من مفكرة سفير عربي في اليابان
عملت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية بتناغم جميل مع الولايات المتحدة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي، كما استفادت من دراستها للإبداعات الأميركية في تطوير اختراعاتها وصناعتها، واستطاعت أن تحول هذه الاختراعات لمنتجات منافسة بجودتها وبتكلفتها المناسبة وبقلة استهلاكها للطاقة. ويرجع نجاح هذه المنافسة حب المواطن الياباني للعمل وإخلاصه للواجب وإتقانه لما يصنعه. وترجع هذه الصفات في الشخصية اليابانية لعقيدة الشنتو القديمة والتي تدعو لإتقان الإنسان لما ينتجه لاعتقادها بأن جزءا من روحه تنتقل لهذا المنتج. وقديما، كان الشعب الياباني يدفن ما يصنعه بعد تجزئته لقطع صغيرة لاحترامه للروح وتشبها بدفن الموتى. ويترافق إتقان العمل في الشخصية اليابانية مع اختفاء النزعة الفردية وبروز العمل المشترك. ويثبط التعليم الياباني ومنذ فترة الحضانة البروز الفردي ويشجع تطوير موهبة المشاركة المجتمعية والعمل المتناغم ضمن فريق متجانس ومتشابه كأسنان المشط، ويتمثل ذلك في المقولة اليابانية: المسمار البارز يجب أن يطرق، لتجنب التنافس الفردي وما يرافقه من غيرة مدمرة ومفارقة في الفرص وتباين في العدالة المجتمعية.
وقد بداء بعض المفكرين في اليابان مناقشة تخوفهم من تحديات انعدام بيئة التنافس الفردي في المجتمع الياباني. وأبدوا رجال الاقتصاد قلقهم للدور الكبير الذي تلعبه للحكومة في التعامل مع تحديات السوق المرتبطة بالاقتصاد والخدمات، وما يرافقه من ارتفاع متزايد للمصاريف في الميزانية العامة، وما يتبعه من ديون متراكمة. كما أبدوا معا تخوفهم من أن هذه البيئة قد تضعف قوة اليابان الإبداعية والتنافسية في عالم العولمة الجديدة. لذلك وضعت الحكومات المتعاقبة مؤخرا خطط لتطوير التعليم وتحرير الاقتصاد من القيود الحكومية. وقد أدى ذلك لصراع عنيف بين القوى السياسية المحافظة واللبرالية، وبرز ذلك وبشكل خاص حينما قرر رئيس الوزراء السابق السيد جونيشيرو كيزومي خصخصة المؤسسة المالية العملاقة المسماة بالبريد الياباني. ويعتبر البريد الياباني من أكبر المؤسسات العالمية للمعاملات البنكية بإيداع المواطن الياباني لمدخراته، كما يقدم خدمات التأمين والبريد. وقد أشتد الصراع في البرلمان السابق بحيث أن أضطر السيد كويزومي حل البرلمان لوقف معارضة المحافظين لمشروع خصخصة البريد، ليعود مرة ثانية وبفوز ساحق ليخلص البرلمان من معارضيه وليشكل حكومته الثالثة في عام 2005.
لقد حاول السيد جونيشيرو كويزومي أن يهيئ اليابان لمنافسة سوق الألفية الثالثة وذلك بتطوير التعليم الإبداعي وبتشجيع منافسة السوق الحرة وبوضع خطة لزيادة السكان، وبخفض العجز في ميزانية الدولة. وقد وقف الشعب الياباني وبإصرار مع الخطة الجديدة، وأستمر السيد كويزومي في رئاسة الحكومة دورتين برلمانيتين، ولكنه قرر الانسحاب وهو في قمة شعبيته، ليترك رئاسة الحكومة ويتراجع للمقاعد الخلفية في البرلمان. وقد ضعفت شعبية الحكومة بعد رحيله وخسر الحزب الحاكم أغلبيته البرلمانية في انتخابات مجلس المستشارين في الصيف الماضي بعد أن كان مسيطرا على المجلسين النيابي والمستشارين خلال الستة عقود الماضية. وقد برز في الانتخابات الماضية الحزب الديمقراطي الياباني برئاسة السيد اوزاوا وحصل على الأغلبية في مجلس المستشارين، واستمر في معارضته الشديدة للكثير من قرارات الحكومة ليصل الوضع لحد لم تستطع الحكومة حتى لوقت كتابة هذا المقال من تعين محافظ البنك المركزي الياباني بعد تقاعد المحافظ السابق في شهر مارس الماضي.
