العراقيون سبقوا الإيرانيين في الاحتجاج
لعل من المفيد إجراء مقارنة سريعة بين انتخابات المحافظات التي جرت في العراق قبل ستة أشهر، وكانت تدريبا أوليا للانتخابات العامة المقرر إنجازها في العراق نهاية هذا العام، وبين الانتخابات الإيرانية العامة التي تمت مؤخرا. دافعنا لإجراء المقارنة: نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية والائتلاف العراقي ينتميان كلاهما للإسلام السياسي، الشيعي بالطبع. وهدفنا هو أن نبين أن النظام الإسلامي في إيران مرت عليه فترة زمنية طويلة حتى ظهرت الاحتجاجات ضده بالطريقة التي رأيناها عقب الانتخابات الأخيرة، بينما لم تمر على تجربة حكم الائتلاف إلا أربع سنوات ودورة انتخابية واحدة حتى واجه رفضا ملحوظا من قبل الناخبين أنفسهم الذين صوتوا له عام 2005. النقاط التي تستحق المقارنة (تطابقا واختلافا) بين الانتخابات الإيرانية الأخيرة وبين انتخابات المحافظات العراقية هي كالتالي:
أولا/ نسبة المشاركين في الانتخابات الإيرانية كانت عالية جدا، بينما سجلت النسبة العامة للمشاركين في انتخابات المحافظات العراقية انخفاضا خطيرا، مقارنة بعدد الذين شاركوا في الانتخابات العامة عام 2005، والتي كانت وراء فوز قائمة الائتلاف الشيعي بالأغلبية، علما بأن انتخابات عام 2005 جرت في ظروف أمنية متدهورة بينما جرت انتخابات المحافظات تحت ظل ظروف أمنية أفضل. وفي حين حصل النظام الإسلامي، أو مرشحه المؤتمن أحمد نجاد، على أصوات كثيرة أعادت انتخابه لولاية ثانية، فأن أحزاب الائتلاف الشيعي شهدت تراجعا كبيرا في عدد الأصوات التي حصلت عليها، ولم يحصل أي حزب منها على الأكثرية المطلقة.
الملاحظة الثالثة هي، أن مير حسين موسوي وكروبي اللذين تم اختيارهما كبديل عن نجاد فازا بأصوات أقل من تلك التي حصل عليها نجاد، أقله وفقا للبيانات الرسمية، بينما فاز السيد يوسف الحبوبي، الذي اختاره سكان مدينة كربلاء كبديل عن أحزاب الائتلاف الشيعي، بالمرتبة الأولى. وهذا الأمر ينعطف على قائمة دولة القانون بقيادة السيد نوري المالكي، التي صوت لها الناخبون لأنهم وجدوها تختلف، في توجهاتها، مع الائتلاف بنسخته القديمة، أي عندما وصل لأول مرة للسلطة.
ثانيا/ اختار الإيرانيون من أنصار موسوي وكروبي النزول إلى الشارع للتعبير عن رفضهم، بينما اختار المحتجون العراقيون أسلوب الاحتجاج السلبي، أي البقاء في بيوتهم (شارفت نسبتهم على 50 في المائة). هذا في ما يخص المستوى العام. إما في ما يتعلق بمدينة كربلاء، فأن الذين اعترضوا على عدم حصول المرشح الحبوبي لمنصب مهم بعد فوزه، اختاروا هم أيضا، أسلوب الاحتجاج السلبي، عن طريق التظاهر. وهذا الاحتجاج السلبي العراقي، في الحالتين، أملته طبيعة الأوضاع القائمة في العراق: سوء الأوضاع الأمنية والسياسية والاحتقان الطائفي والانشغال بتحصيل لقمة العيش. ولو كانت الأوضاع الأمنية والسياسية مستتبة كما في إيران، فأنه من المرجح أن يلجأ هولاء المحتجون، هم أيضا، إلى الشارع، ولربما شهدت الشوارع العراقية عنفا أشد.
ثالثا/ الناخبون الإيرانيون الذين لم يصوتوا لنجاد وفضلوا عليه موسوي وكروبي، ينتمون، في غالبيتهم، لفئات محددة داخل المجتمع الإيراني: الطبقات الوسطى والشباب والنساء وسكان المراكز الحضرية، خصوصا العاصمة طهران، وكانت مطالبهم تركز على الحرية، أكثر من تركيزها على تحقيق العدالة الاجتماعية. ويمكن اعتبارهم، إلى حد ما (خارج outsider) النظام الإسلامي، وكانت أحد التهم التي وجهها ضدهم نجاد وخامنئي، هي (التغريب) في السلوك والتفكير، وتنفيذ أجندات غربية خارجية، وخدمة أهداف quot;المنافقينquot;.
إما في الحال العراقية، فأن الناخبين الذين خذلوا أحزاب الائتلاف الشيعي في انتخابات المحافظات (وكلهم من الشيعة، لأن انتخابات المحافظات، مثلما انتخابات 2005 تمت على أساس طائفي)، هم أنفسهم الذين أوصولوا الائتلاف إلى الحكم قبل أقل من أربع سنوات، فهم ليسوا طارئين وإنما من داخل البيت (insider). وهم لا ينتمون إلى فئة أو طبقة اجتماعية واحدة، ولا يمثلون العاصمة وحدها، وهم امتنعوا من دعم أحزاب الائتلاف في الانتخابات الأخيرة ليس بسبب دافع واحد ولتحقيق هدف واحد، وإنما لدوافع ولأسباب متعددة ومختلفة سيرد ذكرها لاحقا. بمعنى أخر، أن هولاء الناخبين هم مع العملية السياسية الجديدة التي بدأت عام 2003، ولكنهم يعترضون على أداء أحزاب الائتلاف (والحديث دائما عن الناخبين الشيعة، حصرا).

