منبر السياسة لا يحتاج إلى الاحتكام للسلاح.. نهج سياسي سليم تتبعه أعتى الدول في قضاء مصالحها السياسية، فهي تحتكم لألاعيب الدبلوماسية التي تفرش بساط المصالح أمامها وتحصل بها على أكثر المكاسب بعيدا عن التهديدات العسكرية أو استخدام الترسانات والأسلحة، فمن يعي السياسة جيدا يكسب ويربح ويسود.
الحديث السابق كان عن حركة “حماس” التي تتعمد خسارة أي مكاسب أو مكتسبات سياسية، فما زال الغرور الحمساوي يستفز دولة الاحتلال الإسرائيلي ويدفعها إلى ارتكاب المزيد من المذابح في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، فتحرص الحركة التي تسمي نفسها بالمقاومة على ابتزاز تل أبيب لتحقيق أهداف خاصة، بينما يُقتل الشعب ويُباد.
ما يدلل على حديثي هذا هو حصيلة الحرب على غزة، التي سجلت حتى الآن ما يقرب من 34 ألف شهيد وأكثر من 77 ألف مصاب، فضلاً عن عشرات الآلاف من المفقودين تحت الأنقاض منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حتى كتابة هذه السطور، أي في ستة أشهر ونصف الشهر.
ربما ترغب حماس في الوصول إلى أكثر صفقة مربحة في التاريخ من إسرائيل، فما زالت تحتفظ بالرهائن دون إبداء موافقات أو أي إيماءات بالمصالحة أو الهدنة على حساب بحر الدم الفلسطيني الذي يزداد عمقاً يوماً بعد الآخر.
وحماس التي يُنظر إليها على أنها حركة متطرفة، فإن عنادها يقوض صورتها الدولية، فكان بالإمكان أن تنتهج خطاباً معتدلاً وسياسة يتقبلها الغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية، كمنبر سياسي وليس الاحتكام للسلاح، لكن يبدو أن الأمر فيه البعض من ازدواجية المعايير التي تخدم الغرب، ففي الحقيقة حماس تتقن المراوغة والملف السوري خير دليل.
خلال الساعات الأخيرة اجتمع مجلس الحرب الإسرائيلي برئاسة نتنياهو لبحث ملف المحتجزين وصفقة التبادل، فيما أبدى الوسطاء الدوليون كمصر وقطر والولايات المتحدة نيتهم المستمرة في إتمام هذه الهدنة ليعم السلام على أهل فلسطين وتحديدا غزة. غير أن حماس ترفض وتتمسك بشروطها كاملة، وهي خروج جميع أسراها من سجون الاحتلال، بواقع إطلاق سراح 42 رهينة إسرائيلية، بينهم عسكريون وأطفال ومسنات مقابل 800 إلى 900 فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية كمرحلة أولى. وفي المرحلة الثانية، يطلق سراح جميع الرهائن الآخرين. وتنص المرحلة الثالثة والأخيرة على الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة ورفع الحصار الذي فرضته إسرائيل منذ عام 2007.
هذا الغرور الحمساوي مازال مستمرا في حين أن أزمة الشعب في غزة تتوسع يوميا، فيعاني من الموت بكل أشكاله ولا توجد مساعدات تكفي احتياجه إلا بعض الطرود الطائرة التي تسقطها بعض الدول على مخيمات رفح والتي أظهرت مدى المأساة الكبيرة التي يعيشها أهالي القطاع.
ربما لم ينحرف قادة الحركة عن مبدئهم الأساسي المتمثل في إعطاء الأولوية لتحقيق مصالح الحركة على حساب شعبهم الذي يموت كل لحظة، فبعد هذه الحرب المدمرة، تستمر الحركة في بناء إمارتها الخاصة، وتصريحات قيادتها هي عنوان الغرور والعنجهية والاستعلاء، والتي كان يتميز بها يحيى السنوار، الذي يراهن دائما على حدوث تطورات معينة ستلعب دوراً في تحديد مسار التصعيد، ففي آخر رسالة له، أوضح أن لا داعي للاستعجال في صفقة المحتجزين دون الاكتراث بجراح الشعب في غزة وصراخ الأطفال والنساء وانهيار الحياة في القطاع.
ربما تفكر حماس بعد أن فقدت غزة حكماً وتحكماً، هذا القطاع الذي سيطرت عليه وطردت منه "فتح" بعد انقلابها عليها، في الحصول على مكتسباتها بقوة السلاح والعناد السياسي على حساب الشعب.. فمتى تتعظ الحركة بالدماء المتناثرة والدمار السائد، ومتى تستجيب لإرادة الشعب الجريح؟
وفي النهاية يظل السؤال الرئيسي مطروحاً، إلى أين يأخذ غرور حماس سكان غزة؟!
التعليقات