أولا لأنه مناضل من أجل الحرية. حرية وطنه. لم يراهن على الجهاد ولا على القصر والحوريات. ثانيا لأن تحريره اليوم ضرورة سياسية لمن يريدون حقا تعزيز الرّهان على خيار السلام وقيام الدولة الفلسطينية قبل نهاية 2009. بإمكان مروان البرغوثي أن يساعد بقوة على إيقاف تفكك فتح، العمود الفقري لحركة التحرر الوطني الفلسطينية، والقائد لخيار المفاوضة ضد خيار المقاومة العقيم، الحامل لقبر مشروع الدولة الفلسطينية وربما فلسطين نفسها.
تفكك فتح المتسارع هو الرحم التي يتخلّق فيها تفكك المشهد السياسي الفلسطيني. حل، أو على الأقل، إدارة أزمة القيادة في فتح بنجاح سيكون عاملا قويا لترجيح خيار المفاوضة على خيار المقاومة.
أزمة القيادة عامة وعالمية. تعود أساسا لانتهاء عصر القادة الكاريزماتيك بانتهاء عصر الملاحم والأساطير الكبرى، عصر الفارس الوحيد. العالم أصبح أكثر تعقيدا، والمواطن العادي أصبح أقل سرعة تصديق للأساطير. العصر هو عصر التقنوقراطي المغمور والناجع، عصر التحليل والتفكير والتدبير والقيادة الجماعية.
اختفاء عرفات تُرك فارغا في القيادة الفلسطينية لم وربما لن يملؤه أي خليفة. من هنا حاجة فتح والسلطة والشعب الفلسطيني لقيادة جماعية تفكر برأس جماعي. التقنوقراطي يحتاج إلى واجهة سياسية، إلى قائد ndash; واجهة يلعب رمزيا دور الأب الحامي للجموع الخائفة على يومها وغدها. كما هو حال الفلسطينيين في الوطن والشتات الذين لا يخرجون من مذبحة إلا لمذبحة أخرى أشد فظاعة.
مروان البرغوثي كمساعد لمحمود عباس اليوم وربما خليفته غدا، قد يكون الأقدر على لعب دور الزعيم ndash; الواجهة بكفاءة. ألم يستطع وهو سجين أن يوحّد المساجين، بمن فيهم مساجين حماس، وراء مشروع إنهاء العمليات الانتحارية في إسرائيل، البشعة أخلاقيا والكارثية سياسيا. لماذا لا يكون، وهو خارج السجن، قادرا أيضا على توحيد الفلسطينيين معا وراء خيار المفاوضة الذي يحاربه إيرانيو حماس بعد أن باعوا قرارهم لطهران بصحن عدس.
نضاله واعتقاله وشبابه تعطيه شرعية سياسية ورمزية لا منافس لها في الشارع الفلسطيني الذي يشعر، شأن كل شارع في الأزمات، بالحاجة إلى أب اجتماعي. يستطيع البرغوثي بهذه الصفة أن يلعب دورا أساسيا في توحيد الضفة الغربية وغزة، إذا أستطاع أن يستميل إليه قطاعا عريضا من جمهور حماس، أو في، السيناريو المتشائم، اصباغ الشرعية على استقلال الضفة الغربية وبناء دولة مستقلة فيها بفضل مشروع تنموي ينافس بنجاح مشروع حماس الطالباني. التنمية ndash; خاصة المستدامة أي التي تقرأ حسابا لحق الأجيال القادمة في موارد كافية وعالم تطيب فيه الحياة ndash; هي مفتاح نجاح أية حكومة في أي مكان من العالم في عصر اشتداد أزمة الرأسمالية الدائمة التي تهدد العالم بأكثر السيناريوهات خطرا؟ مصدر الشرعية السياسية المعاصرة، شرعية تلبية الحاجات الأساسية لغالبية السكان هو التنمية. في فلسطين سواء قبل الاستقلال أو بعده، التنمية هي القادرة على إنقاذ الشباب الفلسطيني من اليأس، من التجند في ميلشيا القسام للحصول على مرتب شهري بالدولار فيما الفلسطينيون التعساء لا يحصلون على الشيكل! هي التي تفتح للشباب نافذة أمل لكي لا يُصيخوا السمع لندّاهة الاكتئاب الجهادي ndash; المقاوم: quot;نحن نحب الموت بقدر ما يحبون هم (= اليهود الحياة)quot; (حسن نصر الله).
تحرير البرغوثي + مساعدات خليجية اقتصادية وتكنولوجية، خليجية وعالمية هامة + مشروع أمريكي جدي للسلام العربي الإسرائيلي الفلسطيني ndash; السوري المتزامن لا يكتفي منه الرئيس الأمريكي بدور الوسيط quot;النزيهquot; الذي كُلّل حتى الآن بالفشل بل يتعدّاه إلى دور الشريك المعني حقا بصنع سلام عادل ودائم. السلام العادل والدائم لن يكون محصّلة لموازين القوة بين فلسطين المحتلة وبين القوة العالمية الخامسة التي هي إسرائيل. بل لا يمكن أن يكون إلا محصّلة لميزان القوة بين إسرائيل والولايات المتحدة. هذا إذا كانت إدارة أوباما تريد فعلا رد الاعتبار لبلدها في العالم الإسلامي والعالم، بإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني التي شاركت أمريكا في صنعها واستمرارها. آن لها الآن أن تكفر عن خطاياها. حل النزاع العربي الإسرائيلي سيجعل من حسين أوباما ليس رئيسا محبوبا لأمريكا بل وأيضا رئيسا محبوبا للعالم الإسلامي والعالم الذي يتعاطف بقوة مع الفلسطينيين. فهل سيفعل؟ اللهم آمين.