وتتوقع بعض الأوساط السياسية اليابانية انتخابات جديدة بعد صيف هذا العام وخاصة مع الانخفاض الحاد في سوق الأسهم ومع الاستياء الشعبي من حادثة اصطدام البارجة الحربية اليابانية بقارب صيد للأسماك ووفاة بحارين يابانيين. وتبين المؤشرات الأولية بأن الحزب الياباني الديمقراطي المعارض ليس له فرصة في الفوز في مجلس النواب في الانتخابات القادمة، ويبدو من سير انتخابات المحافظات بأن الشعب الياباني غير راضي عن أداءه لعدم تناغم عمله مع الحزب الحاكم ولتعطيله الكثير من قرارات الحكومة منذ أن أستلم مجلس المستشارين العام الماضي، مع أن رئيس الحكومة الحالية السيد فيكودا حاول وبكل حكمة وصبر العمل المشترك مع الحزب المعارض، بل أقترح بتعين رئيس الحزب نائب لرئيس الوزراء. ومن المتوقع عودة الحزب اللبرالي الديمقراطي الحاكم لاستلام المجلسين بأغلبيته البرلمانية وتشكيل الحكومة من جديد. وهناك الكثير من الأسماء المطروحة في الأوساط السياسية لرئاسة الحكومة المقبلة. فيتمنى البعض رجوع السيد جونيشيرو كويزومي لاستلام رئاسة الحكومة من جديد، مع أن الأوساط السياسية تستبعد ذلك، مع أن بعض المقربين من أصدقائه لا يفندون هذه الفكرة. والشخصية المطروحة حاليا هو السيد تارو آسو وزير الخارجية السابق، ذو الشخصية المرحة القوية والمتكلم للغة الانجليزية بطلاقة، وهو من عائلة سياسية وصناعية عريقة ومدعوم من مجموعة من قيادات الحزب كالسيد شنزو آبيه رئيس الوزراء السابق والسيد شوشي ناكاجاوا الرئيس السابق لمجلس الأبحاث السياسية للحزب الحاكم. ويعتبر السيد آسو من الجناح المحافظ في الحزب وتؤيده مجموعة صغيرة من قيادات الحزب الحاكم والتي لا تتعدى الثمانية عشرة نائبا، ويتخوف البعض من انخفاض شعبتيه مع تأخر موعد الانتخابات القادمة. كما أن هناك متحدي آخر وهو السيد ماكوتو كوجا وزير المواصلات السابق والذي يعارض بشدة إيديولوجيته السيد آسو السياسية وبالأخص المتعلقة بتعديل المادة التاسعة من الدستور والتي تمنع المشاركة الهجومية لوزارة الدفاع اليابانية.
