السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أولا أعبر عن تضامني معك ضد التطاول الصفيق عليك وضد حملة الردح على كل ما ومن هو مصري لحساب قائد جوقة الردح، احمدي نجاد الذي جنّد لها حتى زوجته! لا أجهل أعطاب الجامعة العربية التي ليست في شخص أمينها العام ولا في مساعديه، بل هي في منطق المؤسسة ذاتها: في ميثاقها القائم على quot;الاجماعquot; الملازم للعقلية القبلية المصابة برُهاب الاختلاف. لا تزدهر ثقافة الاختلاف إلا في المجتمعات المتحضرة التي تعرف كيف تُديره حسب قواعد متعارف عليها، وفي الثأر العشائري الذي جعل بعض دولها، لغير سبب وجيه، على وشك الاقتتال مثل المغرب والجزائر اللتين بذرتا في السنة الماضية وحدها 10 مليار دولار على شراء الأسلحة والحال أن قطاعات واسعة من شعبيهما مفتقرة حتى للماء الشّروب! وكامنة أيضا في الشخصية النفسية المنافقة لبعض ملوكها ورؤسائها الذين يتعانقون وكل منهم يتمنى شنق الثاني في اول فرصة سانحة!
ردا على تطاول أبواق نجاد وخدمة لمصالح شعوب الجامعة وللسلام والاستقرار في الشرق الأوسط المهدّد بالصوْملة، اقترح عليك الاضطلاع بمهمة تاريخية حقا هي مصالحة حماس ndash; في الحقيقة عقلاء حماس ndash; مع إدارة اوباما وحكومات الاتحاد الأوروبي.
عزْل المجتمع الدولي لحماس وحصارها يناضل لصالح متطرفيها لأنه يغذي وسواس قلعة quot;مساداquot; Massada - التي اعتصم بها الجهاديون اليهود أثناء التمرّد اليهودي الأول (66-73 ميلادي). حاصرها الجيش الروماني عام 73. لكن الجهاديين فضلوا الانتحار الجماعي على الاستسلام. قلعة quot;مساداquot; اليوم هي غزّة. والجهاديون اليهود بالأمس هم فقهاء حماس اليوم. هاجس quot;المساداquot; هو في الواقع هاجس كل مُحاصَر يعاديه الجميع فيبادلهم عداء بعداء أشد. الحصار يوقظ جنون الشك وعقدة الاضطهاد الكامنة خاصة في الشخصية الدينية العنيفة التي ترى نفسها ضحية أبدية لمؤامرات quot;شياطين الإنس والجنquot; فترد على اذلالهم لها بما تسميه السايكولوجيا quot;السُعار النرجسيquot;، أي الرغبة الجامحة في الثأر مهما كانت الوسيلة ومهما كان الثمن المطلوب دفعه ولو كان الانتحار الجماعي في قلعة غزة الذي افصح عنه اسماعيل هنية بكل صفاقة، وقد كان معتدلا وغير راض عن انقلاب القسام، عندما اقسم: لن تتراجع حماس عن قرارها حتى ولو قضوا على غزة باكملها، وهو ما كاد يحصل! فمذبحة غزة المرعبة نادرة في حوليات تاريخ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي!
اخراج حماس من قائمة الإرهاب هي مهمتك اليوم بعد ما بدأ الشقاق يدبّ بين قيادة الداخل، في غزة، وقيادة الخارج، في دمشق. مثلما حدث في حرب الجزائر، عندما كانت قيادة الداخل، التي تكتوي بنار الحرب يوميا، تُسمي قائد جيش التحرير في الخارج، بومدين، quot;بطل الحدودquot; التونسية الجزائرية. وكانت قيادة الخارج كلما شكت في طاعة أحد قادة الداخل استقدمته وصفّته. حتى قال عنها الرئيس أحمد بن بله في خطاب شعبي سنة 1963 quot;لقد حولوا تونس الى مقبرة لشهداء جيش التحريرquot;. هل سيرى خالد مشعل الآن نفسه في دور quot;بطل الحدودquot; الذي يحبّذ الحرب حتى أخر غزاوي وأخر قائد ومقاتل في حماس الداخل؟ لذلك رفض المبادرة المصرية. يبدو، كما قيل، ان حماس الخارج لم تقبل بهذه المبادرة الحكيمة إلا تحت ضغط قيادة الداخل. لكن سنونو واحد لا يبشر بالربيع كما يقول أرسطو. لابد من توفير مناخ يغلّب البراغماتيين في الداخل والخارج على الجهاديين في الخارج والداخل. رفع المقاطعة على قيادة حماس ورفع الحصار على سكان غزة، رهائن حماس وإسرائيل معا، كفيل بايجاد مثل هذا المناخ.
