تنفق حصيلة ما باعت على الإنفاق الجاري، وألا توزعها على الشعب كرشوة، لكن تستخدم تلك الأموال في تنمية وتعظيم الممتلكات العامة.. هكذا أجدني أصرخ بأعلى صوت: quot;مش عايز حقيquot;!!
[email protected]
التعليقات