ما من شكّ أن السيد حسن نصر الله حاليا بطل الشاشة الصغيرة بامتياز، بعدما تصدّر ولجولات وصولات عدّة بطولة مرحلة آفلة من مراحل الصراع quot;العربي- الإسرائيلي quot; الذي أسدل فيه الستار على الفصل النهائي من فصول الحكاية الطويلة بعد حرب تموز 2006 على لبنان الصيف الفارط كفصلٍ أخيرٍ من فصول العرض المملّ لمسرحية الصراع quot;العربي ndash; الإسرائيلي quot; المزمن، وأقول quot;آفلة quot; لأنّ فكرة الصراع quot;العربي- الإسرائيلي quot; لم تعد على أجندة الأولويات quot;العربية ndash; العربية quot; قطعا، إذ أنّ دول المواجهة قد عدّلت بوصلة العناوين العريضة كدول ممانعة وتحدي، إلى دول مصالحة ومسامحة ومصالح مشتركة، فمن جمهورية مصر العربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية إلى القيادة الفلسطينية quot;محمود عباس quot; إلى دولةِ قَطر إلى المملكة المغربية إلى سلطنة عُمان إلى موريتانيا إلى دولة الكويت مرورا إلى العراق كبقايا وطن محكوم بالقبضة الأمريكية ذات الذراع الإسرائيلي الأساس. وصولا إلى سوريا آخر قلاع الصمود والتحدّي التي دخلت ولا يخفى على متابع قط،ّ وقارىء شبه متمرّس للأحداث والدراسات الاستراتيجية والأخبار الطائشة هنا وهناك والتي يتطاير منها شظايا القدح والذم بين نِظام وآخر، أن سوريا فعلا قد دخلت عِداد الدول الداعية إلى المصالحة مع إسرائيل بعد هدنةٍ طويلة المدى والأمد والمُناورات الخجولة، وهنا يتجلّى المثل القائل quot;لم يبق في الميدان سوى حديدان quot; وحديدان المسكين هو لبنان الصغير، الطفل الحرّ المُدلل ظاهرا، والمضطّهد باطنا من معظم الأشقاء العرب المختلفين على طرق تقديره تارة وتكديره أخرى، فالأشقاء في المملكة العربية السعودية يسعون لإنعاش لبنان بمصل القرارات الأمريكية الخالصة لثقتهم بالمنتج الأمريكي بعد سنوات من التجربة والخبرة والدعم المشروط، بينما الأشقاء في الجمهورية العربية السورية يستشيطون غيظا من تصدير المصل الأمريكي حصريّاً عن طريق الأشقاء في المملكة العربية السعودية وإغلاق باب المناقصة والمزايدة على الأشقاء في سوريا التي تعتبر نفسها الراعي الرسمي والحاضن الأساسي والوريث الشرعي والشقيق المفوّض والوكيل الحصري للطفل المشاكس المُسمّى لبنان، والذي لم تعترف له يوما لا بالنضج ولا بالاستقلالية، لهذا كان لا بدّ من الاستعانة بquot;العصى quot; الإيرانية هذه المرّة، بعد أن فقدت إيمانها بquot;الجزرةquot; الأمريكية، والعصى الإيرانية ذات فاعلية مزدوجة فهي من جهة أداة مُساندة حقيقية للمقاومة في لبنان، ومن جهة أخرى أداة معاندة إن لم تكن أداة تهذيب للموالاة في لبنان أيضا، وفي غمرة المُساندة والمُعاندة دخل لبنان مرحلة الغيبوبة بعد فقدان كافة المؤشرات الحيّة فيه أهمها الحيوية الاقتصادية والحياة الأمنية، وعلى الرغم من كل التشكيك بالمصل الأمريكي إلا أن الخطّ البياني للنبض السياسي لا يزال يعمل بشكل منتظم ضمن وتيرة التصعيد مرّة والتقهقر أخرى. وفي ظل غياب الإجماع العربي ndash; العربي على وجوب مواصلة السير قُدما لمجابهة إسرائيل، وفي ظل غياب الإجماع اللبناني ndash; العربي، واللبناني ndash; الغربي، واللبناني ndash; اللبناني، على وجوب مجابهة إسرائيل، جاء خطاب السيد حسن نصر الله منفردا ومتفرّدا وحاضرا ونائبا عن كافة الأشقاء العرب والأشقاء الفرس ليُعلن الحرب المفتوحة على إسرائيل، وأحقية المقاومة في تحرير القدس، وأنّ تحرير القدس لن يكون إلا من الجنوب اللبناني، وما من شكّ أن الجنوب اللبناني يفتح شهية المواجهة ليس لمقاوم فذّ بحجم السيد حسن نصر الله، بل لسائح هشّ بحجمي ربما لم يحمل يوما أكثر من مسدس بلاستيكي يُلقّن بالماء لا غير، وأستذكر هذا الشعور جيدا عندما وصلت quot;بوابة فاطمة quot; بعد التحرير سنة 2000 ووقفت لأول مرة خلف السياج أتأمل المجند الإسرائيلي بعين سافرة طافحة بالغصّة على وطن مفقود، وهو يُراقبني بالمثل بعين مُدججة بالسلاح والجرأة، طافحة بالغبطة لوطن مُكتسب، اعترتني وقتها رغبة المواجهة كحقٍ مشروع، سرعان ما تنبّهت إلى عدم التكافؤ الذي قادني للمواجهة على جبهة أخرى بتأليف كتاب quot;إسرائيليات