حالة الاستقطاب التي ضربت لبنان خلال الأسبوع الماضي، لا سيما بعد اغتيال الناشط في حزب القوات اللبنانية باسكال سليمان، كشفت ما ينتظر لبنان إذا ما تبين أن الاغتيال كان بالفعل اغتيالاً سياسياً مغلفاً بعمل جنائي يتعلق بسرقة سيارة المغدور. زعيم حزب الله استبق التحقيقات ونفى ضلوع حزبه في عملية الاغتيال، وكاد المريب أن يقول خذوني.
في كل خطاب له، يظهر حسن نصر الله وكأنه صاحب الدين والدولة في لبنان، والآمر الناهي فيه ومالك زمامه ولجامه. يختفي لبنان الرسمي كلما نطق نصر الله ويتوارى زعماؤه السياسيون الذين ينشغلون بمصالحهم الخاصة. أمَّا الجيش اللبناني فكأنه غير موجود أبداً، وتاركاً الأمر لحزب الله يقرر الحرب والسلم.
من أبرز ما يتميز به الضعفاء في حروبهم اختلاق النصر من الوهم وادعاء النصر بعد كل هزيمة. في 2006 بعد دمار أكثر من نصف لبنان ادعى حزب الله أنه حقق النصر مع أن تلك الحرب أظهرت فشل الردع الذي يدعيه.
واليوم يتحدى حزب الله الواقع ليجر لبنان إلى حرب جديدة قد تكون أحوال غزة مجرد نزهة مقابل ما سيتعرض له لبنان مثلما قال قادة الجيش الإسرائيلي. وقد أعدوا قوة كافية لتدمير حزب الله وتدمير لبنان معه والسلطات اللبنانية صامتة لا تتكلم وكأنها غير معنية أو غير موجودة. لماذا يقبل اللبنانيون على أنفسهم أن يظل جيشهم رهناً لميليشيات حزب طائفي وهم أكثر الشعوب العربية اعتداداً بوطنيتهم وبجيشهم؟ فكيف سقطوا في التجربة أمام هذه الميلشيات؟
ظل حزب الله منذ تأسيسه أداة بيد إيران يعمل لصالحها ويخدم أهدافها مقابل الدعم اللامحدود الذي يأمل أن يصل به إلى السيطرة على لبنان وحكمه وتحويله إلى جمهورية شيعية تابعة للمرشد الإيراني يحكمها الولي الفقيه.
لا يعلن حزب الله بصراحة نواياه تجاه مستقبل لبنان، لكن كل تصرفاته وكل ما يقوم به وكل بياناته تتضمن وبصورة خفية أحياناً وأخرى علنية أن عينه على الرئاسة الأولى في لبنان. وإلا ماذا يعني تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وتعطيل تعيين المدراء والمسؤولين الكبار في المناصب التي حددها الدستور للموارنة؟
نشر الحزب في العام 1985 ما يسمى وثيقة التأسيس، وفيها يدعو بكل وضوح إلى تأسيس دولة إسلامية في لبنان. وقد قال نصر الله عندما استلم قيادة الحزب عام 1992: "مشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره، هو مشروع دولة إسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان جزءاً من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق، الولي الفقيه".
بات كثير من اللبنانيين ينظرون إلى ميليشيات حزب الله على أنها ميليشيات طائفية تتمسح بحجة المقاومة وهي حجة يجعل منها ستاراً يخفي وراءها أهدافه الحقيقية. وفي الأحداث الجارية ينكشف دور حزب الله الذي يسعى إلى توريط لبنان في حرب غير متكافئة مع إسرائيل. هنا تكون فرصة حزب الله للانكفاء إلى الداخل وبسط سيطرته على البلاد بحكم أن ميليشياته هي الوحيدة التي تملك السلاح الكافي لتحقيق هذه المهمة.
إذا ما أصبح لبنان بعد الحرب دولة دينية يحكمها الولي الفقيه، سيكتمل الهلال الشيعي الذي بدأته إيران منذ عام 2003 وأحكمت سيطرتها على العواصم التي تمثل دول هذا الهلال. كما سيصبح لإيران موطىء قدم على البحر المتوسط وتتلاعب بالقيادات السياسية في هذه الدول لكي تدور في فلكها مستعيدة أمجاد إمبراطورية الفرس المندثرة.
استخدم حزب الله الدعم الإيراني المالي وترسانته العسكرية الكبيرة للتغلغل في الدولة اللبنانية وإقامة هيمنة شيعية. من خلال هذا الدعم تمكنت إيران أن تعيد تشكيل المجتمع الشيعي في لبنان وتعزيز نفوذها فيه وبات واضحاً ما عمله الحزب في ربط لبنان بأجندة إيران مع أن الهدف المعلن للحزب هو مقاومة إسرائيل.
من خلال تعطيل القرارات الرئيسية المهمة عمل الحزب على إضعاف المؤسسات اللبنانية الرسمية وزرع أعوانه وعملائه في مختلف الدوائر الحكومية. وبهذا يقوم الحزب بالسيطرة على لبنان بالتدريج من دون أن يعلن نواياه الحقيقية. وما يغضب اللبنانيون هو صمت الدولة اللبنانية ومواقف السياسيين والنخبة الذين يرون أن الحقيقة مغيبة وسلطة الدولة مرهونة لجهة حزبية واحدة. وهذه الجهة هي حزب الله الذي يصادر القرار الاستراتيجي للدولة اللبنانية وفق ما يقوله زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع.
من هنا يتضح أنَّ موقف حزب الله في ما يخص انتخاب رئيس الجمهورية المعطل منذ شهور طويلة يتلخص بشعار "مرشحنا أو لا أحد". وما ينطبق على انتخاب رئيس الجمهورية ينطبق على تعيينات المناصب العليا.
لماذا لا يستطيع الجيش اللبناني النظامي أن ينتشر على الحدود مع إسرائيل؟ أم هل انتشاره يخدم إسرائيل، مثلما قال الرئيس الأسبق أميل لحود في مقابلة تلفزيونية؟ لماذا يدفع الشعب اللبناني ثمن مغامرات حزب طائفي مرهون للخارج؟ ما يريده اللبنانيون هو أن تتولى الدولة مسؤولياتها وتنهض بها حتى لا تصل إلى حالة الاضمحلال التام.
الذين وزعوا الحلوى احتفاءً بفتح جبهة الحرب عام 2006 عادوا واستصرخوا العرب لوقف الحرب وبكى على بلاده رئيس الوزراء فؤاد السنيورة في حينه في مؤتمر عربي، فهل سيدفع حزب الله رئيس الوزراء الحالي للبكاء في مؤتمر عربي جديد؟
بكى السنيورة على لبنان وادعى حزب الله الانتصار الإلهي. وفي هذه المرة سيبكي رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وسيدّعي حزب الله الانتصار، ولكن لبنان سيكون في خبر كان.
التعليقات