بقلم د. عبدالعزيز بن حسين الصويغ

كتبت في الأيام القليلة الماضية عدد من المقالات في زاويتي اليومية في صحيفة quot;المدينة السعوديةquot; عن بعض القضايا النسائية في المملكة العربية السعودية بدأتها بمقال عن laquo;حملة تأنيث محلات ملابس النساءraquo; التي تقودها السيدة ريم أسعد المحاضرة في كلية دار الحكمة بجدة لجمع تواقيع السيدات لمقاطعة المحلات التي لا تلتزم بتطبيق قرار مجلس الوزراء رقم (120) القاضي بتأنيث محلات بيع المستلزمات النسائية، وتوعيتهنّ بأهداف الحملة، ومنها laquo;إقناع المرأة بأنها صاحبة القرار في الشراء وعدمه من محلات لا تراعي خصوصية المرأةraquo;. وأعقبتها بمقال عن حملة أخرى تقودها سيدات الأعمال في جدة لإلغاء laquo;الوكيلraquo; وتفعيل القرار الذي صدر من مجلس الوزراء منذ عام 2004، والقاضي بإلغاء الوكيل الشرعي للسيدات. ثم تناولت حملة السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة تحت شعار laquo;السيارات تريد نساء سعوديات أن تقودهاraquo;.

وقد أثارت هذه المقالات مداخلات وتعليقات أغلبها من قارئات أثني معظمهن على تناول قضاياهن بالبحث والنقاش. وكان أظرف التعليقات ذلك الذي تلقيته من السيدة (أم عبدالله) التي علقت بقولها: laquo; يا حبك لعلوم الحريم يا دكتور دافع عن الشباب أفضل حتى يحصلوا العملraquo;؟!
أما أهم تلك المداخلات فقد جاءت في حديث هاتفي من صديق ومسؤول سابق كنت ومازلت أكن له القدر الكبير من التقدير والاحترام والود المتبادل، ارتكز تعليقه بالذات علي الجزئية التي قلت فيهاlaquo; أنا مع حق المرأة في نيل كافة حقوقها الأساسية كمواطنة لها ما للرجل من حقوق وعليها ما عليه من واجباتraquo;. فقد رأي الصديق الكبير أن ما أقول به فيه تناقض مع توجيهات الشرع الحنيف، ومع ما جاء في القرآن الكريم الذي يعتبر دستور المسلمين علي مر العصور.
ودعني أوضح بداية بأنني أتحدث عن حق المرأة كمواطنة في إطار حقوق وواجبات للمواطن في الدولة التي يعيش فيها، ودورها في المجتمع ومكانتها في الحياة العامة، وهي الحقوق الشرعية التي تكفلها الدساتير والأنظمة للمواطنين في الدول التي يعيشون فيها، وهي حقوق لا أعتقد أنها تختلف في كون المواطن ذكراً أو أنثي. وليس كزوجة في بيت تحكمه حقوق ومسؤوليات تفرضها الأحكام الشرعية تجاه زوجها وأسرتها.
ورغم أنني لست عالماً دينياً ولا أدعي ذلك، لكنني أعتمد في رأيي علي آراء علماء أري فيها توافقا مع الرؤية العصرية لاحتياجات المجتمع الإسلامي، وأستبعد تلك التي تعيق حركة المجتمع وتوقف مسيرته للحاق بعجلة النمو والتقدم. وأعتقد أن الإسلام مؤهل للتعامل مع كافة قضايا المجتمع وفق رؤية تستوعب المتغيرات التي هي أصل الكون وسنة الله في خلقه.
يقول الشيخ على أبو الحسن، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً: laquo;النبي صلي الله عليه وسلم قال: laquo;البر ما أطمأنت إليه النفس وأطمئن إليه القلب، والإثم ما حكاك في صدرك وكرهت أن يتطلع عليه الناسraquo;، كما أن laquo;الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهاتraquo;، وهذه المشتبهات هي التي يختلف حولها العلماء. فديننا أولاً وأخيراً دين يسر وليس دين عسر، وعوّل كثيراً على فطرة الإنسان في اختيار المناسب، فإذا تُهنا في الأرقام والروايات المختلفة فهناك القلب نعمله في تفكيرنا، وقفاً لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يقول: quot;استفتِ قلبك ولو أفتوكraquo;.
والإسلام دين وضع الأسس لإقامة الأسرة والمجتمع على الحقوق والواجبات. والمشاركة في شؤون الوطن ضمن الموازين القانونية والشرعية والمساهمة البناءة في المجتمع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس حكرا على الرجل فحسب بل هو حق وواجب شرعي كذلك على المرأة والذي نص عليه القرآن الكريم في سورة التوبة [[والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر]] كذلك الحديث الشريف الذي يقول [[النساء شقائق الرجال]]. صباح الشرقي، موقع ديوان العرب ٢٠ أبريل ٢٠٠٧
لقد أقر الإسلام المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة بسبب إنسانيتهما المشتركة كما أن عليهما نفس الواجبات كونهما مكلفين بالاستخلاف وحمل الأمانة, وهو ما أثبته بعض الفقهاء السابقين فكراً وزمناً ndash; ومنهم ابن حزم وابن رشد وابن القيم ndash; إذ بيّنوا أن حقوق المرأة هي نفسها حقوق الرجل إلا ما استثني بنص واضح صريح.
وما يشدد عليه البعض حول مسألة القوامة التي يرجعونها للرجل وذلك في قوله تعالي: [[ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم ]] النساء: 32-34، إنما تتعلق في رأينا في قوامة الرجل داخل أسرته الصغيرة التي تخوله المسؤولية فيها [[بما أنفقوا]] أي بقدرته علي تحمل واجبات الأسرة وتحمل كافة أعبائها وعلي رأسها تحمل المسؤولية المالية في الإنفاق عليها.
غير أن هذه القوامة لا تتعدي نطاق أسرته وزوجته وليس علي غيرها من النساء، أو علي زوجات غيره من الرجال؟! فليس كل الرجال قوامون علي كل النساء، لكن قوامتهم تقتصر علي laquo;ما ملكت إيمانهمraquo;. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن عدم إنفاق الرجل على الأسرة يفقده حق القوامة، ويصبح من حق المرأة أن تفسخ عقد الزواج.
ولا أنسي موقف حدث معي وزوجتي رحمها الله في إحدى العيادات الطبية في مدينة الرياض منذ سنوات بعيدة ماضية. فلما شخصنا إلي هناك أمام كاونتر المواعيد وكان يعمل فيه أحد الأشقاء السودانيين وتحدثنا معه حول موعدها الذي حدده لها الطبيب تليفونياً، فوجئت بقوله أن زوجتي كاذبة؟! فلما استهجنت منه قوله ذاك، خاصة وأن الطبيب كان صديقاً وزميلاً في الجامعة، تعجب من دفاعي عنها مقابل كلامه وقال: كيف تصدق امرأة وتكذبني؟! فقلت له: أصدقها لأني أعرفها وعاشرتها لسنوات طويلة وأعرف صدقها بينما أنا لا أعرفك!! فكانت إجابته التي أذهلتني: ألا تعرف أن الرجال قوامون علي النساء .. وأن النساء ناقصات عقل ودين؟!
هذا هو للأسف الشديد مفهوم القوامة عند بعض الرجال. وهو كما يبدو مفهوم متواتر في بعض مجتمعاتنا. فهمه البعض بهذا المنطق المعوج الذي لا يستقيم مع عقل ولا منطق. كل ما في الأمر أنه طالما أن المقارنة بين رجل وامرأة فإن الكفة لابد أن تميل لصالح الرجل لأن له القوامة؟!
وهو نفس المنطق الذي خاطبني به أحد القراء رداً علي مقال لي تحدثت فيه عن الدكتورة ثريا قابل التي عُينت آنذاك مساعدة للأمين العام للأمم المتحدة لشوؤن الإسكان وأشدت فيه بمؤهلاتها العلمية العالية وخبرتها الدولية التي أوصلتها لمثل هذا الموقع الدولي الهام رغم أنها في وطنها لا تقدير لعلمها أو مؤهلاتها. فكان رد أحد القراء هو تقريعي علي أنني فضلت امرأة علي رجل وأنتقد في نفس الوقت أمين عام الأمم المتحدة علي اختيار امرأة سعودية وتفضيلها علي الرجال السعوديون .. حتى ولو كانت عقلياتهم مثل عقليات ذلك القارئ العبقري؟!
لقد حصلت النساء في معظم الدول والمجتمعات على حقوقهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة لتطور أفكار وثقافة تلك المجتمعات، إلا أن المرأة العربية لا تزال في أعين الكثير لا تصلح إلا للولادة والإرضاع وخدمة الرجل داخل المنزل، وهو ما لا تخرج ترجمته عن أنه تعسف وتمييز واضطهاد لن يقود سوي إلي مزيد من التخلف لمجتمعاتنا الإسلامية وضغثاً علي أبالة لما نحن عليه من تخلف عن دول وعباد الله في كافة دول المعمورة.
وكلنا أمل في أن بلادنا مقبلة علي تطورات إصلاحية متسارعة تشمل كافة الميادين الحياتية وعلي رأسها حقوق المرأة. وهناك اتفاق بين المتابعين لتطورات الإصلاح في المملكة العربية السعودية علي أن تعيين السدة نورة الفايز نائبة لوزير التربية والتعليم لشؤون البنات لتصبح أول امرأة في التاريخ تدخل الحكومة السعودية، يُعزز الأمل في تحسين موقع النساء في المملكة لاسيما في الحياة العامة. فتعيين الفايز ضمن حزمة تعيينات جريئة أجراها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز جاء كخطوة نحو إعطاء النساء السعوديات بعض الحضور في دوائر صناعة القرار المقتصرة على الرجال منذ عقود. وهي خطوة في طريق الألف ميل ستمهد هذا الطريق لمزيد من الخطوات، فهو، كما أكدت السيدة نورة الفايز، يمثل بالنسبة للمرأة laquo;بداية الطريق الى مراكز اعلىraquo;، وهو laquo;مفخرة للمرأة السعودية ... ورسالة الى العالم تبين ما وصلت إليه المرأة السعوديةraquo;. ولن يطول الزمن الذي تشغل المرأة السعودية لحقيبة وزارية في ظل نهج التطوير والإصلاح الذي يعتمده الملك عبدالله في مختلف القطاعات في المملكة وعلي رأسها القطاعات النسائية.

د. عبدالعزيز بن حسين الصويغ كاتب ودبلوماسي سعودي سابق