منذ الأيام الأولى لانقلاب القسام الكارثي، دعوت الرئيس محمود عباس في رسالة مفتوحة الى محاورة معتدلي حماس الذين وضعهم الثلاثي الانقلابي، احمد الجعبري، سعيد صيام ومحمود الزهار الذي انضم اليهما في أخر لحظة كما أكد اللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات المصرية العامة. بالمثل، اغتنمت قرب انتقال رئاسة الاتحاد الأوروبي إلى فرنسا، فكاتبتُ الرئيس نيكولا ساركوزي ناصحا بمحاورة حماس: quot; (...) اليوم حماس منقسمة على نفسها ربما كان متطرفوها أقلية. لكن إلى متى؟ المقاطعة الدولية لها تحمل الحَب إلى طاحونة متطرفيها (...) هدف الحوار معها هو عزل هؤلاء. خير وسيلة لذلك هي الحوار معها على طريقة الرئيس جيمي كارتر لمطالبتها بالاعتراف العلني (لأن قادتها يعترفون في الغرف المغلقة) بالمبدأ الأساسي لكل تسوية إسرائيلية ndash; فلسطينية: دولتين إسرائيلية وفلسطينية. وهو اعتراف حاسم لأنه يلغي الأساس الذي قام عليه quot;ميثاقquot; حماس: quot;تحرير فلسطين حتى آخر ذرة تراب وإعادتها وقفا على جميع المسلمين في العالمquot;! الحوار قد يشجع معتدلي حماس على قطع الجسور مع متطرفيها. هذه الامكانية الثمينة هي في مصلحة التعايش السلمي بين جميع أمم الشرق الوسط. إذن في مصلحة فرنسا، اوروبا والعالمquot; (16- 05- 2008). رد الرئيس الفرنسي على رسالتي بتاريخ 17 /07/ 2008: quot; (...) كما تعرفون، تعتبر فرنسا بالاتفاق مع شركائها الأوروبيين والولايات المتحدة الأمريكية حماس منظمة إرهابية ويرفضون كل اتصال مع الحركة الراديكالية الفلسطينية، التي استولت على غزة منذ عام (...) لايمكن للسلام أن يتحقق تحت سلطة مجموعات ترفض وجود إسرائيل وتفرض سيطرتها بالقوة فضلا عن أن المجموعة الدولية أكدت دائما التزامها بأن تمر عملية السلام باحترام المبادئ الثلاثة التي هي التخلي عن العنف، الاعتراف بإسرائيل وتطبيق الاتفاقات الموقعة بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة اتفاق أوسلوquot;.
السيد الأمين العام، بإمكانك انطلاقا من هذه المبادئ الثلاث زائد التزام حماس بالوحدة الوطنية والتراجع على انقلابها الذي أضر بشعبيتها في غزة والعالم العربي وأخيرا جرّ عليها حرب غزة، أن تقوم بمساع حميدة بين حماس وكل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي لرفع الحصار عليها.
اللحظة التاريخية مواتية. لقد رأى عقلاؤها إلى أين قادهم وقاد شعب غزة نزَقُ فقهائها الذين زجوا بالدين في السياسة فجنوا عليهما معا؛ غالبا ما تؤدي الشدائد إلى النضج السياسي خاصة وأن حاجة قادة حماس الى الاعتراف الدولي بهم شديدة خوفا من أن تتركهم قاطرة السلام السوري ndash; الإسرائيلي والفلسطيني ndash; الإسرائيلي على الرصيف؛ تتضافر الدلائل على أن الرئيس اوباما ناضج للانفتاح على حماس إذا لبّت ما تطلبه المجموعة الدولية منها وناضج أيضا لجعل السلام العربي الإسرائيلي أولوية. بدورها قد تكون قيادات الاتحاد الأوروبي ناضجة لتقديم حوافز لحماس كفيلة بترجيح كفة براغماتييها على جهادييها الذين قد تكون قاعدتهم الاجتماعية قد تقلصت في غزة التي يرفض 80 بالمئة من سكانها اطلاق الصواريخ على إسرائيل.
هناك دور يبحث عن بطل. فكن أنت هذا البطل الذي يصالح حماس، بعد تخليها من أوهامها، بإقامة علاقة عقلانية مع المجتمع الدولي الذي قد يكون هو بدوره، قد وعى أخيرا أن تأخر السلام العربي ndash; الإسرائيلي عن موعده هو أم الشرور في الشرق الأوسط.