كنا نرى فى مسجد سيدنا الحسين بالقاهرة شخصا مجذوبا يرتدى بدلة كانت تبدو بدلة عسكرية، ولكنها فى الحقيقة كانت بدلة كمسارى ترمواى قديمة ومزيتة وكان يضع عليها مجموعة من النياشين المزيفة وغطيان الكازوزة، كما يضع على صدره (بالورب) حزاما أحمر وعليه هلالا أخضر، وكان يعتقد أنه ماريشالا ألمانيا من الحرب العالمية الثانية، ضل طريقه من العلمين إلى مسجد سيدنا الحسين، وكان يبدو أقرب إلى مهرج السيرك ولايمت للماريشال بصلة، وكنت أشفق عليه كلما أراه داخل المسجد، وكان الناس يعطفون عليه ويعطونه ما فيه النصيب لكى يتعيش منه، وكان على يقين تماما أنه ماريشال ألمانى بالرغم من أنه كان لا يعرف كلمة ألمانية واحدة.
واليوم كلما أرى مساخر الفضائيات وفتاوى ونجوم العصر، أقول فينك quot;ياماريشالquot; الله يرحمك ويبشبش الدبابة البانزر الألمانى إللى تحت دماغك، كان زمانك اليوم تظهر كل يوم فى قناة لهلوبة الفضائية وأخواتها لكى تتحفنا وتبشرنا بأن المدد الألمانى قريب، وأن روميل قد جاءك فى المنام ووعدك بالنصر على الماريشال مونتجمرى.
ومنذ فترة أرسل لى بعض الأصدقاء (منهم لله) بعض مقتطفات من خطبة جمعة فى غزة ولقاء فضائى تليفزيونى لشيخ وقور من غزة، وقد أجمع كلاهما على أن المهدى المنتظر موجود فى غزة، ومازال طفلا ويحظى بالرعاية الكاملة، وأنه عندما يكبر سوف يفتح روما ويتمكن من هزيمة الروم!! ومن يعتقد أننى أمزح أو أبالغ فأنا على إستعداد لكى أرسل له التسجيل بالصوت والصورة، وذكرنى هذا الشيخ بوقاره بالماريشال الألمانى فى مسجد سيدنا الحسين، فكلاهما يتخيل أشياء لا وجود لها، ولكن الفرق الخطير هنا، هو أن ماريشال الحسين كان الناس يتعاملون معه على أنه شخص مجذوب ويحسنون إليه، وكان لا يضر ولا ينفع، ولكن مجاذيب أيامنا تلك يستمع إليهم الناس ويقرأون ما يكتبون فى الكتب الصفراء والتى تباع على أرصفة العالم العربى، وتحول الناس بفضل هؤلاء المجاذيب إلى مجاذيب أيضا يؤمنون بقدوم الماريشال روميل للقضاء على الماريشال مونتجمرى، وربما يستعدون لحمل السلاح أو الحزام الناسف للقضاء على مونتجمرى.
وهذا الشيخ وغيره لم يخبره أحد بأن دولة الروم قد زالت من قديم الأزل ولم يبق من أسمها سوى (روما)، وإذا أخبرته عن هذا يقول: quot;بجد الروم خلاص راحوا، وياترى راحوا فين، ماحدش قال لى يعنىquot;!!
....
وحيث أننى سمعت النبوؤة من شيخين فى غزة فى شهر واحد، لذلك رأيت أن أتيقن من خبر ظهور المهدى المنتظر، فتوكلت على الله وشددت الرحال قاصدا غزة، وركبت البحر ونجحنا فى التغلب على أمواجه بفضل ملاح السفينة والذى كان يهتدى وسط لج البحر وأمواجه بواسطة الGPSثم رست بنا السفينة وخفضت أشرعتها على شاطئ غزة وقلت لصحبى المهدى المنتظر أمامكم والبحر من خلفكم، فأين المفر؟ ويبدو أنهم كانوا يستعدون للفرار!! ثم ركبنا الدواب والأبل متوجهين إلى وسط غزة.
