قرأت في ما قرأت خبراً مفاده أنَّ أميركياً يقيم في ولاية نيو هامشير، وبعد تناوله وجبة الافطار المكوّنة من شطيرتي نقانق "هوت دوغ" مع بطاطا مقلية في مطعم "ستامبل إن بار أند غريل" المتواضع في مدينة لندنديري، تفضل بإضافة مبلغ 16 ألف دولار كبقشيش لعامل المطعم بسبب خدماته، بالإضافة إلى قيمة الوجبة الرئيسية البالغة 37 دولاراً.. وهذه السابقة ليست بالجديدة على الشعب الأميركي، فقد سبقه إليها في غير مرة قفشات مفاجئة وسارة تماثلها، وحدثت في إحدى الولايات، إذ أقدم أحدهم على دفع "بقشيش" عشرة آلاف دولار لإحدى النادلات العاملات في احدى المطاعم بعد تناوله وجبة طعام لم تتجاوز قيمتها ستة دولارات أميركية.

المعروف أنّ الزبون في الولايات المتحدة الأميركية يدفع ما يتراوح بين 15 إلى 20 بالمئة من قيمة الفاتورة كبقشيش للعامل في المطعم، وأن أغلبية الزبائن، وكما شاهدنا بالعين المجردة، لا تدفع أكثر من دولارين إلى ثلاثة دولارات، كبقشيش لعاملي المطاعم في أعلى مراتبها.. ولكن ما حدث في هذه المرة كان فيه الكثير من الغرابة، ما ترك العديد من الأسئلة حيال هذا التصرف ألذي أكثر ما أثلج قلب ذلك العامل البسيط الذي بالتأكيد كانت بالنسبة إليه، رحلة مضيئة من رحلة العمر المديد التي أمضاها هناك في بلاد العم سام، التي يقضي فيها العامل ساعات ليست بالبسيطة لتحصيل لقمة عيشه المجبولة بالجهد والأرق والصبر والالتزام..

***

سمعت أنَّ سيدة أميركية في زيارتها إلى أحد البنوك التي تودع فيه أموالها، وأثناء محاولتها سحب ما مقداره 20 دولاراً أميركياً، فوجئت أنَّ رصيد حسابها المالي قفز إلى رقم خيالي لم يكن بالحسبان، وبعد أن أعادت التدقيق في حسابها للمرة الثانية والثالثة، تبين أن رصيدها فوق ما هو متوقع، إذ وصل إلى مليار دولار أميركي بين ليلة وضحاها، فما كان من السيدة العجوز الفاضلة إلا أن بادرت على الفور بإعلام إدارة البنك بالمبلغ المودع بحسابها، وأن هناك خطأ ما حدث أثناء تحويل أحدهم مبلغاً مالياً إلى حسابها من غير أن يعلم.. وما زالت إدارة البنك تنظر في هذه المسألة التي أثارت الاستغراب!

فما بالكم أعزائي لو أنّ هذا المبلغ تم تحويله إلى أحد المودعين في بلادنا العربية، أو في غيرها من البلاد الأجنبية لمودع عربي فكيف ستكون النتيجة؟ وهل سيبلّغ صاحب الحساب إدارة البنك عن المبلغ الزائد الذي أضيف إلى حسابه بالخطأ كما حدث مع السيدة الأميركية؟

***

كنتُ استمعت في مكان عام، جمعني صدفة في أحد شوارع العاصمة النمساوية ـ فيينا إلى جانب شباب سوريين، إلى حديث جانبي بادر فيه أحدهم، وفيه كثير من التفاخر، متضمناً كلمات نابية أخجل من التفوّه بها وتلفظها؛ لأنها تعكس الصورة الحقيقية لهؤلاء الشباب الذين - وعلى ما يبدو- ينحدرون من سلالة لا علاقة لها بالإنسان!

ما تفوهوا به يخجل اللسان عن نطق مفرداته، والقلم عن تصويره، وكل همّ هؤلاء الشباب الذين غادروا سوريا، ووصلوا إلى بوابة الحلم الأوروبي هو افتعال المشاجرات، ومعاقرة الخمرة والاهتمام بالنساء وملاحقتهن والإساءة لهن، والعمل على إيذائهن وبرغبة شديدة، وهذا كل ما يفكرون به، ويرضي رغباتهم!