ومن الشخصيات الأخرى المطروحة على الساحة السياسية اليابانية حسب ما كتبته صحيفة اليابان تايمز في الخامس والعشرين من شهر مارس 2008 نقلا عن مجلة سنتاكو اليابانية هو السيد نوبوكي اشيهارا الرئيس السابق لمجلس الأبحاث السياسي في الحزب اللبرالي الديمقراطي، وابن محافظ عاصمة طوكيو السيد شنتاروا اشيهارا. ويبدو بأنه ليس من السهل أن يتغلب السيد اشيهارا على السيد آسو في انتخابات الحزب لرئاسة الحكومة، ولكن تتوقع الصحيفة بأنه إذا أرتفع عدد المتنافسين ستضيع الأصوات المؤيدة للسيد آسو، وتنتهي المنافسة بالحوارات الداخلية للحزب الديمقراطي الياباني لاختيار الرئيس المقبل. ومع هذا السيناريو الجديد تبدو في الأفق شخصيتين بارزتين وهما السيد كويشي كاتو السكرتير العام السابق للحزب الحاكم والخبير في الشؤون الدبلوماسية والقريب من لبرالي الحزب، والسيدة يوريكو كويكه المشهورة بكوندوليزا رايس اليابانية.
لقد وصفت مجلة سنتاكو اليابانية السيدة يوريكو كويكه وزيرة الدفاع السابقة بالحصان الأسود. وقد كانت وزيرة للبيئة في حكومة السيد كويزومي، وتعتبر المرأة الحديدية القريبة من قيادات الحزب، ولها شعبية خاصة بين النساء وخاصة بعد النجاحات التي حققتها في وزارة البيئة، ولكونها المرأة اليابانية الأولى كوزيرة للدفاع. وقد أعجب البعض بقوة شخصيتها في التعامل مع كبار قيادات وزارة الدفاع، ومحاولتها الإصلاحية لهذه المؤسسة الحساسة، وبدقة بصيرتها السياسية حينما قررت الاستقالة من وزارة الدفاع قبل أشهر من سقوط الحكومة السابقة. وتعتبر السيدة كيوكيه من كبار قيادات الحزب الديمقراطي اللبرالي، وترأست عدة مسئوليات في الحزب والحكومة، كما أنها قريبة من السيد كوزومي رئيس الوزراء السابق، ويتكون فريقها البرلماني من أكثر من أربعة وثمانين نائبا في الحزب الحاكم. وقد درست في جامعة القاهرة وتتقن اللغة العربية وتعتبر من القيادات اليابانية الداعمة للقضايا العربية، كما تحافظ على علاقات طيبة مع مسئولي الإدارة الأمريكية. ويتوقع البعض بأنه إذا لم ينجح السيد تارو آسو لإقناع قيادات الحزب الحاكم بتأيده لرئاسة الحكومة القادمة، سيزداد الخلاف بين أطراف الحزب المختلفة، فتكون فرصتها لكي تكون المرأة الأولى لرئاسة الحكومة اليابانية القادمة.
ويناقش بعض أعضاء حزب الديمقراطي اللبرالي بأنه قد تكون هذه الفرصة الذهبية للحزب الليبرالي الديمقراطي لمراجعة تاريخه النضالي في بناء اليابان المعاصرة منذ الحرب العالمية الثانية، وليجدد حيوية تنظيمه، وليحقنها بالقيادات الشابة، وليبرز دور المرأة القيادي في العملية السياسية، وليضع تشريعات جديدة ليهيئ اليابان لتحديات الألفية الثالثة. ويتساءل البعض عن مدى نضوج التجربة السياسية اليابانية لكي تستلم المرأة رئاسة الحكومة. فلاختيار المرأة لرئاسة الحكومة يجب عليها الفوز برئاسة الحزب، وبأن يفوز حزبها بالأغلبية في مجلس النواب. ولكي تستطيع تحقيق خططها المستقبلية تحتاج أيضا لفوز حزبها في انتخابات مجلس المستشارين، لتعمل بتناغم مع الحكومة والبرلمان. ويتكون مجلس النواب الياباني الحالي من أربعة مائة وثمانين نائبا، تمثل المرأة نسبة قدرها 8.9% وبعدد قدره ثلاثة وأربعين نائبة. كما يتكون مجلس المستشارين من مائتين وأثنين وأربعين مستشارا، تمثل المرأة فيه نسبة قدرها 17.4% وبعدد قدره أثنين وأربعين مستشارة نيابية. وقد رأست المرأة البرلمان سابقا، وسيكون رئاستها للحكومة والحزب الحاكم خطوة هامة لتفعيل دور المرأة السياسي، وسيشجع المرأة اليابانية على المشاركة الفاعلة في الحزب، كما ستلعب دورا هاما للتعامل مع تحيات الانخفاض السكاني والمتوقع بإضعافه للتنمية الاقتصادية المستقبلية. فمن أكبر التحديات المستقبلية التي ستواجهها اليابان هي النقص المتزايد لعدد السكان ومن المتوقع انخفاض عدد سكن اليابان من المائة والثمانية والعشرين مليونا اليوم لما يقارب التسعين مليون عام 2050. والتحدي المستقبلي الآخر لليابان هو التزايد المستمر لنسبة المسنين والتي تقدره الإحصائيات الرسمية اليوم بما يقارب 21%. فنقص السكان وزيادة عدد المتقاعدين سيؤدي لانخفاض القوى العاملة وانخفاض الإنتاجية، وسترافق ذلك بانخفاض الاستهلاك المحلي وما يرافقه من انخفاض في نسبة التصنيع وضعف التنمية الاقتصادية. ويترافق عادة زيادة نسب المسنين بزيادة الصرف المالي على رعايتهم الصحية مع زيادة الصرف على ميزانية التقاعد. ويتأمل البعض من تفعيل دور المرأة السياسي بتشجيعها للمشاركة في حل تحديات خفض النمو السكاني بزيادة نسبة الزواج والإنجاب بين الشباب.
والسؤال لعزيزي القارئ هل ستنافس اليابان مرة أخرى الولايات المتحدة باختيارها للمرأة رئيسا لحكومتها قبل أن تسجل الولايات المتحدة انتصارا جديدا للمرأة بانتخابها السيدة هليري كلنتون كأول رئيسة لولاياتها الخمسين؟ ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان
عملت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية بتناغم جميل مع الولايات المتحدة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي، كما استفادت من دراستها للإبداعات الأميركية في تطوير اختراعاتها وصناعتها، واستطاعت أن تحول هذه الاختراعات لمنتجات منافسة بجودتها وبتكلفتها المناسبة وبقلة استهلاكها للطاقة. ويرجع نجاح هذه المنافسة حب المواطن الياباني للعمل وإخلاصه للواجب وإتقانه لما يصنعه. وترجع هذه الصفات في الشخصية اليابانية لعقيدة الشنتو القديمة والتي تدعو لإتقان الإنسان لما ينتجه لاعتقادها بأن جزءا من روحه تنتقل لهذا المنتج. وقديما، كان الشعب الياباني يدفن ما يصنعه بعد تجزئته لقطع صغيرة لاحترامه للروح وتشبها بدفن الموتى. ويترافق إتقان العمل في الشخصية اليابانية مع اختفاء النزعة الفردية وبروز العمل المشترك. ويثبط التعليم الياباني ومنذ فترة الحضانة البروز الفردي ويشجع تطوير موهبة المشاركة المجتمعية والعمل المتناغم ضمن فريق متجانس ومتشابه كأسنان المشط، ويتمثل ذلك في المقولة اليابانية: المسمار البارز يجب أن يطرق، لتجنب التنافس الفردي وما يرافقه من غيرة مدمرة ومفارقة في الفرص وتباين في العدالة المجتمعية.
