هُناكَ أشخاصٌ منبوذون من الناس، كل الناس، ومبتلون بالكثير من آفات العصر الذي نعيش، ويقتصر دورهم على كيل التُهم وشتم الناس بعبارات مسمومة من أجل النيل من نجاحهم، وتراهم يشاركون الناس في ملمّاتهم، ويشعرونك على أنّك من أقربهم إليك، وفي الواقع ما هم إلّا حثالة على المجتمع، وألدّهم خصاماً وبحاجة إلى التقشير وبالسيف البتار للنيل منهم وإقصائهم كليةً، وعلى الآخرين أن يتحمّلوا بالصبر وتحاشي نظراتهم البغيضة الحاقدة، وطالما يُعنْوِنون بها حياتهم بالبلاهة والصفاقة وقلّة الحيلة، وليس لديهم ما يبرّرونه من أفعال سيئة وخبيثة ومدسوسة، ويقتصر دورهم بلعن الآخرين، والانتقاص من مكانتهم وتجربتهم وخبراتهم ومعرفتهم بالحياة التي قضوا فيها أشواطاً مُبعدة، إن لم تكن أميالاً، وأميالاً طويلة حتى تمكنوا من تصوير الحقيقة ومعرفتها، وغرَفَ الكثير من تجاربهم الخاصة.

وتظل محاولاتهم فيها الكثير من اليأس... مبتورة وساخطة، والمجتمع وحده القادر على إنصافهم والمضي بهم نحو الحقيقة التي يحاولون طمسها وإلغاءها من تاريخ حياتهم، وهذا ما يهدفون إليه!

إنَّ أمثال هؤلاء مبتلون، أصلاً، بآفة الكذب والنفاق وخداع الناس والضحك على اللحى، وليس لديهم ما يخافون عليه، أو يخسرونه في هذه الحياة!. فنباح الكلاب المسعورة تُخرسه الحقيقة الساطعة المستنيرة كالشمس التي لا يمكن حجبها بغربال مهما حاول أمثال هؤلاء تشويهها والنيل منها.

هم هكذا بلاء ابتلي به بعض الناس، ويحاولون، وللأسف، أن يرموا به كل معارفهم بكلمات بذيئة لا يمكن بأي حال تقبلها، وهم وبكل وقاحة يرمون به كل من يحاول صعود سلم النجاح أو التميّز. لا يحلو لهم نجاحهم، وأيّ خطوة متفرّدة يحاولون تجاوزها في الاتجاه الآخر ترى أمثال هذه النخبة من الناس تحاول فرملة تقدمها، لأنها لا تصب في صالحهم، الهدف من ذلك هدم ما يمكن أن يحقق رغباتهم ونجاحهم.

إقرأ أيضاً: الخطيب.. "فلتة" أخلاقية وكروية!

إنّ زيف ادعاءات، أمثال هذه النٌخب من الناس، ممن يظنون أنهم من نجباء المجتمع يظهرون علينا بين ليلة وضحاها ويقولون ما لا يفعلون، ويتغنّون بفضاءات مفتوحة، وعلب مكدّسة، وبتراتيل مغنّاة، وبرسوم مزيّفة بقصد الإساءة إلى عمر أو زيد من الناس، وتشويه سمعتهم، لأسباب هم يعرفونها، وهذا ما صرنا نقرأه، وبكثرة في هذه الأيام، وعبر صفحات فيسبوك، بصورة خاصة بعيداً عن أي ضوابط مهنية أو أخلاقية، والهدف منه الإساءة للمتميزين النابهين منهم، ووصفهم بأقذع العبارات التي لا تمس للواقع بصلة. كل هذا من أجل الإساءة لهم، والنيل من كرامتهم.. وإلصاق التهم، أيّ تهم كانت لأجل خاطر نسج ما لا يُحمد عقباه بحقهم، وهذا ما أظهره الواقع، لا سيما أن الشمس لا يمكن لها أن تُحجب بغربال! وهناك نوع من الناس تقابله كثيراً في الحياة، وعندما يرى فتاة جميلة يبتسم ابتسامةً لها مغزى، وتسأله:

لماذا تبتسم؟ فيقول لك: إنّها فتاة سيئة السلوك، وإذا رأى وجهاً ناجحاً في التلفزيون قال لك إنه لا يستحق الشهرة، لقد وصل إلى مركزه بالمصادفة والنفاق، وإذا قرأ لكاتب ناجح كان همّه الوحيد أن يُثبت لك أن هذا الكاتب فاشل لسبب من الأسباب!

فما سرّ هذا الشخص؟

إقرأ أيضاً: صلاح... وميركاتو صيفي ساخن!

إنه نوع من الناس يكره الامتياز، ويعادي التفوّق، ويخاف خوفاً عميقاً من أن يرى شخصاً يتمتّع بموهبة لامعة.. لا يحب أن يرى تمثالاً جميلاً تنظر إليه العيون بإعجاب، وتلتفتُ حوله القلوب بأعمق ما فيها من عاطفة.. ولكنه يستريح تماماً إذا تحطّم هذا التمثال ورآه مجموعة متناثرة من الحجارة!

منظر الضعيف يُريحه ويُسعده، وأوراق الخريف عنده أحلى من زهور الربيع، ومنظر الدمار يطمئنه على أن العالم بخير، ليس فيه تفوق ولا امتياز!

هذا النوع من "النفسيات" يعادي الامتياز في كل صوره، سواء كان هذا الامتياز وجهاً جميلاً، أو شخصاً محبوباً صادقاً، أو عملا ناجحاً، والدافع الأساسي الذي يُحرك هذه النفسيات هو أن أصحابها لا يملكون صفة جميلة تميّزهم عن الغير، وهم في الوقت نفسه لا يعملون ولا يجتهدون لاكتساب هذه الصفة الجميلة.

إقرأ أيضاً: سالزبورغ النمساوية... الغد الأمل

وهذا النوع من "النفسيات" لا يجد مخرجاً لأزمته إلّا في كراهية الامتياز والعمل على تشويه الممتازين وتحطيمهم.

إنّ الكثير من أمثال هذه الصور البغيضة المجبولة باليأس والقليل القليل منها فيها من التفاؤل ما يستدعي أن نتوقف عندها، ولكن؟ وفي هذه الصور التي توقفنا عندها لطالما نشاهدها في حياتنا اليومية، وعلينا أن نستفيد من تجربة عميقة وذات هدف لتجاوزها في هذا المعترك الذي لم يخلص منها أحد، ونأمل من الجميع تجاوزها لجهة عيش حياة ملؤها التفاؤل والأمل والسعادة ما دمنا أننا نتفاعل بصدق مع الناس، متأملين العيش بسعادة بعيداً عن صور الخداع والغشّ، وهذا ما نحاول أن نعيه ونتجاوزه. هكذا نحن وبانتظار بعض الأمل.