من مفكرة سفير عربي في اليابان

لقد اشتد الحوار مؤخرا في الولايات المتحدة عن خطورة اللوبي الأمريكي المؤيد لإسرائيل، على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط، وخاصة بعد صدور كتاب الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، فلسطين: السلام أم التفرقة العنصرية.
وقد صدر كتاب جديد بعنوان، اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية، للبروفيسور جون ميرشمير من جامعة شيكاغو وستيفن ولت من هارفارد.وقد بداء اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية بالهجوم الشديد عليهما، مما أدى لزيادة مبيعات الكتاب لعشرة أضعاف، بل أصبحا نجمين لامعين في الإعلام الأمريكي. مع أن الناشر لم يستطع إصدار الكتاب في الولايات المتحدة، وبعد جهد جهيد وافقت شركة ببريطانيا بإصداره.
ويناقش الكتاب السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.، ويطرح النقاش بشكل صريح عن دور اللوبي الإسرائيلي في إملاء تصوراته السياسية في المنطقة على الإدارة الأمريكية. ويؤكد في مقدمته بضرورة تواجد اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، ويتفهم أهمية وظائف اللوبي السياسي والتجاري والاجتماعي في الحياة الأمريكية، ولا يتهم اللوبي الإسرائيلي بتجاوز صلاحياته حينما يستخدم قوته السياسية والاقتصادية لتحقيق مصالح إسرائيل، ولكن يتساءل، هل يستخدم هذا اللوبي نفوذه في وضع سياسات تخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية أم يضرها؟
ويعتقد الكتاب بأن المصالح المشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل هي في المشاركة الجادة في معضلة الشرق الأوسط، وبتنفيذ اتفاق إسرائيلي فلسطيني معتمد على خطة الرئيس السابق كلينتون، وذلك بانسحاب إسرائيل لحدود 1967، وإنشاء الدولة الفلسطينية، وضمان أمن إسرائيل بضمانات قطعية. ويؤكد الكتاب بأن اللوبي الإسرائيلي كان السبب في عدم تنفيذ بنود خطة الرئيس بل كلينتون، مع أن بوش وكلينتون أكدوا تأيدها.
ويتساءل الكتاب، هل كان من مصلحة إسرائيل معارضة اللوبي الإسرائيلي مشروع السادات بالانسحاب ثلاثة أميال مقابل السلام، بل والضغط على إدارة نيكسون في عام 1971 لتدعم الرفض الإسرائيلي؟ فقد رضخ الرئيس نيكسون للضغط الإسرائيلي، بترك القرار لإسرائيل لرفض عرض السادات. وبعد عامين من ذلك الرفض فقدت إسرائيل ثلاثة الإلف جندي في حرب كان من الممكن تجنبها بقبول عرض السادات، فلم تستفيد إسرائيل من الحرب، بل انتهت بإرجاع جميع الأراضي التي استولت عليها في عام 1971، بل وخسرت أراضي إضافية.
وهل كانت ضغوط اللوبي الإسرائيلي الأمريكي بدعم الرئيس الأمريكي ريجن لغزو لبنان عام 1982 من مصلحة إسرائيل؟ فقد استمرت الحرب ثمانية عشر عاما، وقتل ألاف من جنود إسرائيل. وبعد عدة أيام من الغزو، قامت القوات اللبنانية المسيحية بذبح حوالي إلف فلسطيني في مخيمي صبرا وشتيلا. وخسرت البحرية الأمريكية العديد من جنودها حينما فجر حزب الله ثكنتهم العسكرية. ولم تقدم الحرب شيئا وانسحبت إسرائيل وبدون شروط.
وهل كان من مصلحة إسرائيل ضغوط اللوبي لفرض شروط أحادية لتقديم المعونة للرئيس الفلسطيني احمد عباس، بحيث لم يستطع أن يقنع شعبه، بأن رئيس معتدل ومعترف بإسرائيل لم يستطع أن يساعد شعبه، مما أدى لانتخابهم لحماس. فالسياسات الأمريكية المفروضة من اللوبي الإسرائيلي التي تقدم العصاية بدون الجزرة، أدت لهزيمة عباس وسيطرة حماس على غزة، لتعيد بضرب المدن الإسرائيلية من جديد.
وهل كان من مصلحة إسرائيل منع الرؤساء ريجن وبوش وكلينتون وبوش الثاني لمنع قرار تجميد المستوطنات؟ الم يكن من الأفضل لإسرائيل إزالة هذه المستعمرات بالإقناع السلمي، وإنهاء معضلة لن يكن من السهل إنهائها ألان؟ وبالأخص بان معظم شعب إسرائيل مقتنع بان المستوطنات عائق خطير ضد عملية السلام، ومتفق مع رأي جميع رؤساء الولايات المتحدة ومنذ إنشاء أول مستوطنة إسرائيلية. وقد نعيد نفس التساؤلات حول تأيد اللوبي لغزو العراق، فهل قدمت حرب العراق أية فائدة للولايات المتحدة أو لإسرائيل، وقد تطرح نفس التساؤلات حول إصرار اللوبي الشديد لضرب إيران.