وقد بداء بعض المفكرين في اليابان مناقشة تخوفهم من تحديات انعدام بيئة التنافس الفردي في المجتمع الياباني. وأبدوا رجال الاقتصاد قلقهم للدور الكبير الذي تلعبه للحكومة في التعامل مع تحديات السوق المرتبطة بالاقتصاد والخدمات، وما يرافقه من ارتفاع متزايد للمصاريف في الميزانية العامة، وما يتبعه من ديون متراكمة. كما أبدوا معا تخوفهم من أن هذه البيئة قد تضعف قوة اليابان الإبداعية والتنافسية في عالم العولمة الجديدة. لذلك وضعت الحكومات المتعاقبة مؤخرا خطط لتطوير التعليم وتحرير الاقتصاد من القيود الحكومية. وقد أدى ذلك لصراع عنيف بين القوى السياسية المحافظة واللبرالية، وبرز ذلك وبشكل خاص حينما قرر رئيس الوزراء السابق السيد جونيشيرو كيزومي خصخصة المؤسسة المالية العملاقة المسماة بالبريد الياباني. ويعتبر البريد الياباني من أكبر المؤسسات العالمية للمعاملات البنكية بإيداع المواطن الياباني لمدخراته، كما يقدم خدمات التأمين والبريد. وقد أشتد الصراع في البرلمان السابق بحيث أن أضطر السيد كويزومي حل البرلمان لوقف معارضة المحافظين لمشروع خصخصة البريد، ليعود مرة ثانية وبفوز ساحق ليخلص البرلمان من معارضيه وليشكل حكومته الثالثة في عام 2005.
لقد حاول السيد جونيشيرو كويزومي أن يهيئ اليابان لمنافسة سوق الألفية الثالثة وذلك بتطوير التعليم الإبداعي وبتشجيع منافسة السوق الحرة وبوضع خطة لزيادة السكان، وبخفض العجز في ميزانية الدولة. وقد وقف الشعب الياباني وبإصرار مع الخطة الجديدة، وأستمر السيد كويزومي في رئاسة الحكومة دورتين برلمانيتين، ولكنه قرر الانسحاب وهو في قمة شعبيته، ليترك رئاسة الحكومة ويتراجع للمقاعد الخلفية في البرلمان. وقد ضعفت شعبية الحكومة بعد رحيله وخسر الحزب الحاكم أغلبيته البرلمانية في انتخابات مجلس المستشارين في الصيف الماضي بعد أن كان مسيطرا على المجلسين النيابي والمستشارين خلال الستة عقود الماضية. وقد برز في الانتخابات الماضية الحزب الديمقراطي الياباني برئاسة السيد اوزاوا وحصل على الأغلبية في مجلس المستشارين، واستمر في معارضته الشديدة للكثير من قرارات الحكومة ليصل الوضع لحد لم تستطع الحكومة حتى لوقت كتابة هذا المقال من تعين محافظ البنك المركزي الياباني بعد تقاعد المحافظ السابق في شهر مارس الماضي.
وتتوقع بعض الأوساط السياسية اليابانية انتخابات جديدة بعد صيف هذا العام وخاصة مع الانخفاض الحاد في سوق الأسهم ومع الاستياء الشعبي من حادثة اصطدام البارجة الحربية اليابانية بقارب صيد للأسماك ووفاة بحارين يابانيين. وتبين المؤشرات الأولية بأن الحزب الياباني الديمقراطي المعارض ليس له فرصة في الفوز في مجلس النواب في الانتخابات القادمة، ويبدو من سير انتخابات المحافظات بأن الشعب الياباني غير راضي عن أداءه لعدم تناغم عمله مع الحزب الحاكم ولتعطيله الكثير من قرارات الحكومة منذ أن أستلم مجلس المستشارين العام الماضي، مع أن رئيس الحكومة الحالية السيد فيكودا حاول وبكل حكمة وصبر العمل المشترك مع الحزب المعارض، بل أقترح بتعين رئيس الحزب نائب لرئيس الوزراء. ومن المتوقع عودة الحزب اللبرالي الديمقراطي الحاكم لاستلام المجلسين بأغلبيته البرلمانية وتشكيل الحكومة من جديد. وهناك الكثير من الأسماء المطروحة في الأوساط السياسية لرئاسة الحكومة