مثلما أثار الذكاء الاصطناعي زوابع الخوف من المستقبل المجهول، كما يرى الكثير من العلماء؛ ومنهم عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ، الذي يقول: "إن تطوير الذكاء الاصطناعي الكامل قد يعني نهاية الجنس البشري"؛ فإنه أحدث ثورة في مختلف جوانب حياة الإنسان، بما في ذلك: الرعاية الصحية، والتعليم، وقطاع الأعمال، وتصميم المباني. كما امتد أيضًا للإبداع والفكر؛ حيث يمكنه صنع لوحة فنية دقيقة بأسلوب بيكاسو في ثوانٍ معدودات، أو كتابة رواية بها جميع فنون أسس القصة المتعارَف عليها؛ مما يعني تحوُّلَ العالم نحو مستقبل آلي.
ومع ذلك يقول بعض العلماء: إن الذكاء الاصطناعي يساعدنا في الحصول على ما نريده بطريقة أسهل؛ لكنه يبعدنا عن عمل المعرفة، وذلك تحت شعار: (لا تفكّر؛ فنحن نفكّر عنك، ولا تكتب؛ فنحن سنكتب عنك). هي عملٌ من صنع الإنسان؛ لكنها ليست إنسانيّة، تُحاكي عقل الإنسان؛ فهو مُبتكرها؛ لكنه يخشى أن تتحوّل إلى وحشٍ كاسر يلتهم كلّ مَن حولَه، حيث يتخطّى ذكاء الآلة الذكاءَ البشري، وتعمل هي بالكامل دون أيّ تدخّلٍ بشريّ.
والذكاء الاصطناعي الذي يصفه بعض المختصين؛ بالرجل التقني الثوري، سيجلب لنا الكثير من المفاجآت السارة و(الضارة) معاً في قادم الأيام، حيث سيغير حياتنا بطرائق لا يمكننا تخيلُها حتى في الأحلام؛ سيشفينا من الأمراض المستعصية على الطب، ويسهل تعليم أولادنا بطريقة تفاعلية ذكية، ويحل مشاكلنا المعقدة بطريقة بسيطة، واتخاذ قرارات أفضل في مدة زمنية قصيرة بالتحليل المنطقي.
- "مايكروسوفت" تزود "بينغ" بالذكاء الاصطناعي في البحث عن الصور
- غوغل تطور أداة لتحديد الجينات المسببة للأمراض باستخدام الذكاء الاصطناعي
بالمقابل سيجلب لنا كوارث البطالة والحروب وصنع الأسلحة الذكية الملغمة بالدمار الشامل؛ فيها المسيّرة، والحرب السيبرانيّة، وقذيفة المدفعيّة الذكية، ومراقبة الأقمار الاصطناعيّة المستمرّة لمسرح الحروب. وفيها أيضاً الاستعلام التكتيكيّ الآنيّ؛ وكلها قد تقود العالم إلى مصير مظلم.
لذلك حضّ (جيفري هينتون)، الذي يُوصف بأنه عرّاب الذكاء الاصطناعي، الحكومات على التدخل لضمان ألا تسيطر الآلات على المجتمع؛ بل يجب أن نأخذه على محمل الجد؛ لأن القلق هو أن يكون أكثر ذكاءً منا، وأكثر تفنًناً في تقرير مصائرنا ومستقبل حياتنا، والخوف من الخطأ القاتل الذي قد يُفني البشرية في لحظات، وموت المساواة بين البشر، حيث الثروة لن تذهب إلى الأشخاص الذين يعملون؛ بل إلى الأثرياء! وكذلك الخوف من شيوع الأخبار المضللة التي يمكن تلفيقها بواسطة برامج الروبوتات على غرار “تشات جي بي تي “، لأحداث الفوضى في الحياة.
الأخطر اليوم، أنه أصبح أداة للسيطرة على العقول والدول، حيث قامت بعض الدول بتصميم برامج خاصة للسيطرة على العالم؛ حيث خصصت لها ميزانية متزايدة، كأمريكا والصين والمملكة المتحدة وإسرائيل وكندا وفرنسا والهند واليابان وألمانيا وسنغافورة على التوالي. بينما تغيب الدول العربية عن ثورة الذكاء؛ لأنها مشغولة بالانقلابات والقمع والشعوذة والغيبيات والتنابز بالألقاب والعشائر والطوائف والقوميات!
إن سمة العصر الحاضر الآن، هي الاتجاه لتعلُّم كيفية ركوب موجة الذكاء الاصطناعي، لا لسماع دروس حول مخاطره؛ فنحن اليوم في تسابق للحصول عليه، بأي طريقة كانت، مثلما حدث في الماضي للتسابق على صنع السلاح النووي، حيث هوس الدول الكبرى اليوم هو امتلاك (الروبوت القاتل) لاحتلال الأرض والعقول.