والغريب هو أن الجريدة اليومية الرائدة في إسرائيل، كتبت مقالا عن الكتاب وأعطته حقه من الاهتمام والإعجاب. فقد كتب أم جي رزنبرغ مدير المجمع السياسي الإسرائيلي بواشنطن، في الشهر الماضي، في الجريدة الإسرائيلية أليوميه هارتز، وبعنوان اللوبي اليهودي الأمريكي، هل هو فعلا لوبي إسرائيلي؟ فيقول روزنبرغ، quot;يتساءل الكتاب عن قوة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة؟ ويجيب بأن اللوبي الإسرائيلي له قوة كبيرة جدا مما أدى لمعاناة الولايات المتحدة وإسرائيل معا. وفي تصوري بأن هذا السؤال يحتاج لمناقشة جادة. كما أن الكتاب هو نوع من الكتب التي ليس من الضروري أن تتفق مع جميع مضامينه، ولكنه كتاب جدير بالقراءة الجادة.quot;
ويعقب روزنبرغ، quot;لقد قضيت حوالي عقدين من الزمن مساعدا للكونجرس الأمريكي، ويمكني أن أكد من خلال تجربتي بأن السناتور الأمريكي تحت ضغط مستمر لتأيد ما يريده اللوبي الإسرائيلي من سياسات جامدة. وما نسمعه ليس بحدث عارض بأن أعضاء الكونجرس يتنافسون على وضع شروط صارمة على المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، ومن سيكون الأول في استنكار خطة السلام السعودية، ومن سيتقدم لإفشال المقترحات المقدمة من الفلسطينيين. وليست صدفه بأن لا يوجد هناك أي حوار حقيقي وصادق في الكونجرس الأمريكي حول إسرائيل وفلسطين. بالإضافة، بأن جميع رؤساء الولايات المتحدة يعلمون جيدا بأن أية محاولة جادة لدفع أتفاق إسرائيلي فلسطيني لتسوية عادلة، ستؤدي لمعارضة هستيرية.quot;
ويسترسل روزنبرغ، quot;وأتساءل اليوم، وليست للمرة الأولى، هل هذه التصرفات كانت من مصلحة إسرائيل؟ فأربعين عام بعد حرب الأيام الستة، والاحتلال مستمر، والمقاومة تشتد، ويزداد عدد الاسرائيلين الذين يتساءلون عن مستقبلهم في هذه الدولة. والسؤال هو هل خدم هذا اللوبي مصالح إسرائيل أم أضر بها؟ وتصوري بأنه في كثير من اللحظات الحرجة لم يخدم هذا اللوبي المصالح الإسرائيلية.quot;
quot;ولنتذكر بأن هذه التساؤلات هامة جدا، مع قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فمرة ثانية لقد أخبروا المرشحين للرئاسة بأن يستمروا في دعم حالة الجمود ليكسبوا دعم اللوبي الإسرائيلي. وهذا يعني بأنهم حينما يسألون عن المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية يجب أن يؤيدوا وبدون تردد السياسة الإسرائيلية الأحادية الجانب. ويجب أن يؤكدوا دائما بأن سبب فشل الدبلوماسية في السنوات الأخيرة هم الفلسطينيين. ويجب أن يؤكدوا بأنهم مع عملية السلام، ولكن ليس عملية سلام مشتركة كالتي اقترحوها الرؤساء السابقين. ويجب أن لا يستعملوا أبدا كلمة بتساوي الحقوق أو وسيط شريف، وهناك نص كتابي يجب إلا يحيدوا عنه. والجدير بالذكر بأن الكثيرين منا الذين يؤيدون إسرائيل، تفرض علينا وبطريقة مهينة، أن نعتبر إسرائيل دائما على حق مع تكرر أخطائها. وقد يبعد سكوت المرشح الرئاسي عن المشاكل مع حفنة صغيرة قوية من الجماعة المؤيدة لإسرائيل، والتي تعتقد بأن إسرائيل يمكن أن تستمر باستيلائها على أراضي الغير. وطبعا هذه ليست قناعات بقية يهود الولايات المتحدة الذين يمثلون الغالبية العظمى.quot;
ويسترسل الكاتب بالقول بأن مرشحي الرئاسة الذين يتجنبون معارضة هذه الاتجاهات الخاطئة، خوفا من اللوبي الإسرائيلي ذو التوجهات التي ثبت خطئها مرات عديدة، لا يخدمون المصالح الإسرائيلية. كما يجب إلا يسمى هذا اللوبي باللوبي الإسرائيلي، فقراراته بدعم سياسات ظالمة تعهد الأمهات الإسرائيليات لتنوح عيد ميلاد أبنائها الثامن عشر لجيل أخر، ستضر بإسرائيل، ومع كل ذلك علينا أيضا أن نكون شاكرين لتصرفاته الشاذة.
والسؤال لعزيزي القارئ هل ممكن أن نستفيد من رسالة هذا الكتاب في معالجة الصراع العربي الإسرائيلي بعد أن فقدت إسرائيل أهميتها الإستراتيجية للولايات المتحدة؟ وهل سنتعلم من هذا اللوبي الإسرائيلي الاصرارية والعمل بانضباط وإخلاص لتقريب وجهات النظر والتعاون البناء بين شعوب المنطقة والشعب الأمريكي؟ وهل ستعمل دول آلمينا (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) معا لخلق لوبي قوي مدعوم بأموال النفط في واشنطن؟ وهل حان الوقت لكي تستثمر هذه الدول أموال النفط في الإعلام الغربي وتوجيهه لدعم العلاقات الأمريكية مع دول المنطقة؟ وهل ممكن أن تستفيد من هذه العلاقة كما استفادت منها اليابان لتنمية اقتصادها وتطوير تكنولوجيتها؟ وهل من الممكن بسياسة واعية حكيمة نربح السلام والكونجرس والتنمية؟.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيهh