نضطر لتاجيلات متداورة وروتينية ، في كل مرة، ويصبح ما قبلنا ما بعدنا، فلا تنجح علة في تقديم موضوعتها الا واداة تقديمها معلولة!وهنا يسيطر الهامش على المتن وتتبدل الغايات

الحلقة الأولى
في وسيطها ليصبح الوسيط غاية بل هو المشكلة، وبما ان وسائل اتصالنا هي في سياق تسييل لغوي مستمر في قلقه وانعدام ثابتيته ndash; يتنقل الوعي بين مؤثثات الثبوت ولا تتمكن الوظائف الدماغية امتثال الفناء المتسيّل -، وقد اعطي المخلوق، قدرة تفسير منفردة، يستحيل على وعيها، التناسخ والجمعنة والتشارك، فهي تتميز في الازمنة وطرائق التفسير باعتبار هامشها المسيطر هو الدليل على امتثالها، وهكذا يصبح لكل موضوع سيطرة موضعية، في تفسير المعاني التي توحي جمعنتها بصدق ما توحيه، فيما الانظمة الواقعية يستحيل معها،توحيد صدق الموحى اليه وان لاسم او رمز فمعني واحد، ليتشكل هنا عالم من التسويات الكلامية الهزيلة، لن تستوفي فيها الدلالة شروط الاستظهار، تقوم دلائله على النوايا والافتراضات والاماني.
ولعل ذلك سبب الانقفالات المتنوعة، وهي تاتي بحائط لاعقلاني، مكون من طرفيات وابواب مغلقة،لا تفتح، وان فتحت لا فساح فيها غير العدم.. وعليه لا حيلة لغوية لها، امام العجز والهزيمة غير : المقدس والتدوير االبلاغي والضجر اللغوي ثم الحفظ والتلقين فالشعر،الى كدس الغوامض والماورائيات كمخرج وخلاص لغوي لا يستدل عنه الا في توحد صدقه بزيفه/ تماهيهما الشيطاني، وتلك علة كبرى، لاسيما صيغة تقابله الكلامي عبر قوانين مراعاة السبك الغوي والمفتوح على هول من المضمرات واللزوميات الفائضة الى المفاضلة التي تحدد الفكرة المسبقة وتفضح الميول / تقتل الحياد الشرطي لحماية النازع البريء في اللغة.. انه مخرج للوقائع والاحداث، متناسيا كونه مخرجا في ازمة لغوية، لا يمكن امتثال فعلها على الوقائع، ولكن الطبع الهستيري الذي فطم اللغة بطابعه سيؤدي الى جعل الازمات اللغوية ازمات مصائر واقعية، ومن هنا يتسلل نظام الخيال الى الانضباطية الحية المحدودة بكوابح الوقائع وفعليته، ليخرج بتفسير خرافي مؤسطر، كهنوتي، مغلف بمنتج لغوي لا اكثر لا تعمل حلوله الا بحافظة لغوية اي حلول لغوية للوقائع ، بحيث يمكنه فهم العالم في ضوء الخرافة والشعوذة واحالة الاحداث لتقريرها ففي اللغة لا رادع او كابح للطوفان بضفة او يابسة! وهكذا تخطفنا المقدمات اكثر مما تسمح لنا المواضيع البحث فيها، اذ نحن لن نتفحص اداة البحث، وتفحصها يكلفنا ترك الموضوع والدخول باخر بل كل نزعات الثرثرة بالهوامش كي نحمي عقودنا الكلامية من ارهاب لغوي مفزع يجعل الحقيقة غواية عبيد وجواري ازاء الدهاء الذي احتكر تصدير الفقه الكلامي، والتعليم اول مصيدة مغفلين تجنح للسلطة والهوامش الباطنية المضمرة اكثر مما فيها نوايا معرفية طيبة.. وهكذا طبيعة الفراغ الذي تعاني منه صيغة : مشتركاتنا وعقودنا الكلامية وثبات ادواتنا والاقلاع من الاستخدام الموازي المسيطر.. للاماني والاسقاط والتبرير والتاويل والتوظيف،ونزعات الدعاية التعبوية،التي تفسر العالم، عبر التوجيه الاديولوجي والعقائدي الايماني،فتقابله الضدي، في الالحاد حيث يتحرك برد فعل التضاد، وهذا غير صائب،الا في صدقه المؤقت ذو النزعة الطوارئية التي تجكمها اسباب خاضعة للزوال تربط حضورها بحضور الاسباب وتختفي حيث تختفي الاسباب. وهي نوع من العدوان والروح الانتقامية المحكومة بحق التضاد وليست سلاما معرفيا متعالي النزعة.. اضافة لكل ذلك تاتي الخبرة والمهارة وضعف او قوة المواهب، الى النوايا الباطنية التي تتحكم بالقصد والمعنى، ناهيك عن الزامية المفاضلة الحفية، وهي تقدم الاحكام المسبقة،فيصبح المتاخر موجودا في المتقدم،ولا تتميز الاطراف في تضادها،بل يكون اتحادها نوعا من مخالفة الطبيعة فيبدو هزيلا بلغته وغير مجديا بصمته، وهذا نوع من هتك الحصانة اللغوية فاستباحة المعنى ليكون المنتج هو المستهلك والمتلقي فيسمع باذنه ما يردده لسانه ويصبح سماع الاخر سماعه .
نحتاج لمحو هائل في ما ثاقفنا بموجوداتنا كي تصح او تجد الاضافات، مكانا لها في هذا الزحام الهائل من زبالة اللغوية.. ولعل ما نمحوه هو المغامرة المطلوبة والشرطية للتطور وبغير المغامرة يصاب التاريخ بالعنوسة، وهنا لا نعتبر المشكلة بما مثله التاريخ من احداث ورموز ومدونات ونصوص وحضارة، بل المشكلة في فهمنا وتعاملنا مع الوسائط،ومنها التاريخ لا بل تشع دائرة اشكالات الوسائط، حتى تطال،طريقة وعينا لكل شيء، وهي على ما يبدو فطرت على تصورات خاطئة، كونت طرائق للعلاقات والتفكير لا تتحمل معادلانها قدرة الحياة على احتواءها كمستحيلات،في وقت لم تحل فيه الممكنات.
ولعل الاعفاء المريب الذي يتشكل باصرار وقح، من قبل الحياة، نفسها، عبر مفاهيم تزداد جموحا ومغالاة فتصل الى دوائر لم يمنحها الخلق ولا الخاللق لحدود تفكير الادمغة او مواقع الافعال، ولهذا تحال عن طريق، رغبة منكسرة، عاجزة.. الى تفخيخ الطموحات، فتظهِر الموت والاختفاء والانقراض،كعمل مثالي، يسيطر على القيم المتبعة،فيمنحها صفة المقدس ndash; وهو حركة لغوية لا تشر الى ملوكية الرمز بل عبودية القوم -، وهو الدلالة عن اقفال العقل والتحليل او الموت السريري اللغوي ndash; الكوما الدلالية -. كما تحل، غوايات الموت السرية، في عاجز بطريقة يصبح فيها رفاها وليس اكتئابا،او كسلالات منقرضة يدفعها النظام الحيوي للوجود،الى ترجيح الاسباب الادبية والقيمية مما هو في التقابل اللغوي لفعل الانقراض،فينتج عنها نشاطا بيولوجيا يسير نحو الانقراض،لان الحياة لا تتحمل نتائج الانظمة الادبية اذا ما ارادت التناظر والامتثال في النظام البيولوجي، فالعفاف مستحب اخلاقي الا ان فعله البيولوجي يميل للموت فيما يميل الدنس للحياة فيما تقايسه الاخلاق بالنعوت الخبيثة... الخ، فالله بلا قبيلة ولا يقبل رشوات الموالين له.. لكنه لا يتحكم بالانظمة اللغوية كتحكمه بالوقائع.
ثمة ارث كبير لا يصلح الا للبيئة التعليمية العتيقة، ومع انها فاشلة وعاجزة،على انتاج حماية معرفية من الجهل، الذي ينشط بجانب الاساليب الحفظية والتلقيمية وان ارتدى قنعة الشهادات والتحصيل العلمي، فان هذا الارث العتيق والعاجز، بحكم التقادم وبحكم طرائق بناء العلاقة معه، لم يتمكن التعشير مع الوقائع الا بوصفه تبريرا لمفاعلات حية تتفق مع تغطيته الشرعية والا سيهمل ويترك هذا الارث، ولعل فيه من نزعات الدولة والسلطان اكثر مما في نظامه الالزام المعرفي لاسيما وهو تجنيد الزامي مزعج وسمج للاطفال كي تتسق وتتوازى مظاهر قتل الانظمة البريئة الشاملة.
خلف سياج المدرسة تتكاثر العناصر والحلول اللغوية لشتى المعضلات حيث تموت تلك الحلول ما تتخطى الاقدام سياج المدرسة،هنا تتوقف الحياة من المسرحة ويتوقف الانسان من الحركة في فضاء مسرح، ويعود للحقيقة للانفعال المعرفي الموازي، ما ان يصبح خارج السياج، كما لو انه في المدرسة يخلو من الانفعال والفطرة ويعلب حواسه، فيعود الاستاذ للعقود الاجتماعية السائدة،التي ارساها نظام امي شفاهي، بمعزل عما علمه، فيما يعود التلميذ للشارع ينمو ويكتسب ثقافته وسلوكه،بعيدا عما تعلمه،ما خلا الحلول والنشاط اللغوي الكلماتي والحكواتي.