المقبلة. فيتمنى البعض رجوع السيد جونيشيرو كويزومي لاستلام رئاسة الحكومة من جديد، مع أن الأوساط السياسية تستبعد ذلك، مع أن بعض المقربين من أصدقائه لا يفندون هذه الفكرة. والشخصية المطروحة حاليا هو السيد تارو آسو وزير الخارجية السابق، ذو الشخصية المرحة القوية والمتكلم للغة الانجليزية بطلاقة، وهو من عائلة سياسية وصناعية عريقة ومدعوم من مجموعة من قيادات الحزب كالسيد شنزو آبيه رئيس الوزراء السابق والسيد شوشي ناكاجاوا الرئيس السابق لمجلس الأبحاث السياسية للحزب الحاكم. ويعتبر السيد آسو من الجناح المحافظ في الحزب وتؤيده مجموعة صغيرة من قيادات الحزب الحاكم والتي لا تتعدى الثمانية عشرة نائبا، ويتخوف البعض من انخفاض شعبتيه مع تأخر موعد الانتخابات القادمة. كما أن هناك متحدي آخر وهو السيد ماكوتو كوجا وزير المواصلات السابق والذي يعارض بشدة إيديولوجيته السيد آسو السياسية وبالأخص المتعلقة بتعديل المادة التاسعة من الدستور والتي تمنع المشاركة الهجومية لوزارة الدفاع اليابانية.
ومن الشخصيات الأخرى المطروحة على الساحة السياسية اليابانية حسب ما كتبته صحيفة اليابان تايمز في الخامس والعشرين من شهر مارس 2008 نقلا عن مجلة سنتاكو اليابانية هو السيد نوبوكي اشيهارا الرئيس السابق لمجلس الأبحاث السياسي في الحزب اللبرالي الديمقراطي، وابن محافظ عاصمة طوكيو السيد شنتاروا اشيهارا. ويبدو بأنه ليس من السهل أن يتغلب السيد اشيهارا على السيد آسو في انتخابات الحزب لرئاسة الحكومة، ولكن تتوقع الصحيفة بأنه إذا أرتفع عدد المتنافسين ستضيع الأصوات المؤيدة للسيد آسو، وتنتهي المنافسة بالحوارات الداخلية للحزب الديمقراطي الياباني لاختيار الرئيس المقبل. ومع هذا السيناريو الجديد تبدو في الأفق شخصيتين بارزتين وهما السيد كويشي كاتو السكرتير العام السابق للحزب الحاكم والخبير في الشؤون الدبلوماسية والقريب من لبرالي الحزب، والسيدة يوريكو كويكه المشهورة بكوندوليزا رايس اليابانية.
لقد وصفت مجلة سنتاكو اليابانية السيدة يوريكو كويكه وزيرة الدفاع السابقة بالحصان الأسود. وقد كانت وزيرة للبيئة في حكومة السيد كويزومي، وتعتبر المرأة الحديدية القريبة من قيادات الحزب، ولها شعبية خاصة بين النساء وخاصة بعد النجاحات التي حققتها في وزارة البيئة، ولكونها المرأة اليابانية الأولى كوزيرة للدفاع. وقد أعجب البعض بقوة شخصيتها في التعامل مع كبار قيادات وزارة الدفاع، ومحاولتها الإصلاحية لهذه المؤسسة الحساسة، وبدقة بصيرتها السياسية حينما قررت الاستقالة من وزارة الدفاع قبل أشهر من سقوط الحكومة السابقة. وتعتبر السيدة كيوكيه من كبار قيادات الحزب الديمقراطي اللبرالي، وترأست عدة مسئوليات في الحزب والحكومة، كما أنها قريبة من السيد كوزومي رئيس الوزراء السابق، ويتكون فريقها البرلماني من أكثر من أربعة وثمانين نائبا في الحزب الحاكم. وقد درست في جامعة القاهرة وتتقن اللغة العربية وتعتبر من القيادات اليابانية الداعمة للقضايا العربية، كما تحافظ على علاقات طيبة مع مسئولي الإدارة الأمريكية. ويتوقع البعض بأنه إذا لم ينجح السيد تارو آسو لإقناع قيادات الحزب الحاكم بتأيده لرئاسة الحكومة القادمة، سيزداد الخلاف بين أطراف الحزب المختلفة، فتكون فرصتها لكي تكون المرأة الأولى لرئاسة الحكومة اليابانية القادمة.