فالعالم قبل الذكاء الاصطناعي ليس هو نفس العالم بعده، إنه عالم مُرعب، يذكرنا باكتشاف السلاح النووي، حيث التغيير في المزاج البشري لإيقاظ رعب المستقبل في النفس الإنسانية، والخوف من المجهول.
فنحن نعيش مع الروبوتات الصناعية التي تحاول محاكاة الدماغ البشري؛ خاصة (الروبوتات القاتلة) التي تتمتع بالقدرة على اتخاذ قرارات تتعلق بالحياة والموت. والكارثة هو منحها الاستقلالية والتطوير الذاتي التي من شأنها أن تُنحِّي العنصر البشري جانبًا، حيث يصعب علينا فهمها أو التنبؤ بها؛ مما يجعلها خطرة بطريقة مارقة وغير قابلة للتوقع.
والحل، هو ترشيد الاعتماد على الروبوتات الذكية؛ حتى لا تصل إلى مرحلة التفرد ومنظومات الانتقاء والعاطفة الذكية، والتحكم في المستقبل البشري، وتشجيع الأشخاص الذين يطورونه على بذل الكثير من الجهد؛ لفهم أسرار السيطرة علينا، وعدم التحكم في عقولنا. والخوف كل الخوف، أن يصبح الإنسان هو الكيان الأضعف مقابل علوِّ الآلة وتفوُّقها على مُطوريها.
بالمقابل تنمية مهارات البشر للبقاء على سيطرتنا عليه، والتكيف مع المنجزات التكنولوجية، وذلك بشيوع العقلية التحليلية، وتنمية الإبداع والابتكار، وبناء ذهن منفتح، مستعد لتبنِّي التغيير، مع بناء مهارات لفن القيادة، والاهتمام بمعدل الذكاء العاطفي. فهو ليس ثورة للرفاهية فقط، إنما هو سلاح مخيف لا يستطيعه إلا الأذكياء؛ ليجعلوه ذكيًّا وفاعلًا في تقديم الحلول لمشاكلنا المعقدة والعويصة.
في عام (2030)، توقعت دراساتٌ علمية، بمنطق التفاؤل والتشاؤم؛ بأن يكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على إنتاج أفلامٍ كاملة في غضون يومٍ واحد، وسيصبح لدى الأطفال معلمًا افتراضيًّا شخصيًّا؛ يقدم لهم دروسًا مُصمَّمة حسب المجال الذي يواجهون فيه الصعوبات، وستزيد قيمة الاقتصاد العالمي بمقدار (15.7) مليار دولار؛ أي أكثر من قيمة اقتصاديْ الهند والصين مجتمعيْن؛ بسبب تطور التكنولوجيا، وستحل أزمه الطاقة بشكل لا يمكن تصوُّرُه؛ بسبب الذكاء والطاقة غير المحدوديْن، وسيصبح بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يتنبأ بالمشاكل الصحية قبل حدوثها، ورعاية كبار السن بشكلٍ استثنائي، وسيصل هذا الذكاء المُصنَّع إلى قياس الذكاء البشري. بالمقابل، يرى بعض علماء الذكاء الاصطناعي أن هذه التكنولوجيا ستؤدي إلى انقراض الجنس البشري وجميع الكائنات الحية البيولوجية على وجه الأرض بعد وقت قصير.
لا أدرى إذا ما كان السيد أبو علي الشيباني الذي يقرأ (الطالع) والمستقبل!، هو الآخر، يُشارك العلماء توقعاتِهم، فقد كان يتكهَّن بالخطأ كل عام بأن هذا العالَم سوف يفنى، أو ما إذا كانت توقعات بعض الباحثين صحيحة بأن العراق سيكون خارج تغطية الذكاء الاصطناعي؛ لأن جامعاته تغرق بالدراسات الإنسانية على حساب البحوث العلمية التطبيقية والمستقبلية، وتتساهل بالدراسات العليا وموضوعاتها، خاصة التي تزج موضوعات المقدسات بالعلم، والسياسة بالتاريخ، وتبتعد عن العلم، وقوانين البحث العلمي.
وبينما يتجه العالم بالبحث إلى اكتشاف المستقبل، وفك ألغازه وطلاسمه الكثيرة، وتزداد من حولنا براءات الاختراعات؛ فإننا ننشئ دولة الخرافة والشعوذة والمزارات المزيفة وتُرهات الحياة، فنبحث عن السر الخطير في فوائد (بول البعير)، و(لك التمن والقيمة)، و(راشي) الموصل وحلويات كربلاء، ودهين أبي علي الكربلائي؛ مثلما تقوم الدراسات العليا بنبش الماضي ورجاله وصراعاتهم، وتثوير الطائفية وتمجيدها، فتنتج لنا موضوعات متحيزة غير قابلة للعيش، لا في الحاضر ولا في المستقبل. مازلنا نعشق العودة للوراء (مثل بول البعير)!
التعليقات