صانعا القرار الدولي اليوم هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. على مَنْ يمارس السياسة أن يكون مقبولا من هاتين القوتين الدولتين فضلا عن القوى الإقليمية المقبولة منهما. كيف تستطيع حماس ndash; اعني حماس عقلاء حماس ndash; أن تكون مقبولة منهما ومدعومة من القوى الإقليمية المقبولة منهما؟ بالتحرر من وصاية إيران ndash; أحمدي نجاد ووكيله الإقليمي حسن نصر الله الذي أعلن بمناسبة مذبحة غزة أنه quot;سيعادي العربquot;! الفرصة اليوم سانحة لحماس العاقلة لتَشُبّ عن الطوق وتشق عصا الطاعة في وجه نجاد ووكيله. وإذا لم تفعل فستضيف لهزيمتها العسكرية هزيمة سياسية. لكنها ستحول هزيمتها العسكرية إلى نصر سياسي إذا كانت منطقية مع نفسها وقبلت المبادرة المصرية ككل بما فيها عودة الحرس الرئاسي لغزة والقبول بالمشروع المصري للمصالحة الوطنية الذي كانت رفضته في أخر لحظة، على الأرجح تحت ضغط نجاد، سواء بتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل الطيف السياسي الفلسطيني أو بتشكيل حكومة تقنوقراط، تحظى بدعم الجميع، تتولى إعادة اعمار غزة وتنمية فلسطين فيما تتولى منظمة التحرير التفاوض على استقلال الدولة الفلسطينية مع إسرائيل والهيئات الأمريكية أو الدولية التي قد ترصدها إدارة حسين أوباما لهذا الغرض. حماس اليوم في مفترق طرق. فإما أن تواصل التصرف بالعقلية البدوية الجهادية في العلاقة مع الآخر، الخصْم، سواء إسرائيل أو السلطة الفلسطينية، بمصطلح quot;الشرف الرفيعquot; والدم المراق على جوانبه أو بمصطلح الربح والخسارة. ليس ربح وخسارة حماس بل أيضا ربح وخسارة شعب فلسطين في الوطن والشتات. الحزب ليس غاية في حد ذاتها بل وسيلة لتحقيق مصلحة الأمة.
عادة بعد الصدمة يتصرف المصدومون بإحدى طريقتين. البعض تُسبب له الصدمة رضّة عميقة فيفقد صوابه وينغمس في جنون الثأر، في شجاعة اليأس والانتحار؛ والبعض يحقق قفزة نفسية نوعية فيتغلب على الصدمة باستيعاب الرضّة وأخذ الدروس الضرورية منها لاستئناف المسيرة نحو الهدف المرسوم: استقلال فلسطين، في حالة حماس. من المرجح أن كلا الصنفين موجودان في قيادتها وكادرها. وعلى انتصار أحدهما على الآخر سيتوقف مصير حماس، وربما أيضا مصير فلسطين. نجاح عقلاء حماس إذن نجاح الوحدة الوطنية الفلسطينية؛ إذن نجاح حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية؛ إذن إيقاف الاتجاه القوي إلى صوْملة الشرق الوسط وتنشيط الاتجاه الفاضل إلى استقراره وإزهاره، يتوقف على ما سيفعله باراك حسين أوباما. إذا قرن القول بالفعل فوضع حل النزاع العربي الإسرائيلي ككل على جدول أعمال أولوياته الدولية فسيفتح نافذة أمل للفلسطينيين المثخنين بجراح ستين عاما من التشرد والمذابح. وسيعيد الاعتبار لأمريكا فلا تعود أعلامها تحرق في المظاهرات ولا شعار quot;الموت لأمريكاquot; يتردّد صداه من المحيط إلى الخليج، ولا مصالحها تتعرض للتهديد الجدي... وهكذا يصبح منذ الآن الشرق الأوسط، والعالم، أفضل. فماذا يعني وضع النزاع العربي الإسرائيلي ككل على جدول أعمال الرئيس الأمريكي الجديد؟ يعني مساهمته المباشرة، بواسطة مبعوثه الشخصي، في استقرار إيقاف إطلاق النار الذي حققته مبادرتا مصر ومجلس الأمن؛ الشروع فورا في إعادة اعمار غزة تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس محمود عباس، كرمز للوحدة الوطنية الفلسطينية، وبمشاركة نائب من المجلس التشريعي من حماس وممثل مستقل من المجتمع المدني في غزة مثل عمر شابان... إعادة الاعمار ستكون نفحة أوكسجين لـ 80% من شباب غزة العاطلين عن العمل ولـ 80% من سكانها الذين يعيشون تحت خط الفقر. البطالة والفقر ينبوعان لليأس فيما الأمل بشير بالسلام؛ تقديم مشروع جديد للسلام العربي الإسرائيلي بمشاركة أمريكا في المساعي التركية لمصالحة سورية وإسرائيل وفي إعطاء الضمانات واللمسات الأخيرة لتوقيع اتفاقيات السلام السوري الإسرائيلي الجاهزة وتقديم مشروع سلام فلسطيني إسرائيلي مواز يكون حوصلة محسّنة لمقترحات كلينتون وتفاهمات طابا وquot;وصيةquot; اولمرت بإعادة quot;جميعquot; الأراضي المحتلة مقابل كل السلام والتطبيع وأيضا، لماذا لا؟، التوقيع على مناطق تبادل حر عربية ndash; إسرائيلية ndash; أمريكية ndash; أوروبية لإعادة اعمار وتنمية الشرق الأوسط الذي، ومنذ خمسة آلاف عام، كانت فترات الازدهار فيه تتطابق مع فترات السلام وعهود الركود الطويلة تتطابق مع الحروب الطويلة والمجاعات والأوبئة. هذا هو درس التاريخ الذي لا ينبغي لأي صانع قرار، إقليمي أو دولي، أن يجهله أو يتجاهله. تنمية الشرق الأوسط ، هي الكفيلة بتضميد جراح الفلسطينيين والعرب والأقليات الذين كابدوا جميعا البؤس والذل ألوانا. فتنسيهم جنون أخذ الثأر من اليهود وحلفائهم الغربيين الراسخ في الوعي الجمعي الإسلامي. بقدر ما توضع هذه التدابير الضرورية، التي نتمنى أن يتخذها الرئيس أوباما، موضع التطبيق بسرعة بقدر ما تكون ذات وقْع نفسي إيجابي وفعّالة ومقنعة لعقلاء حماس وخاصة للغالبية الساحقة من الفلسطينيين في الوطن والشتات. مما سيفتح دائرة فاضلة في الشرق الأوسط الذي ترتبط مشاكله الشائكة ويتداخل بعضها في بعض كلعبة العرائس الروسية. حَدَسي أن ذلك سينعكس أيضا على إيران لتغليب المحافظين المعتدلين والإصلاحيين على أحمدي نجاد وقاعدته الاجتماعية الضيقة: الحرس الثوري والسماح للمعارضة في الداخل والخارج بما فيها مجاهدي خلق بالمشاركة في الانتخابات الإيرانية في شهر يونيو ndash; حزيران القادم تحت رقابة الأمم المتحدة ومؤسسة كارتر.
نقطة الانطلاق إلى هذا المشروع السلامي تبدأ بخطوة ضرورية بل حيوية لنجاحه هي، تدخل الرئيس الأمريكي شخصيا لفتح المعابر فورا لمرور الغذاء والدواء وكل ما يحتاج إليه سكان غزة المصدومين من أبشع مذبحة عرفها تاريخهم الحديث. فتح المعابر سيعني لسكان غزة أنهم لم يعودوا رهينة صواريخ حماس وإغلاق إسرائيل للمعابر عقابا لهم هم الأبرياء الذين يُعارض 80% منهم إطلاق هذه الصواريخ الحِرفية ذات النتائج الكارثية على حاضر ومستقبل الفلسطينيين.
الكرة في ملعب حماس وأوباما لتغليب العقل على الغرائز العدوانية عند حماس والحكمة على القوة عند أمريكا.
تجد حماس نفسها، بعد حرب غزة، في أرض مجهولة فعسى أن لا تتوه فيها.


21/ 1/2009