ويناقش بعض أعضاء حزب الديمقراطي اللبرالي بأنه قد تكون هذه الفرصة الذهبية للحزب الليبرالي الديمقراطي لمراجعة تاريخه النضالي في بناء اليابان المعاصرة منذ الحرب العالمية الثانية، وليجدد حيوية تنظيمه، وليحقنها بالقيادات الشابة، وليبرز دور المرأة القيادي في العملية السياسية، وليضع تشريعات جديدة ليهيئ اليابان لتحديات الألفية الثالثة. ويتساءل البعض عن مدى نضوج التجربة السياسية اليابانية لكي تستلم المرأة رئاسة الحكومة. فلاختيار المرأة لرئاسة الحكومة يجب عليها الفوز برئاسة الحزب، وبأن يفوز حزبها بالأغلبية في مجلس النواب. ولكي تستطيع تحقيق خططها المستقبلية تحتاج أيضا لفوز حزبها في انتخابات مجلس المستشارين، لتعمل بتناغم مع الحكومة والبرلمان. ويتكون مجلس النواب الياباني الحالي من أربعة مائة وثمانين نائبا، تمثل المرأة نسبة قدرها 8.9% وبعدد قدره ثلاثة وأربعين نائبة. كما يتكون مجلس المستشارين من مائتين وأثنين وأربعين مستشارا، تمثل المرأة فيه نسبة قدرها 17.4% وبعدد قدره أثنين وأربعين مستشارة نيابية. وقد رأست المرأة البرلمان سابقا، وسيكون رئاستها للحكومة والحزب الحاكم خطوة هامة لتفعيل دور المرأة السياسي، وسيشجع المرأة اليابانية على المشاركة الفاعلة في الحزب، كما ستلعب دورا هاما للتعامل مع تحيات الانخفاض السكاني والمتوقع بإضعافه للتنمية الاقتصادية المستقبلية. فمن أكبر التحديات المستقبلية التي ستواجهها اليابان هي النقص المتزايد لعدد السكان ومن المتوقع انخفاض عدد سكن اليابان من المائة والثمانية والعشرين مليونا اليوم لما يقارب التسعين مليون عام 2050. والتحدي المستقبلي الآخر لليابان هو التزايد المستمر لنسبة المسنين والتي تقدره الإحصائيات الرسمية اليوم بما يقارب 21%. فنقص السكان وزيادة عدد المتقاعدين سيؤدي لانخفاض القوى العاملة وانخفاض الإنتاجية، وسترافق ذلك بانخفاض الاستهلاك المحلي وما يرافقه من انخفاض في نسبة التصنيع وضعف التنمية الاقتصادية. ويترافق عادة زيادة نسب المسنين بزيادة الصرف المالي على رعايتهم الصحية مع زيادة الصرف على ميزانية التقاعد. ويتأمل البعض من تفعيل دور المرأة السياسي بتشجيعها للمشاركة في حل تحديات خفض النمو السكاني بزيادة نسبة الزواج والإنجاب بين الشباب.
والسؤال لعزيزي القارئ هل ستنافس اليابان مرة أخرى الولايات المتحدة باختيارها للمرأة رئيسا لحكومتها قبل أن تسجل الولايات المتحدة انتصارا جديدا للمرأة بانتخابها السيدة هليري كلنتون كأول رئيسة لولاياتها الخمسين؟ ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات