"في باريس تجد كل شيء".. هذا هو سرها، هنا العنصرية، وفي مقابلها أعلى درجات التعايش والتناغم وإدانة كل ما له علاقة بالعنصرية، فقد وقفت فرنسا بكاملها مع مطربة من أصول مالية تدعى آية ناكامورا، والتي هاجمها اليمين المتطرف رافضاً مشاركتها بالغناء في أولمبياد باريس الصيف المقبل، بل استخدموا أسوأ عبارات العنصرية، وقالوا لها "مستحيل يا آية.. هذه باريس وليست سوق باماكو" في إِشارة إلى أصولها التي تعود إلى باماكو عاصمة مالي.

الجميع يدافع عن آية
الحقيقة أن ردة الفعل كانت قوية على هذه العنصرية الفجة، وفي لحظة ما تشعر أن فرنسا بكاملها تقف مع آية ناكامورا، ومثل هذه المواقف تتكرر كل يوم في باريس، فهي عنصرية، ولكنها تملك عقلية وثقافة مقاومة العنصرية في نفس الوقت، هنا المرض والدواء معاً، الأمر الذي يدفعك لأن تسأل، ولماذا هذه المعادلات المربكة المعقدة؟

الحرية بلا سقف
الحقيقة أنَّ هذه هي طبيعة المجتمع، وثقافته، فمساحات الحرية التي لا تعرف سقفاً تأخذ في طريقها بعض القيم الإنسانية، وهم دائماً يفتخرون بأن الحرية حاضرة مهما كانت كلفتها باهظة، ولا يمكنك أن تقرأ باريس والثقافة الفرنسية بصفة عامة بمعزل عن عالم الرياضة بها، فقد تفجرت العنصرية ضد ناكامورا في ساحة الرياضة، وتحديداً أولمبياد باريس.

وتفجرت قضية عدم الموافقة على منح اللاعبين المسلمين وقتاً للإفطار أثناء مباريات الدوري الفرنسي في شهر رمضان في فرنسا دون غيرها، فقد وافقت بقية الدوريات الكبرى في أوروبا على منح اللاعب المسلم بعض الدقائق لكي يكسر صيامه أثناء المباريات.

فرنسا قالت "لا"
ولكن فرنسا قالت "لا"، والسبب بكل بساطة أنَّ منح اللاعب المسلم هذا الحق لن يكون تسامحاً كما نظن، بل هو تصرف لا يخدم فكرة "الحيادية"، وهو تصرف "تمييزي"، كما يرى العقل الفرنسي، بل قالوا في تبرير ذلك إنَّ منح اللاعب المسلم هذا الحق سوف يكون به نوع من "الدعاية" لدين معين وثقافة بعينها، وهو الأمر الذي لا يخدم فكرة المساواة في فرنسا.

افهم الآخر ولا تتفق معه
سواء أكانت مبرراتهم مقنعة بالنسبة إلينا، أو لا نراها كذلك من زاوية تخص ثقافتنا نحن، فالأمر في نهاية المطاف يدفعك لمحاولة فهم الآخر، ومعرفة دوافعه، والرائع أن الرياضة هي المجال الذي يعطيك كل هذه المساحات من الفهم والتقارب، والتناغم حتى مع هؤلاء الذين لا تعرفهم.

العالم في باريس
وفي الصيف المقبل سوف يكون هناك الآلاف من الرياضيين والجماهير من مختلف ثقافات وجنسيات وديانات العالم في باريس، لكي يشاركوا في الأولمبياد الباريسي، حينها سوف تكون عاصمة النور في اختبار حقيقي لحريتها وعنصريتها وعمق ثقافتها، وقدرتها على احتضان العالم أجمع.