تمثل الضربات التي تنفذها أميركا وبريطانيا ضد الجماعة الحوثية المدعومة من إيران في اليمن اختباراً حقيقياً لأسس نفوذ الصين في الشرق الأوسط، رغم رفض بكين تصرفات الحوثيين المزعزعة للاستقرار، خصوصاً بعدما ارتفع مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات بنسبة 161 بالمئة منذ 15 كانون الأول (ديسمبر) 2023 بسبب اضطرار السفن للإبحار عبر رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي يرفع أسعار الصادرات الصينية المتجهة بشكل خاص إلى أوروبا، التي كانت تنافس الصادرات الأميركية. لذلك، ولأول مرة، يشهد الميزان التجاري الأميركي مع ألمانيا تفوقاً على ميزانها التجاري مع الصين. ورغم ذلك، امتنعت الصين عن دعم العمليات ضد الحوثيين أو التحالف مع الغرب في هذا الصدد، لأنَّ الصين لا تود أن تلعب دوراً أمنياً موسعاً في الشرق الأوسط، خصوصاً إذا اتسعت رقعة الصراع، خشية أن تكون ضحية باعتبار أنها أكبر شريك تجاري للعرب.

لذلك، في 10 كانون الثاني (يناير) 2024، امتنعت الصين عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2722 والذي يدين هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، ووصف مندوب الصين أن القرار لم يأخذ ملاحظات بكين وموسكو ودول أخرى في الحسبان، وينتج عن القرار شرعية ضمنية لتحالف "حارس الازدهار" الذي تقوده الولايات المتحدة، باعتبار أنَّ التوترات في البحر الأحمر تعد أحد مظاهر الآثار غير المباشرة للصراع في غزة.

تدرك أميركا، رغم توريط روسيا في مستنقع أوكرانيا أن لروسيا طموحات بالعودة إلى قواعدها السابقة في البحر الأحمر، حيث كانت سقطرى قاعدة عسكرية روسية، ولم تتركها موسكو إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 وعودة الوحدة إلى اليمن.

امتنعت السعودية كذلك عن الانضمام إلى "حارس الازدهار"، ليمتد هذا الحياد إلى حياد روسي أيضاً، حتى لا تطمع روسيا بإقامة قاعدة عسكرية في اليمن، رغم أنَّ سقطرى تخضع للشرعية وليس للحوثيين، لكن تطمح روسيا لأي قاعدة تقام على السواحل اليمنية البالغة 2200 كلم ونحو 186 جزيرة بثروات هائلة، وهو هدف استراتيجي لطالما كان مطلباً بعدما حصلت روسيا على قاعدة عسكرية على السواحل السورية، ومهمة روسيا تتأسس على موازين القوى الحالية، وكيف انها انتظرت حتى تنضج ظروف توازن القوى بين عامي 1982 و1984، وقد أسس السوفييت قاعدة العند في اليمن عام 1980 ولا تبعد إلا 60 كلم عن عدن شمالاً.

إقرأ أيضاً: تداعيات عسكرة البحر الأحمر على الأمن والاقتصاد

لكنَّ السؤال المهم هل أصبحت روسيا جاهزة للإمساك بكل الحبال، خاصة بعد المصالحة بين السعودية وإيران برعاية بكين، والتي وجهت رسالة قوية لأميركا كدلالة على تغير موقفها من السعودية، وكلما تأخرت أمريكا في توثيق علاقتها بالسعودية، تقدمت عليها الصين وروسيا، وما تبدى لبروز معسكر شرقي بزعامة الصين وموسكو نحو عالم متعدد الأقطاب، لكن موسكو ليست مثل الصين، فهي تود أن تكون قرب المناطق الساخنة في البحر الأحمر قبل أن يخرج البحر الأحمر من يدها إلى الأبد، باعتبار أنها ترى أنه لا يمكن فصل هذا التداخل عن الصراع مع الغرب في أوكرانيا، الذي كان هو الآخر قنبلة في وجه استعادة أميركا علاقاتها القوية مع السعودية، خصوصاً بعدما فشل الرئيس الأميركي جو بايدن في معاقبة الرياض بعد تحرير السعودية "أوبك بلس" في خريف 2022 من الهيمنة الأميركية، ما جعل أميركا تراجع علاقتها مع السعودية، خصوصاً بعد الانفتاح السعودي على إقامة علاقات مع إسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية، الأمر الذي سيقرب إسرائيل من الاندماج في المنطقة.

ولروسيا علاقات تاريخية مع الدولة المتوكلية وتوقيع معاهدة تجارية عام 1928 في صنعاء والاعتراف باستقلال اليمن الشمالي، وفي عام 1967 عندما غادرت بريطانيا عدن أقامت علاقات مع الاتحاد السوفيتي، وقطعت عدن علاقتها مع واشنطن، حتى أصبحت عدن أحد حراب الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة، ولم يتحد الجنوب مع الشمال إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

إقرأ أيضاً: رسائل بايدن في ذكرى إنزال النورماندي

أرادت الجماعة الحوثية أن توقظ الدب الروسي عندما طلب مهدي المشاط من روسيا أن تدعم الحوثي في 2018، لكن روسيا لم تستجب لدعوات المشاط، فهل صواريخ أميركا توقظ الدب الروسي من سباته الشتوي ويستجيب لدعوات الحوثي، خصوصاً بعد العقوبات المتشددة التي فرضها الغرب في قمة السبع في إيطاليا على روسيا؟ لقد سبق أن عارضت روسيا في نيسان (أبريل) 2015 مسودة القرار الخليجي في مجلس الأمن الذي يتعلق باليمن، وطالبت بحظر السلاح على الجميع، حتى على الشرعية اليمينة، وفي آذار (مارس) 2021، اعترضت روسيا على قرار بوقف الحوثيين حربهم على مأرب المنتجة للغاز، وقام اللواء عيدروس الزبيدي، قائد المجلس الانتقالي، بزيارتين إلى موسكو، لكن التحالف السعودي الروسي في ملف النفط ووقوف السعودية على الحياد في حرب روسيا في أوكرانيا، جعل بوتين يمسك العصا من الوسط، فهل الاتفاق الأمني التاريخي بين السعودية وأميركا يزعزع هذه التوازنات، أم أنَّ السعودية ستحرص على التمسك بتلك التوازنات، فكما أن موقعها محايد فستكون أيضاً محايدة في ما يتصل بالتوازنات بين القوى العالمية.