قادة حماس، راجعوا ما كتبته عنكم وإليكم منذ 10 سنوات. الفكرة المركزية فيه هي محاولة افهامكم ضرورة صناعة قرار واقعي لا يستهدي بالأحكام الفقهية والآيات والأحاديث بل بعلم السياسة. مثل هذا القرار كان ولا زال كفيلا باقناعكم بالتخلي عن متابعة أهداف غير واقعية كانت وظيفتها الوحيدة حتى الآن هي إهداء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، الصانع الحقيقي لقرار إسرائيل الفلسطيني، الحوض الذي تجيد السباحة فيه لتجنيد الرأي العام الإسرائيلي والعالمي وراءها: دولة اليهود تواجه خطرا وجوديا: تحرير فلسطين حتى آخر ذرة تراب، وعندما تخليتم ضمنيا عنه الى الخيار الواقعي، دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة في حرب 67، فخَّخه خالد مشعل بشرط مستحيل التحقيق quot;بالكفاح المسلحquot;! ففرَرتم من القطرة الى المزراب؛ كما حاولت افهامكم ضرورة الانتقال من الإتّكال الهاذي على التدخل الربّاني في التاريخ، إن تنصروا الله ينصركم، إلى الاعتماد الكلي، في صنع قراركم، على قراءة موازين القوى على الأرض. فهي quot;أصْدق أنباء من الكُتبquot;.
ماذا تعني الواقعية السياسية التي دعوتكم ولا زلت ادعوكم إلى تبنّيها؟ تعني: التخلي النهائي عن الكفاح المسلح والعمليات الانتحارية والانتفاضة الثالثة في فلسطين وquot;الانتفاضة العربية الشاملةquot; من أجل... تحرير فلسطين. إنها أحلام يقظة لن تستيقظوا منها إلا على كابوس؛ انها في الواقع وصفة للتفريط في ما تبقى من فلسطين إلى الابد، كما فرط أسلافكمفي نصفها سنة 48 عندما فضلوا الكفاح المسلح على قرار التقسيم الواقعي. القرار الواقعي هو القابل للتحقيق في المستقبل المنظور. أما المستقبل غير المنظور فمجاله قراءة الكف. التخلي عن الكفاح المسلح هو اليوم مطلب شعب غزة الذي يرفض 80 % منه اطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، كما صرح بذلك الاقتصادي الغزاوي، عمر شابان المنتمي لمجموعة PAL THNIK الخيرية في غزة. إذن شعبكم والواقعية السياسية يتطلبان منكم نزع صواريخكم بانفسكم عملا بالمثل العربي الواقعي quot;بيدي لا بيد عمروquot;. السلاح اليوم لم يعد quot;زينة الرجالquot; كما يقول المثل البدوي بل غدا سبب هزيمتهم. وهذا ما بَدا أن حماسقد ادركته عندما أنهت من طرف واحد جميع عملياتها العسكرية منذ انتخابها في تشريعات 2006، فلم تقم بعملية واحدة ضد إسرائيل، بل كانت تقتل أعضاء الجهاد الإسلامي كلما حاولوا اطلاق الصواريخ على إسرائيل؛لكنفي إحدى النوبات المزاجية التي لا يعرف سرها إلا قادة حماس. هذه الأخيرة أمرت، غداة نهاية الهدنة، باطلاق الصواريخ على سدروت! ونعرف بقية المأساة الدامية التي لم تَتِمَّ فصولا. المطلوب من حماس أن تكون منطقية مع قرارها الضمني بالتخلي عن العمل المسلح منذ يناير 2006، إذن فلتعلن منذ الآن تحولها الى حزب سياسي مثلما فعلت فتح غداة أوسلو ومثلما قد يفعل حزب الله غدا إذا تحلى بالواقعية.