بأقلام عربية quot; ظنّا مني أنني أخوض حربا أقل تصادما، وإذا بها أفدح ضررا مما ظننت، والأقسى عندما تنصّل الجميع من دمي المهدور ثقافيا، ولعنوني جميعا ونكروني قبل صياح الديكة من النقّاد والمُتناقضين، وهكذا أدركت أنّ التحرّش بمن خلف الخطوط الحمر يؤدي بالضرورة الحتمية إلى نتائج وخيمة لن تُحمد عقباها، وهنا يحضرني تصريح السيد حسن نصر الله أيام حرب تموز 2006 // لم يكن في تصوري أن اختطاف الجنديين الإسرائيليين سيُبرر لإسرائيل خوض الحرب على لبنان // ولبنان لم ينهض كامل النهوض بعد من تحت الركام الذي أحدثته الغارات الإسرائيلية الهستيرية على أرجاء مختلفة منه، مع أنّ همّة المُتماثلين إلى الشفاء من الصدمة العنيفة تثير حقّا كل إعجاب وانبهار وتقدير، إلا أنّ الفواتير المُتنازع عليها لم تُسدد كاملة كفريضة إلزامية على حكومة غير مُعترَفٍ بها إعلاميا، ومُكفّرَة وطنيا وسياسيا، ومُطارَدَة اقتصاديا لترميم الوضع والأبنية والعزائم والنفوس والعُرى الوطنية، ومع ذلك ثمّة تحرّشٍ جديد وبأسلوبٍ أجدّ، شفهي هذه المرّة لكنه كالمرّة السابقة يتجاوز الخطّ الأحمر للحدود النفسية على أرضية كيان الشخصية الإسرائيلية، وهذا مُبرر كافٍ لدى إسرائيل لتحريك quot;المركافا quot; الإسرائيلية والصواريخ الموجّهة مع مساندة مُستَعْجَلَةٍ للبارجة الأمريكية قبالة الساحل quot;اللبناني السوري quot; وبالتالي إعلان الجاهزية القصوى وحالة الطوارىء في آن معا في الجانب الإسرائيلي وخاصة داخل المستوطنات المُحاذية للجنوب اللبناني، مما يجعل اليد اللبنانية على اختلاف موقعها مغلولة إلى صدر كل لبناني تجيش فيه رهبة ضمنية من الحرب، ورغبة حقيقية بتفادي الحرب هذه المرّة، إلا أنّ السيد حسن رحّب بالحرب المفتوحة، والسيد حسن quot;قدّس الله سرّه quot; كما تقول الحجّة فاطمة والحجّة ليلى والحجّة زهرة والحجّة أم عبّاس، كلمته أوامر ورؤيته نبوءة quot;بارك الله فيه quot; على قول الحجّة أم عبّاس، وخاصّة أنّ السيد حسن صاحب النصر الإلهي على رأي الحجة ليلى، وليس بمستطاع أحدٍ أن يشكك بهذا النصر العظيم الذي علّم إسرائيل كيف تستعيد تسليح قواتها من جديد، وهذه وجهة نظر صائبة شرط أن نستثني مشهد النزوح اللبناني عموما أيام حرب تموز، ومشهد الخراب الذي لا يزال قائما على وجه التحديد والتحديق والدقّة حتى يومنا هذا، ناهيك عن الفوضى النفسية والقلق المعنوي وأزمات ما بعد الأزمة، لنتشبّث بتقرير quot;فينوغراد quot; الذي جاء مؤخّرا كشهادة استحسان بقوى المقاومة، وشهادة توبيخ ولفت نظر للقوّة الإسرائيلية، وهنا مربض الفرس ففي ذروة التصعيد في خطاب السيد حسن وفي عزّ إطلاق خلاصة العناوين المُركّزة بشعار quot;الحرب المفتوحة مع إسرائيلquot; المصحوب بتوتّر عالٍ، وتوتير عارم للأجواء والأرجاء معا، هدأ الخطاب على غير المتوقع في السياق القائم ليعلن السيد نصر الله بملأ الفم والشاشة والأثير والفضاءات المتّصلة عن quot;شكره العميق وتقديره الكبير لتقرير فينوغراد quot; ولعلّ هذه الدبلوماسية الخارجة عن سياق اللحظة الضاجّة بالتحدّي كانت دبلوماسية مُفاجِئة ومُستغربة دون ريب، وكأننا بصدد قول الشاعر:quot;والضدّ يظهر حُسنه الضدّ أحيانا...quot; وفي غمرة معركة الأضداد المصيرية هذه يبدو أن الإيجابية كان لها موقع من الإعراب والإفصاح والعلن، وتلكَ اللفتة quot;لفتة الشكرquot; من السيد نصر الله غاية في الأهمية تستحق أن نستثنيها جيدا بكفّة توازي كفّة الخطاب الموازي تماما، وأن نستشفّ ما يُمكن أن يُبنى عليها بعناية فائقة، وأن نتأمّل في الدلالات القصدية منها والعفوية فيها بتأنّ كبير وإمعان أكبر، quot;فينوغراد quot; صوت نالَ شرف الشكر من رَجُل المُقاومة بجدارة وهو ليس أي رجل تعاقب جهاديّا كجنديٍّ مجهول نسمع عنه دون أن نراه كعماد مغنية أو الزرقاوي وغيرهما مثلا، بل هو السيد نصر الله بطل الشاشة الصغيرة بامتياز الذي تُكرّم إطلالاته الكثيفة على الشاشة كل مرّة من قبل مناصريه بوابل من الرصاص الحيّ الذي يهطل بغزارة مفزعة تُقلق ليس فقط سكان العاصمة المهيضة، بل حتى إسفلت الشوارع وحجارة الأرصفة وربما سكان الكواكب الأخرى.