حتى في اوربا يعاني النظام التربوي من موجهات العلاقات العبودية الابوية،التي توضعت اسسها،على قواعد قمعية، تعود لاصل التعليم وماهياته وتعاريفه، وهو نظام قائم على ابوية كهنوتية لا يمكن تجميلها بقتل الاستاذ الاب وانتصار الاستاذ الموظف.. انها حداثة خائفة خجولة القبل.
تبقى اللغة احد اكبر التقنيات الباقية، الى يوم تنتصر فيه الاليكترونات المصمّتة، فينتهي عصر الثورات الاجتماعية التلطيفية فتغيب الفوارق وتتوحد الاضداد، في مناطق العدم المقنع، ليصل العالم لنهاياته ااو يبدا رحلة موته الاخيرة، حيث تفسر اللغة احداث الزلازل والراكين بانها رقصة الهية ااو كزاحا نوويا!فنخسر حياتنا بوصف الخسارة دعابة او مزحة لغوية او لخطا فسهوا بحروف الحواسيب، فكيف الرهان على ذكاء تنتجه الاعصاب بحراك تنظمه الالكترونات؟ حقا سيصبح الموت دعابة ومزحة تفرض وقائعها العلاقات اللغوية في عالم مزحوم بالمكروات.. وهذا الامر سيتسق ويتوازى بكثرة الكوارث،المتناغمة،في تطورات شاملة، لا يفهم منها طبيعة التنافس والتفاضل لتتحدد الميول والخيارات،انما تتحد الاضداد، في عدالة تصبح حيرتها يقينها، وقلقها ثباتها حيث تموت المفاضلة في تخلفها وتنبجس البراءة بضمور النظام االحيوي، وكلاهما يحددان اولوية الفضل حين يقود التحديث العدالة نحو العدم ويقود التراجع ظلمه للوجود!!.. انه التاريخ المتبقي لمساحة النسيان المعقولة وقتئذ.
شيء ما، في اللغة،يدعو لانقلابات شاملة،مروعة الصدمة، او على الاقل تقبل مفاعيل فكرتها،ولاسيما اللغات الموازية، التي اختطت وسائطها،في مكان الخطا، فيما اللغة تختط في مكان اخر، فقد تبين ان المفاهيم المكتسبة،لا تتمتثل للدلالة اللغوية،انما تحظى بايحاء ترضوي يقوم على الافتراض ورشوة الاماني والنوايا، فلا نعرف ان كانت الللغة غير صالحة لاحتواء الدلالة،ام ان المتحدث يعيش خارجها.. كلا الحالين لا يمتان للغة بعلاقة، لكنهما هما اللغة السائدة، وقد اوحت، في قدرتنها للقبض،على المعنى بفرضية امتثال الاخر للرشوة او رهابه من المقدس فاغراءه بثواب، وتلك معظم العقود الاحادية التي تقتطع قناعتها، في غياب العقد والمعقود والعاقد، لتخلص الى جعل مزاجها اللغوي وميولها المستبدة بواده ثابتة، بما في ذلك الابدال المهول، في جعل القتل سعيا رفاهيا عند القتيل، انطلاقا من بداهة تشويش الحواس وقبول اللغة بديلا عن الوقائع.. وحينها لا غرابة ان تخاف السكين من رقبة الضخية ويعتدي الظهر على السياط، كما يصبح المطر استفزازا لسلام الصحارى! فيما تصبح اللغة الخلاقة في اثبات تيهها وهزيمتها وعجزها بل قدرتها على تبيان نقيصتها وكتمها وصمتها، خصوصا وان العامل اللغوي يسير باتجاه تخريب الحواس وجعل خرابها ثوابا.

منذ ازمنة جد طويلة وهذه الاداة الوسيطة ndash; اللغة- تسلب وقتنا واهتمامنا، ونحن امام،كارثة بناء علاقة لغوية مع الناس.. وربما ذلك زرع الدوافع الادبية لكي تمتثل هذه الدوافع،على المستوى البيولوجي، فتتحقق امنية في سياق قهري، هو عدم القدرة على الكلام، ولعل ذلك طموح بيولوجي مصمت لا تتجمل نتائجه اللغة ولا تنطقه ولكن الشك بعدلتها انتدج الوقائع العضوية، وهنا لا يمكن اعتبار الخرس افولا ونكبة جسدية،وان تخالف ذلك الوعي، مع الطموحات العضوية الخرساء..
