أحد القراء أرسل تعليقا على إحدى المقالات يقول ما معناه quot;أن الغرب هو من يقف فى طريق تقدم العرب والمسلمينquot;، والحقيقة أن القارئ يمثل قاعدة عريضة من العرب والمسلمين، وأكاد أقول أنه يمثل الأغلبية.
الإعتقاد بتآمر الغرب المسيحى على العرب المسلم هوإعتقاد قديم قدم الحروب الصليبية، حتى أن دعاة التطرف ودعاة القتل والإنتحار اليوم دائما يرفعون شعار مقاتلة:quot;الغرب الصليبى الكافرquot;، وعلى فكرة الغرب المسيحى مفروض فيهم أنهم أهل كتاب كما جاء فى تعاليم الإسلام، ومفروض أن المسلمون يؤمنون برسالتى عيسى وموسى.
وعندما نشأت بحوارى القاهرة وكنت أذهب لمشاهدة مولد السيدة زينب، وكنت أسمعهم فى المولد يقولون للدعاية ولجذب الناس:quot;موسى نبى، عيسى نبى، محمد نبى، وكل من له نبى يصلى عليهquot;، شوف الكلام الجميل:quot; كل من له نبى يصلى عليهquot;، هذا هو مربط الفرس أن كل من له نبى يصلى عليه ويترك الآخر فى حاله.
ولم يحدث العداء للإسلام فى الغرب بتلك الصورة الموجودة حاليا إلا بعد الغزوات الإرهابية على نيويورك ولندن ومدريد، وإعطيكم إحصائية بسيطة: هل تعلمون أن عدد المساجد فى دول الغرب يزيد أضعافا مضاعفة عن عدد الكنائس فى البلاد العربية، وأتحدى أن يدعى أى مسلم أو عربى أنه تم طرده من بلد غربى لمجرد أنه مسلم، وفى المقابل، الجميع يذكر أن العراق ومصر واليمن كان بها عدد كبير من اليهود العرب، تم طردهم وسحبت جنسيتهم وصودرت أموالهم بدون تعويض لمجرد أنهم يهود.
وأنا أتساءل: لماذا يحاول الغرب أن يقف فى طريق تقدمنا؟ هل لأنه يعتقد أنه لدينا إمكانيات بشرية وطبيعية مهولة ويخشى على أنه إذا ما وظفنا تلك الإمكانيات بطريقة سليمة فربما ننافس الحضارة الغربية.
وتعالوا نتكلم بصراحة: الثروة الأساسية التى يملكها العرب هى quot;البترولquot;، والبترول تم توظيفه مرة واحدة أثناء حرب إكتوبر 1973 عندما قاد الملك فيصل رحمه الله حملة وأوقف إمدادات البترول للضغط على الغرب لوقف تأييده اللامحدود لإسرائيل، وقال قولته المشهورة: quot;أننا سوف نقطع البترول حتى لو أدى هذا إلى أن نعود للعيش فى الخيامquot;، والملك فيصل برؤيته الشمولية كان يعرف حقيقتنا وهو أننا لم نقدم للمدنية فى العصر الحديث سوى البترول، حتى البترول فإن الغرب يقوم بإكتشافه وضخه ونقله وتكريره، وكان دورنا هو دور المتفرج وقبض المعلوم آخر النهار (كذا دولار عن كل برميل) وبدلا من أن نشكر الغرب الذى نقلنا من العيش فى الخيام إلى أعتاب quot;مظاهرquot; المدنية، فنحن نشتمه فى أول ووسط النهار ولا ننكسف على (وشنا) فى أن نمد يدنا ونأخذ شيك البترول آخرالنهار.
فكما ترون أنه ليس لدينا سوى البترول، ومنذ توقف البترول عام 1973، لم تتوقف تلك الصادرات أبدا ولن تتوقف إلا بعد جفاف آخر بئر بترول عربى. لذلك فلا أعتقد أن الغرب يخشى أبدا من توقف البترول العربى، وفى الحقيقة هو أنه يجب على العرب أن يعرفوا أن الغرب سوف يجد بديلا للبترول، ولن يفعل هذا لأنه يكره البترول العربى، ولكنهم ينظرون للموضوع نظرة موضوعية وهى أن آبار البترول فى العالم سوف تجف بعد فترة قدرها الخبراء ما بين 50 إلى 100 سنة، وهى فترة بسيطة فى تاريخ الإنسانية، لذلك يجب على العرب بدلا من كراهية وعداء الغرب أن يتعاونوا مع الغرب ويوظفوا بعض عائدات البنرول لإكتشاف بدائل متجددة للطاقة لا تضر بالبيئة، ولكن هذا موضوع آخر.
وتعالوا نسأل أنفسنا لماذا لم يحاول الغرب أن يقف فى سبيل تقدم دبى وماليزيا وأندونيسيا (أكبر دولة إسلامية)، لماذا لم يحاول الغرب فى إيقاف تقدم اليابان بعد أن كانت عدوة له فى الحرب العالمية الثانية، أما من باب أولى أن يقف فى طريق تقدم الدول والتى من الممكن أن تكون دول عظمى فى نهاية القرن الواحد والعشرين مثل الصين والهند والبرازيل، بل على العكس معظم الإستثمارات المالية الضخمة فى الصين هى إستثارات غربية، هل يعقل أن الغرب يعمل على رقى وتقدم الصين ضد مصلحته؟ ولكن الغرب ينظر إلى كل أمر من باب المصلحة، الموضوع ليس له دخل بالحب أو الكراهية أو الإستلطاف.
الغرب يتعامل معنا من منطلق المصلحة ونحن نتعامل معه من منطلق الكراهية والحب (وفى أغلب الأحيان الكراهية فقط) ولأضرب مثالا بسيطا عندما قام صدام بحربه العشوائية والعبثية ضد إيران كان صديقا للغرب ولأمريكا بالتحديد لأنه كان يعمل لمصلحتها ألا وهى الحد من صعود القوة الإيرانية فى المنطقة، وعندما وجدت أمريكا أن صدام ربما يشكل خطرا على مصالحها فى منطقة بها ثلثى إحتياطى البترول العالمى قررت إزاحته عن طريقها.
ونرجع لسؤالنا، هل من مصلحة الغرب عداء العرب، يمكننى القول وبضمير مرتاح أن الإجابة هى: لا، لأن الغرب مازال يحتاج إلى بترول العرب، السؤال الثانى هو: هل يخشى الغرب من نمو القوة العربية، والإجابة هى:لا، لأنه لا يوجد ما يسمى بالقوة العربية، العرب يستوردون كل شئ من الغرب والشرق (من الإبرة إلى الصاروخ)، الشئ الوحيد الذى يخشاه الغرب من العرب هو تكرار هجمات إنتحارية إرهابية على غرارquot;غزواتquot; نيويورك وواشنطن ومدريد ولندن، لذلك قام بنقل الحرب على الإرهاب إلى ملعب الخصم، فنشاهد اليوم العمليات الإرهابية فى كل من العراق وإفغانستان بصفة شبه يومية والضحايا أغلبهم من المسلمين والعرب، ومرة أخرى يعمل الغرب من منطلق المصلحة، إن كان من مصلحته وجود حميد كارازى على رأس الحكم فى أفغانستان كان بها، وإن كان من مصلحته وجود علاوى أو المالكى على رأس حكومة العراق، كان بها أيضا، وإن كان من مصلحته تكوين مجالس الصحوة فى العراق لهزيمة تنظيم القاعدة فأهلا وسهلا، فالغرب يعمل بالمثل المصرى:quot;إللى تغلب به.. إلعب بهquot;.
والغرب مشغول بتطوير مسيرة نهضته هو وغير مشغول بتعطيل مسيرة النهضة العربية، بالعكس قد يكون من مصلحة الغرب أن تنهض البلاد العربية مثل نهضة دبى لأن هذا قد يهزم الإتجاهات المتطرفة والإرهابية وفى هذا إبعاد لشرها عن الغرب، وفى نفس الوقت قد يرفع هذا من مستوى معيشة الطبقة الوسطى العربية فتزيد من أستهلاكاتها للمنتجات الغربية، كما ترون الموضوع كله مسألة أمن وإقتصاد.
أسألوا أنفسكم من يكره من؟ ومن كان بيته من زجاج، فليس من الحكمة أن يضرب الناس بالحجارة!!
[email protected]