وبدلاً من أن ينصبّ اهتمامهم على تعلم اللغة الأجنبية في البلد الذي يعيشون فيه، ويكرسون وقتهم في طلب العلم والدراسة والتنافس الشريف، والبحث عن الأعمال التي تناسبهم لجهة سد احتياجاتهم، وتأمين جزء من مطالبهم.. وإرسال ما أمكن من مبالغ إلى أهاليهم الذين يقيمون في الداخل السوري، ويعيشون في ذل وإهانة وفقر مدقع، كل ما يهمهم هو البحث عن المشاجرات واختلاقها لأتفه الأسباب، والتباهي والتغني بها. وكذلك كثرة أحاديثهم عن مغامراتهم البطولية، وإلصاق قذاراتهم وطيشهم حيال صبايا صغار السن ما زلن يتابعن دراستهن في الصفوف الأولى!

صور مقرفة، تمنينا على هؤلاء الشباب أن يتجاوزوها ويركنوها خلف ظهورهم، لأنهم يعيشون في بلاد سبق أن قدمت لهم ما بوسعها لقاء الاستقرار الآمن لهم ولأسرهم!

فهل بهذه الأخلاق السيئة البغيضة نقابل الفعل الطيب والتعامل الحسن، فضلاً عن الدعم المالي غير المحدود، وغير ذلك، فهل جزاء الإحسان غير الإحسان.

لنصحُ من هذه التصرفات الشائنة التي تسيئ لكل سوري يعيش في البلاد الأوروبية وغيرها.

المطلوب من شبابنا احترام أنفسهم قبل كل شيء، وترك أمثال هذه الصور والمشاكسات الرثة والمخجلة التي لا يتعلق بها، ويبحث عنها ويمارسها سوى أصحاب العقول الخشبية القاصرة التي لا تفهم إلا بالإيذاء والسب والضرب، وهذا لا يليق بنا كسوريين!

***

قرأت مقالة جميلة ومعبرة، وصادقة في مضمونها لأحد الأصدقاء المبدعين، في صفحته على "فيسبوك"، لم يترك لنا مجالاً لأن نقول أو نضيف شيئاً. فقد أدرك حيثياتها، وتناول ما عجزنا عنه.

أبدع وأمتعنا بمقاله الذي يستحق التوقف عنده، الذي ضمنه الكثير من الصور اللافتة، حيث أعاد لنا ذكرياتنا مع أيام الزمن الجميل، مع ما كان ينشره الشاعر الراحل نزار قباني في مجلة المستقبل، التي كانت تصدر في باريس في ذلك الوقت، والتي كان يرأس تحريرها الأديب والصحافي اللبناني الأشهر نبيل خوري.

وكانت مقالة نزار الأسبوعية تنشر بخط يده الجميل، وتصور ما تصور من أحوال العرب وحكامهم، وتلقي الضوء على أحوالهم، ورؤية شاعرنا المثقف.

وما لفت نظري قوله: (.. لكن أكل اللحم بعيد المنال.. وهل يعقل أن يكون أطفالي على حق وقد سبقوني بذراع).

نظرة إلى واقع أليم لم يعد يَخفى على أحد. فالناس لجأت، كما يؤكد إلى تناول الزيت والزعتر، وتفضّلُ ذلك لأسباب جوهرية يعرفها معنا أهل سورية بصورة خاصة!

أصبح من الصعب على كثير من الناس تأمين ثمن أوقية من اللحم.. في الوقت الذي كنا نعرفه فيه أن استهلاك ابن الرّقة، وفي حال أراد شراء ما يطيب له من اللحم بكميات، لا يتنازل عن شراء أقلها نصف كيلو.

اليوم الحال تغير، والإمكانات المادية أيضاً، ولم يعد بإمكان المواطن شراء حاجته، وإن كانت بسيطة من هذه المادة الاستهلاكية الرئيسة التي صار من الصعب الحصول عليها إذا لم يكن جيبك مليئاً بالدولار الذي سبق العملة السورية أشواط ولا يمكن بحال اللحاق به.

أدام على صديقي الكاتب المحب الصحة والعافية.. ونناشد بدورنا حكوماتنا الرشيدة، الظالمة، التشبث بالكرسي مدى الحياة، التي لا يهمها الواقع الذي يعيشه المواطن الذي أصبح في وضع مؤلم ومحزن للغاية!

من القلب أرفع بطاقة شكر لذلك الصديق المجتهد المتخفّي الذي يُتحفنا بين يوم وآخر برؤية مثقف ينشد واقعاً نأمل أن يَتحسّن يوماً!