وكما يقولون فى الأمثال:quot;إللى يسأل مايتوهشquot;، فسألنا عن دار المهدى المنتظر، فدلونا على منزل قديم نصف مهدم (بفعل الغزوات المتعاقبة) فى معسكر جباليا بغزة، وكان يحرس باب المنزل حراس أشداء يحملون سيوفا مهندة ودروعا حديدية وحرابا مسمومة، وأقرأناهم السلام فردوا علينا السلام بقولهم:quot;السلام على من إتبع الهدىquot;، ظنا منهم بأننا غير مؤمنين، وإخبرناهم بأننا نرغب فى لقاء المهدى المنتظر للتبرك به، فأخبرونا بأنه يلعب الكرة مع أطفال الحارة تحت حراسة مشددة، فطلبنا منهم شربة ماء لكى نروى بها عطشنا، وظل شجرة نرتاح تحتها من وعثاء الطريق، فاشاروا إلى شجرة زيتون مباركة على مبعدة نصف فرسخ وكان بجوارها بئر ماء، فشربنا وإرتوينا، وأخذ حادى القافلة ينشد بصوته الرخيم:
حبة فوق .. وحبة تحت
البدر ساكن فوق ... وأنا إللى ساكن تحت
بصيت لفوق بشوق ... داب قلبى وإنجرح
ياأهل الله ياإللى فوق
ما تطلوا على إللى تحت
وللا.. خلاص إللى فوق... مش دارى باللى تحت
وتجمع حولنا الناس من كل صوب وحدب يستمتعون بالغناء والصوت العذب.
وبعد أن أخذنا قيلولة تحت شجرة الزيتون، أفقنا على صوت أحد الحراس وهو يقول:
- المهدى المنتظر إنتهى من لعب الكرة، وهو فى إنتظاركم.
ودخلنا من مدخل الدار إلى قاعة فسيحة عليها العديد من الآرائك، ووجدنا فى المنتصف يجلس على أريكة أعلى من باقى الأرائك طفل لا يتعدى عمره الست سنوات، ويرتدى حلة بيضاء وعمامة بيضاء ومركوب من فاس أبيض، ووجدنا الحرس على يمينه وعن شماله، كما وجدنا عبدا أسود يمسك بمروحة من ريش النعام يهف بها على وجه الطفل، وكان يجلس إلى جواره شيخ ذو لحية شديدة السواد ويرتدى عمامة سوداء، ومئزر أبيض، وكان وجهه مكفهرا، ووجهنا كلامنا إلى الطفل:
- السلام عليكم
- وعليكم السلام (ومد يده بحركة عفوية قاصدا أن نقبلها، وبالفعل قمنا بتقبيل يده الصغيرة)
- نحن نريد أن نتعرف إليك ونتبرك بك
- على الرحب والسعة (قالها بعد أن همس له الشيخ بكلمة فى أذنه)
- نحن جئنا من بلاد بعيدة بعد أن سمعنا عنك.
- من أين جئتم؟
- جئنا من بلاد بعيدة يشد إليها الرحال ويقال لها أمريكا.
- أمريكا ياله من أسم غريب، وتلك البلاد بلاد مؤمنة؟
- مؤمنة والحمد لله. لقد سمعنا عنك وقيل لنا أنك أنت المهدى المنتظر، فما هى علاماتك؟
(همس الشيخ مرة أخرى فى إذن الطفل)
- نحن الآن فى آخر الزمان، وفى آخر الزمان جئت لكى أملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا (ونظر الطفل إلى الشيخ، الذى أبدى إستحسانا لكلامه)
- وعلمنا أيضا أنك تجهز العدة لغزو روما والقضاء على الروم، هل تعرف كم هى بعيدة روما؟
(فمال مرة أخرى على الشيخ الذى همس له)
- ليس هناك شئ بعيد المنال على الله سبحانه وتعالى والمؤمنين.
- ولكن لماذا تريد أن تغزو روما؟
- لأنها مصدر الجور على الأرض، وإذا إستطعت هزيمة الروم فى عقر دارهم، أكون قد قطعت رأس الحية.
- وماذا أعددت ياترى لهزيمة الروم؟
- أعددت كل شئ من قوة ومن رباط الخيل.
- هل لديك السفن التى ستعبر بها البحار؟
(فمال بإذنه على الشيخ)
- سوف نبنى السفن من جذوع النخل ونبى شراعا من جلود الأبل
- وماذا عن العتاد والسلاح؟
(ويبدو أن الطفل قد ضاق بكثرة الحديث والأسئلة)
وفجأة هب واقفا وهو يقول لأحد مساعديه: أعطوا لكل من ضيوفنا كيسا من الذهب وبعضا من التمر وحلة محشى!! ثم وجه كلامه إلينا:
- شكرا لمجيئكم نأذن لكم بالإنصراف الآن، لأننى ذاهب لإستكمال الهايف تايم التانى من ماتش الكورة!!
[email protected]