البشائر الأولى لتقدم حماس إلى الواقعية، السياسية، لاحت منذ قبولها بمرابطة جنود اتراك على حدود غزة مع مصر لمنع تهريب السلاح الإيراني إلى غزة، عبر طريق فيلاديلفيا الذي كان اغلاقه الهدف الأول للحرب، وخاصة منذ قبولها بالمبادرة المصرية لايقاف اطلاق النار التي تتضمن أيضا عودة الحرس الرئاسي الفلسطيني الى غزة ودخول حماس مع فتح، وباقي الفصائل، في وحدة وطنية لا بديل لها الا استمرار المذابح الفلسطينية وتلاشي مشروع الدولة الفلسطينية باعادة الضفة الى الأردن وغزة الى مصر وابقاء القدس الشرقية تحت السيادة الإسرائيلية! بالأمس القريب كانت حماس ترفض كل رقابة على حدود غزة مع مصر، وكل عودة لقوات السلطة الفلسطينية اليها، وحتى مجرد الحديث عن الوحدة الوطنية مع فتح quot;الخائنquot; محمود عباس! وكان اعلامها يطلق النار على المبادرة المصرية quot;المسمومةquot; والحال انه اتضح انها خشبة الانقاذ الوحيدة التي مُدّّت اليكم والى شعب غزة لايقاف المذبحة بينما انصار استمرار مذبحة غزة، وتوسيعها الى مصر وسورية والأردن ولبنان، يساعدونكم بالصراخ العقيم. إذا ما تأكدت بشائر اهتداء حماس الى الواقعية فسيكون ذلك حدثا له قبْل وبعْد، وسيكون خيرا وبركة على شعب كابد، منذ قرن، العذاب ألوانا أساسا بسبب حزازات النفوس العشائرية التي حالت منذ عشرينات القرن الماضي دون وحدته الوطنية العسكرية والسياسية فأضاعت حقوقه الوطنية. هل تكون هذه البشائر أمارة على ميلاد حماس واقعية جديدة متحررة من أوهامها عن نفسها وعن العالم الذي تعيش فيه الذي لا تجدي معه شعارات مثل quot;الوقت يعمل لصالحناquot; فالأزمة الاقتصادية ستسقط الانظمة العربية بانتفاضة شاملة تعيد الخلافة الإسلامية لـ... تحرير فلسطين الخ. وإذا تأكد أن قيادة حماس في الداخل، بقيادة هنية، قد جنحت الى الواقعية بينما ما زالت قيادة الخارج، بقيادة مشعل، على أوهامها، فسيكون ذلك خبرا سعيدا قد يؤدي الى فرز ضروري بين الواقعيين والمتطرفين.
لتكن لكم quot;أُسوةquot; حسنة، ليس في نجاد الذي يكتب قراره تحت إملاء هلاوسه السمعية ndash; البصرية عن الامام الغائب منذ 10 قرون، بل في أردوغان الذي يصنع قراره في المؤسسات العلمية، ومنها قراره التاريخي مصالحة إسرائيل مع سورية التي فوضته للتفاوض باسمها مع الدولة اليهودية لاسترداد الجولان. قال لي دبلوماسي عربي: quot;اتفاقيات السلام السوري ndash; الإسرائيلي لاتحتاج إلا لحفل توقيعquot;. وزيادة على ذلك، فاردوغان على استعداد لتقديم 3 مليار متر مكعب من مياه نهر جان لكل من سورية والأردن وفلسطين وإسرائيل لازدهار زراعتهم وإعطاء السلام قاعدة مادية تحميه. واكثر بكثير من ذلك مشروع اردوغان، كما كشفه المؤرخ والمعلق الفرنسي Alexandre Adler، يتجاوز مصالحة إسرائيل مع جوارها العربي الى مصالحتها مع الشرق الأوسط كله: تركيا - أردوغان تعمل، بمساعدة امريكا - اوباما، على مصالحة إسرائيل مع لبنان والعراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية. فلماذا تحرم حماس نفسها من الدخول في هذه الحلقة الفاضلة؟ هل لسواد عيون أحمدي نجاد الذي يبدو أن تحالف رافسنجاني ndash; خاتمي مصمم على منعه من العودة لحكم إيران في رئاسيات حزيران - يونيو القادم؟
قادة حماس، لقد دقت ساعة الخيار: إما أن تكونوا أحمدي نجاد أو أردوغان الذي تحبونه كثيرا. فاختاروا.