العراقيون الشيعة يتعرضون لأول مرة في تاريخهم لهذه quot;البهذلةquot;
خلال هذه التجربة الجديدة التي تصدرت قيادتها أحزاب الائتلاف مباشرة بعد سقوط النظام السابق عام 2003 وتوجت بانتخابات عام 2005، حدث ما يلي:
* احتراب شيعي/ شيعي لأول مرة في تاريخ العراقيين الشيعة، وصل أحيانا لاستخدام السلاح الأبيض، حول أمور ثانوية وليست جوهرية، ولأغراض حزبية ضيقة. وتحولت بعض المدن الشيعية المقدسة وحتى المزارات إلى ساحات قتال لتصفية حسابات دموية شيعية/ شيعية. وتم استغلال اسم المرجعية لتحقيق مكاسب سياسية انتخابية، دون احترام لموقف المرجعية الرافض للتدخل بالشأن السياسي. وحوصر المرجع السيد علي السيستاني في داره، ولم تنقذه إلا العشائر. وأصبحت للمرجعية تسميتين، ناطقة وصامتة، وتغيرت صورة (العمامة) في ذهن رجل الشارع بعد أن أدخلها السياسيون المعممون في دهاليز السياسة، وبدأت تقترن لدى الناخبين بالنفاق والمراوغة والتأمر، وعقد الصفقات المريبة، وليست رمزا للتقوى والنصح والإرشاد، كما في السابق.بل أن العراقيين بدأوا يشبهون في مجالسهم الخاصة، مع الأسف، بين (العمامة) وبين (الزيتوني)، أي الزي الموحد لرجال الدولة والبعث السابق
وهذه الأمور وأخرى كثيرة غيرها أخافت قسما من الناخبين الذين صوتوا لقائمة الائتلاف عام 2005، أي الناخبين الذين صوتوا للائتلاف بدوافع مذهبية أو، رفعا للمظلومية (كما يقول خطاب الإسلام السياسي الشيعي). فهولاء الناخبون توفرت لديهم قناعة جديدة فحواها، أن العراقيين الشيعة لم تظلمهم هذه المرة، وها هي قيادة البلاد قد أصبحت في أيديهم، جهات غير شيعية، لا العراقيون السنة، ولا أنظمة ديكتاتورية مفروضة بالقوة، ولا جهات أجنبية. فالاحتراب الدموي الذي كانوا شهودا عليه، وانتهاك المقدسات الشيعية، ومحاصرة المرجع تم بأيدي شيعية.

* فساد أداري ومالي لا نظير له، وثراء أسطوري لعدد محدود من الشيعة بسبب تهريب نفط الجنوب وعمليات الرشا والسمسرة واستغلال النفوذ بينما يعيش ملايين العراقيين الشيعة تحت خط الفقر.

* غياب سلطة الدولة وقوانينها مقابل سيطرة المليشيات وقوانينها.

* اتسام خطاب هذه الأحزاب بالانفصام الشيزفرويني: من جهة، رفض مطلق، على الصعيد السياسي، لحركة طالبان وتنظيم القاعدة وجميع القوى الإسلامية المتشددة، وفي نفس الوقت تبني لأفكارها ولممارساتها على الصعيد الثقافي والاجتماعي.
* إتباع سياسة المحاصصة الحزبية، ناهيك عن الطائفية، التي خلقت حال من الشلل في عمل الوزارات وحولت البرلمان إلى ساحة لتصفية حسابات حزبية، وأعاقته من تشريع قوانين في غاية الأهمية، وحولت أجهزة الدولة إلى مصحات أو منتجعات تضم الكثير من نهاز الفرص وعديمي الكفاءات.

* عزلة مختارة وتقوقع هذه الأحزاب على الذات المذهبية الشيعية، والإصرار على البقاء على (أطراف) و (هامش) المجتمع والوطن، بدلا من الانفتاح على الجميع، والتصدر لزعامة البلاد كلها استنادا على شرعية الانتخابات السابقة.
* التنكر للخطاب السياسي الذي كانت تردده هذه الأحزاب عندما كانت في صفوف المعارضة، والذي كان يضع ما لحق بالعراقيين من مظالم على عاتق السياسات الديكتاتورية اللاديمقراطية للحكومات العراقية السابقة، واستبداله بخطاب مذهبي ثأري يضع هذه المظالم على عاتق خلافات وأحداث تاريخية وقعت قبل قرون طويلة، وبالتالي، وكتحصيل حاصل، على عاتق العراقيين السنة، وكان ذلك بداية الانقسام الطائفي داخل المجتمع الذي أدخل الهلع لقلوب جميع العراقيين، الشيعة قبل السنة، وشجع الجماعات الإرهابية على التدخل.

* وقوف هذه الأحزاب مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ظالمة أو مظلومة، دون اعتبار كثير لحساسية عموم العراقيين، بما في ذلك، بالطبع، العراقيين الشيعة، ودون اعتبار لخصوصية الشخصية الوطنية العراقية، ودون وضع مسافة بين مصالح إيران ومصالح العراق.

* تعامل هذه الأحزاب مع العراقيين الشيعية وكأنهم فئات متباينة: الفئة الأولى (الشيعة الأقحاح) أي أعضاء وكوادر هذه الأحزاب والمؤيدين لها والمدافعين عن أطروحاتها المذهبية. وعلى أفراد هذه الفئة بالذات تم توزيع (الغنائم) من أصغر وظيفة في الدولة، وصولا إلى المناصب الرفيعة في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والسلك الدبلوماسي، ورست عليهم المقاولات، وحظوا بأنواع التكريم.
إما الفئة الثانية فهي (البدون) وهم سواد العراقيين الشيعة وفي المقدمة منهم القوى الديناميكية التي تخشى أحزاب الائتلاف من منافستها لها، أي أفراد الأنتجليسيا الذين يؤمنون بأفكار ومواقف سياسية تختلف مع مواقف الأحزاب الحاكمة، أي العراقيين الشيعة الديمقراطيين والليبراليين واليساريين والقوميين والإسلاميين المستقلين ورجال الدين الذين يختلفون مع الأحزاب الحاكمة. هولاء لا تطري الأحزاب الشيعية الحاكمة على نضالاتهم السابقة ولا تكرم شهدائهم، ولا تمنحهم أبوتها، ولا تعترف بشيعيتهم حتى لو انتمى بعضهم لعائلات شيعية معروفة ومتدينة. وعندما يقال أحيانا لبعض قادة هذه الأحزاب: إن الوزير الفلاني أو النائب العلاني هو، أيضا، شيعي، فلماذا لا تعتبرونه على (الكوتا) الشيعية، يكون الجواب: (يا أخي، هذا ليس له علاقة بشيعة أهل البيت سوى الاسم.)

* انتهاج بعض الأحزاب الشيعية، وبلجاجة غير مسبوقة، طريق تسطيح ثقافة العراقيين الشيعة والاستخفاف بعقولهم وتزييف وعيهم وإخماد شعلة المطامح الحضارية في نفوسهم، وكأن مدينة النجف ليست هي الجامعة التنويرية الأكثر عراقة في تاريخ العراق التي بادرت قبل أكثر قرن من الزمان لاحتضان حركة المشروطة الدستورية، وكأنها ليست هي التي ظهر من أزقتها ومنتدياتها ومكتباتها حسين مروة والجواهري وأحمد الصافي النجفي وعبد المحسن الكاظمي ومحمد صالح بحر العلوم وعبد الأمير الحصيري وجعفر الخليلي، وعلي الشرقي ومحمد رضا الشبيبي. ومن جهة أخرى، ترديد خطاب متحجر (Archaiuml;que) يحث العراقيين الشيعة على أن يناموا بعين واحدة وتبقى الثانية مفتوحة لرصد جيوش (بني أمية) التي تقف، في القرن الحادي والعشرين، لا داخل العراق فحسب، بل وفي كل أرجاء الكرة الأرضية، لقتل العراقيين الشيعة، حصرا، وذبحهم في معركة (صفين) معاصرة ومعركة (جمل) جديدة!!

* تعامل بعض الأحزاب السياسية الشيعية الحاكمة مع ملايين العراقيين الشيعة وكأنهم أقلية بشرية في طريقها للانقراض تتوجب حمايتهم داخل محمية طبيعية أسمها (إقليم جنوب بغداد) أو الفيدرالية الشيعية، وكأن العراقيين الشيعة ليسوا هم الذين أسسوا مختلف الأحزاب والحركات السياسية العراقية العابرة للطوائف، وليسوا هم الذين سيروا التظاهرات والاحتجاجات في شوارع المدن العراقية، منذ مطلع القرن الماضي، للمطالبة بتحقيق أهداف تخص جميع العراقيين، وليسوا هم الذين قضوا في معركة الشعيبة بوجه الاحتلال البريطاني ودفاعا عن quot;بيضة الإسلامquot; العثمانية، أو كأن العراقيين الشيعة ليسوا هم الذين دافعوا عن مختلف القضايا العادلة العربية والعالمية، وأنجز مثقفوهم كما هائلا من الأعمال الإبداعية دفاعا عنها. علما بأن بدعة الفيدرالية الشيعية لم يعرفها العراقيون الشيعة طوال تاريخهم. فنحن لا نظن أن قضية (الفيدرالية الشيعية) أو (إقليم جنوب بغداد) ورد ذكرها، مثلا، في فقه الأمام جعفر الصادق، ولا عند الشيخ المفيد ولا عند الشيخ الطوسي، ولا في كل الأدب السياسي الشيعي، ولم يرد ذكرها على لسان الحوزة العلمية خلال تاريخ الدولة العراقية الحديثة، ولم ينطق بها المرجع السيد علي السيستاني. والفيدرالية الشيعية تتعارض حتى مع أدبيات الأحزاب العراقية الشيعية السياسية الحاكمة، إذا افترضنا أن هذه الأحزاب تسعى لقيام دولة الإسلام العالمية الشاملة.

الآن، لو تفحصنا النقاط الآنفة الذكر، لوجدنا أن كل نقطة منها تمثل بحد ذاتها (هوية) يحملها العراقي الشيعي في داخله. ودفاعا عن هذه الهويات، واحتراما لها وتمسكا بها صوت الناخبون العراقيون الشيعة ضد أحزاب الائتلاف الشيعي، كل وفق أولوية هويته. ومن هنا نفسر ضخامة أعداد الناخبين العراقيين الشيعة الذين لم يصوتوا لصالح أحزاب الائتلاف، وتقلص القاعدة الاجتماعية لهذه الأحزاب.
فبعض من هولاء الناخبين لم يصوتوا لأحزاب الائتلاف في انتخابات المحافظات لأنهم وضعوا (هويتهم) الشيعية في المقام الأول التي وجدوها تنتهك خلال فترة حكم هذه الأحزاب، فعاقبوا هذه الأحزاب دفاعا عن هذه الهوية. بمعنى أخر، أن هذا الصنف من الناخبين وجدوا أن أحزاب الائتلاف لا تمثل العراقيين الشيعة، ولا تصلح للدفاع عنهم، وليس من حقها احتكار تمثيل (جميع) العراقيين الشيعة، ولهذا لم يصوتوا لها. أي منعوها عن تمثيلهم. (والواقع، لو اعتمدنا نتائج انتخابات المحافظات كمعيار، فبإمكان القول إن ممثلي أحزاب الائتلاف داخل البرلمان ما زالوا،، يحتفظون بشرعية قانونية ودستورية، ليس إلا، إما معنويا وأخلاقيا، فلا).
بعض من ناخبي أحزاب الائتلاف لم يصوتوا لها مرة أخرى، انتصارا لهويتهم القومية (العربية) التي وجدوا أن الائتلاف أهملها ولم يؤكد عليها.
بعض ثالث من هولاء الناخبين خذلوا أحزاب الائتلاف ولم يمنحوها ثقتهم لأنها لم ترفع من مستواهم المعاشي، وهذا يعني أنهم وضعوا هويتهم الطبقية في سلم إهتمامتهم.
قسم أخر لم يصوتوا بسبب انتهاك القوانين العامة خلال فترة حكم الائتلاف، واستفحل عمليات الرشا والفساد المالي والإداري، وعدم ظهور دولة المؤسسات، والفلتان الأمني، وتردي أوضاع النساء، وعودة قيم أخلاقية واجتماعية كانت قد اندثرت منذ زمن بعيد، أي أنهم لم يصوتوا لأسباب حضرية وحضارية.... الخ.
وهكذا نجد، أن أحزاب الائتلاف خسرت في انتخابات المحافظات، ليس فقط لأنها فشلت في تعزيز قاعدتها الشعبية وتوسيعها، فحسب، بل لأن هذه القاعدة تقلصت كثيرا إلى حد التآكل خلال السنوات التي تلت انتخابات عام 2005، وهي فترة قياسية. ففي الوقت الذي ظلت تصر فيه أحزاب الائتلاف على هوية واحدة عند الناخبين الذين صوتوا لها عام 2005، هي الهوية (المذهبية) واعتبارها الهوية الوحيدة، وحصرهم داخل هذه الخانة، عن طريق إطلاق تسمية (أهل البيت) عليهم، واعتبار الهويات الأخرى ثانوية، فأن هولاء الناخبين كانوا يضعون بالحسبان هويتهم المذهبية، ولكنهم لا يضعونها وحدها، وإنما يضعون نصب أعينهم هوياتهم الأخرى، ويمنحونها موقع الصدارة.
والأدلة على ذلك هي:
لو كانت الهوية المذهبية وحدها تشكل محور اهتماماتهم، لكانوا، بالتأكيد قد صوتوا من جديد، كجسد واحد لأحزاب الائتلاف، مثلما فعلوا في انتخابات 2005.
الدليل الآخر هو، أن هولاء الناخبين منحوا قائمة دولة القانون أكثرية الأصوات، مقارنة بالقوائم الأخرى، ونحن نعرف أن رئيس القائمة السيد نوري المالكي، لم يؤكد على الهوية المذهبية، أو على الأقل لم يبالغ في التأكيد عليها، وإنما دافع عن دولة القانون العراقية الشاملة.
الدليل الثالث هو فوز السيد يوسف الحبوبي في كربلاء وهو، كما يعرف الجميع، من خارج عائلة الائتلاف. وقد يعترض البعض قائلين إن السيد الحبوبي شيعي، وناخبي كربلاء الذين منحوه أصواتهم شيعة، فأين المشكلة؟ ونقول: هذا صحيح، ولكنه تحصيل حاصل. فالانتخابات هي، أصلاّ، محلية. لكن السؤال الأكثر أهمية هو: إذا كانت مدينة كربلاء بادرت لتقديم (حبوبي) كربلائي، فما المانع أن تسعى سعيها كل المدن العراقية، فتقدم كل واحدة منها (حبوبي) آخر تختاره، وصولا إلى صيغة مطابقة، لكنها ستصبح صيغة عراقية شاملة؟
والدليل الرابع هو، أن أحزاب الائتلاف التي بالغت أكثر من غيرها في إبراز الهوية المذهبية، وكانت الأكثر إصرارا على إقامة الفيدرالية الشيعية، تراجعت شعبيتها في انتخابات المحافظات أكثر من غيرها.
الآن، والانتخابات العامة على الأبواب، ماذا يتوجب على الائتلاف أن يفعله؟

يتبع