وهنا لا بدّ من السؤال لماذا نُعيب على قوى الأكثرية تمسّكها بإمكانية الإصغاء والإنصات للخصم على أمل العثور على صوت قد يستحق quot;الشكر العلني quot; يوما على غرار فينوغراد؟.
من يعلم ربما كان أكثر تبصّرا وحكمة محمود درويش حين توسم بيوسي ساريد الخير مثلا كمفتاح لمصافحات جيدة مع الإسرائيليين، وربما كانت محقّة الراحلة فدوى طوقان حين وثّقت إعجابها الكبير بموشي دايان في سيرتها الذاتية عندما استحقّ اكتراثها وانبهارها كرجل مثقّف يهتم بالآثار متجاوزة أنه رجل حرب احتلّ بلادها،
لا بدّ من المجازفة المزدوجة إذا.. باحتمال quot;السلام quot; على يدّ الأكثرية، كحلّ أمثل من احتمال quot;الحرب المفتوحة quot; على يد المقاومة التي شلّت وسط العاصمة بالاعتصام المفتوح الذي لم يغلق سرايا الحكومة بل شرّع آفاقها أكثر، ولم تستطع ردّ الأذى عن الكثير من الضحايا الأبرياء في تموز الآثم، ولم تسلم من ضغط الضغط الذي تُمارسه بكل الأشكال، ولم ترتقِ بإعلامها خلافا لما آل إليه الإعلام. ولن تنجح في زجّ حلفائها سواء السوريين أو الإيرانيين بأية حرب مفتوحة أو مواربة ضدّ إسرائيل ليقينهم أنّ المقاومة وحدها كبش الفدى الذي تربى في حاضناتها وترعرع من عتادها ليكون وسامها على المدى البعيد.
quot;شكرا quot; كلمة ربما كانت مستثناة من قاموس مُدخراتنا تجاه الخصم، السيد نصر الله فتح لها في خطابه اعتمادا جديدا لمشاريع مستقبلية قد تُعيد الاعتبار لكثيرٍ من الحسابات المنسيّة على خطى المستقبل. من قال أن الواقع لا يُرى إلا بعين واحدة؟.....
من يعلم ربما كان أكثر تبصّرا وحكمة محمود درويش حين توسم بيوسي ساريد الخير مثلا كمفتاح لمصافحات جيدة مع الإسرائيليين، وربما كانت محقّة الراحلة فدوى طوقان حين وثّقت إعجابها الكبير بموشي دايان في سيرتها الذاتية عندما استحقّ اكتراثها وانبهارها كرجل مثقّف يهتم بالآثار متجاوزة أنه رجل حرب احتلّ بلادها،
لا بدّ من المجازفة المزدوجة إذا.. باحتمال quot;السلام quot; على يدّ الأكثرية، كحلّ أمثل من احتمال quot;الحرب المفتوحة quot; على يد المقاومة التي شلّت وسط العاصمة بالاعتصام المفتوح الذي لم يغلق سرايا الحكومة بل شرّع آفاقها أكثر، ولم تستطع ردّ الأذى عن الكثير من الضحايا الأبرياء في تموز الآثم، ولم تسلم من ضغط الضغط الذي تُمارسه بكل الأشكال، ولم ترتقِ بإعلامها خلافا لما آل إليه الإعلام. ولن تنجح في زجّ حلفائها سواء السوريين أو الإيرانيين بأية حرب مفتوحة أو مواربة ضدّ إسرائيل ليقينهم أنّ المقاومة وحدها كبش الفدى الذي تربى في حاضناتها وترعرع من عتادها ليكون وسامها على المدى البعيد.
quot;شكرا quot; كلمة ربما كانت مستثناة من قاموس مُدخراتنا تجاه الخصم، السيد نصر الله فتح لها في خطابه اعتمادا جديدا لمشاريع مستقبلية قد تُعيد الاعتبار لكثيرٍ من الحسابات المنسيّة على خطى المستقبل. من قال أن الواقع لا يُرى إلا بعين واحدة؟.....
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه
التعليقات