ربَّما تَأتي مع المَحنة المِنحة.. هكذا يَقول الصُّوفيّون، وربَّما صَحَّت الأجْسَام بالعِلل، ومَنْ مِن القَوم لا يَحفظ بيت شَاعرهم الكَبير المُتنبِّي حين يَقول:
وَمِنَ العَدَاوَةِ مَا يَنَالُكَ نَفْعُهُ
وَمِنَ الصَّدَاقَةِ مَا يَضُرُّ ويُؤْلِمُ
مِن هَذه المُسلَّمات.. يُمكن أن نَخرج بقِرَاءة مُختلفة لدَولة إسرائيل، بغض النَّظر عن مُلابسات قِيامها، وكَيفيَّة التَّعامل مَعها!!
إسرائيل مَنحت آلاف الكُسالى والخَاملين والمُتسكِّعين في أرصفة البَلادة عُذراً وتَبريراً لخُمولهم وتَقاعسهم، إسرائيل وَهَبَت عَشرات المُرتشين واللصوص حِججاً ومَداخل لاستغلال الأوطان، إسرائيل كَانت مَطيَّة لدُعَاة الرَّذائِل، وطُلاّب العُروش، وقَادة الجيوش، وأصحَاب المَصالح الشَّخصيّة لاختطاف ثَمراتهم، وقَطف مَنافعهم، وكَم مِن قَائد أو رَئيس كَان هَمه تَحرير فلسطين من (بَراثن العَدو الإسرائيلي)، وعندما وَصل إلى كُرسي السُّلطة صَار أدهى من quot;ذلك العدوquot; وأنكى!!
لقد انتهضت الحَياة العَربيَّة ولم تَبرك، عندما قَال مُفكّرنا الكَبير أدونيس: (لا أرى في إسرائيل وَجه العَدو)، وأنت عندما تتفحَّص هذا القَول تَجده يَميل إلى الوَاقعيَّة والمَعقوليَّة، لأنَّ إسرائيل لم تَتسبَّب في حَوادث السّير، وهي أيضاً لم تُشعل الدُّنيا أذيَّة وفَقراً وجَهلاً، فمِن المُستحيل أن تَتحمل إسرائيل نسبة الأُمَّية المُرتفعة التي تَصل إلى حد 60%!!
ومِن فَاحش القَول أن نُحمِّل إسرائيل عُزوف المُجتمع عن القِراءة، حين يَكون العَربي لا يَقرأ في السَّنة كُلها أكثر من سبع دَقائق، إنَّنا أمَّة أُشرِبَت في قُلوبها تَبرير الهَزيمة بسبب عَامل خَارجي، وتَعليق إعاقتنا الفِكريَّة على ظُهور قَوم آخرين!!
نُصدِّر عَاهاتنا على أنَّها جنايات الآخرين عَلينا، ونَحن لَسنا أكثر من طِفل بَريء لا يُحسن إلا تَوزيع الحَلوى، والضَّحك والابتسامة في وُجوه القَادمين من الجِهات الأربع!!
لَو عَثرت بَغلة فِي العِراق، لقَال النَّاس الأعَاريب، إنَّ السَّبب هو الهيمنة الإسرائيليَّة التي سَدَّت الطُّرق، لِذَا تَعثَّر سير البَغلة quot;الأليفةquot;!!
يَقول أحد البَاحثين: (ليَسأل أحدنا مثل هذه الأسئلة: مَن الآخر بالنسبَة إلى الكَثيرين مِن الأفْغَان ndash; الأمرِيكَان.. أمْ طَالبان؟!، ومَن الآخر بالنسبة إلى الكُردي المُسلم ndash; إسرائيل.. أمْ الدّولة الإسلاميَّة التي تَقاسمت كُردستان؟!، ومَن الآخر بالنسبة إلى المَرْأة الكويتية - المرأة الغربيّة.. أمْ الرَّجُل الكويتي الذي يقول لا حَق للمَرأة لكي تُطالب به؟!، ومَن الآخر بالنسبة إلى الكَثير من العَرب ndash; الغَربيّون الذين نَتشبَّه بهم من حيث أنظمتهم الدِّيمقراطيَّة.. أمْ الدُّعاة والسَّاسة الذين يَصنعون الكَوارث بمشاريعهم وقراراتهم المُستحيلة والمُدمّرة؟!، ومَن الأخطر على الهويَّة والمَصير - برلسكوني الذي تَراجع واعتذر عن كَلامه، حَول تَفوُّق الحَضارة الغَربيَّة عَلى الحَضارة الإسلاميَّة.. أمْ الحَاكم العَربي الذي يُرْهِب شَعباً بكامله، ولا يَجرؤ فَردٌ من أفراده على مُساءلته أو مُطالبته؟!!
بَعد كُل هَذه الأسئلة.. ألا يَجدر بالعُقلاء أن يُوجِّهوا خِطَاب شُكر لإسرائيل، لأنَّها أسدت لَنا مَعرفة بَعض الحَقيقة، وأوجدت لتَقصيرنا كُل العُذر والتَّبرير؟!!