من الممكن التربية الاولى، في التعرف على اللغة كان تعارفا سيئا، فرض كمقارنة، اوصلتنا لشك،وعدم رضى متطرف،انتهى الى رؤية انقلابات وانفجارات عديدة تهز ثقتنا باساس الوظيفة اللغوية، وبالتالي نعتبر معظم ماسي الخلق ومعظم المكاره والعداوات والالتباسات.. الخ كلها تعود الى مشكلة لغوية،تبين الاعتكاس الصريح لمجموعة معازل استدلالية،ادت الى خلق فقه مقدس للعزلة والعدوان فالاستبداد، وهو يضع عدوانه اللغوي ومعزله الدلالي، قبل افكاره ذات الاتداه الموحي بالمعرفة والفحص فيما كل معفته تاتي في خدمة عداوته وعزلته الكلامية، وهكذا تتوقف مصائر على حرف جر وتسيل دماء على ياء النسب وتبتكر ديانات وتفسيرات فقهية على واو العطف.. الخ
ولعل كوارث التاريخ جلست على محمولات لغوية، تبين مدى التساند السمج،بين الفقهاء وزعماء الحروب،وكلاهما يؤدي خدمات لبعضه حيث الاستجابة للحاجات البيولوجية برفد عدوانها بالعناصر اللازمة.. تفسيرات عدة، وقاموسيات لغوية، نتجت عنها حروبا لا طائل لها تخفي عناصر التوثيق من صراحتها وتبعدها عن المسئولية، ولان التوثيق هو قبح الموثق تصبح كلمات التلطيف تحتل الموصلات لكي تصبح اللغة اداة تضليل لا اداة تنوير وتعمل الكلمات بمهمة دفن الحقيقة، وتبقى مؤبدة التاجيل / افتراضية الحدوث / في التمنيات والاماني / في الخرافة وقصص الجدات، في الغيب حين يصبح الواقع باطلا والوهم حقا.. وكل ذلك منجز مع سبق الاصرار، يقوم على فهلوة الكهان والشطارة والمهارة اللغوية والبلاية،وكل مهارة وشطارة ليس لها علاقة بالاعمال الخلاقة،فهي لا تتحرك في مدار النشاط المهني.كثيرا ما يجري اسقاط عالم المهن على الخلاقين وحتى الرموز المقدسة،ازاء استثمار قدرتهم الاسطورية،عبر التوظيف والاسقاط، الشعبي والنخبي، كما يجري اسقاط الذمة المضمرة،بصراحة وقحة احيانا، على اصحاب المهنة، مما يدل على النزعات القروية الريفية،التي توحي بالتعالي، على اصحاب المهن،فيما هي تخفي ذلك الحسد الفلاحي والنزعات القروية والبربرية والبدوانية،على المدينة.
في التفاضل المضمر تبدو الاولويات بجانب التخلف والقرية وضد التمدن والمدينة، مما يجعل الانقلاب في مفاضلات الميول، ضرورة لتخليص اللغة من عالمها التعبوي الماكر،القائم على الظلم وانعدام السوية.
- نحن بحاجة لقاموس موازي للقواميس المتيبسة بدلالاتها العجّف،وهذا يفرض، لملاحقة المعنى، ابتكار ما يملا الفراغ الناجم الذي استجد، ما بعد ازمنة : سيبويه والاصمعي والقالي والفراهيدي..وكل المهندسين،وهم يقفلوا على المستقبل باعماء البصيرة اللغوية واحتكار القادم، ولكن للاسف لا تجعلنا هواجس الحرية والتبدلات السريعة، الى الزام الازمنة بالتطور وهدم الاوثان، وعدم التوقف امام مقدس او عبقرية ما! ان تبحث عن المستجد الحتمي والاجباري، وسنلقاه ان احسنا الجحود بالاجداد.
في موازاة ما تقيمه الحياة وقوانينها من هدم دائم، بيوميته ولحاظه، فهي صماء ولا لسان لها او رغبة تفرض غواياتها،رشوة العقل الصلف بموازاة المشاعر المتقلبة. وكي نحترم الاجداد ندخلهم في الايقونات وصوامع المتاحف او عزلة الذاكرة، عن الافعال، صونا للتلقائية وتجنب ان يتكرر الزمن في مشاعرنا،فنكون ممسرحين بالفعل،نتصانع، لنحرم ازمنتنا من الافعال الطازجة والبريئة،كي تؤرخ حاضرها ولا تقبل تمثيل ما ارخه الاموات للاحياء ولا ان يقرر التاريخ شكل المستقبل ndash;كل المستبدين لا يكتفون بتشكيل حاضرهم انما بشكلون الستقبل حسب أهوائهم-.