هي الكذبة الأكبر في التاريخ، هو الشعار الزائف الذي اخترعه الشخص الأكثر خداعاً وكذباً وربما (مثالية) في تاريخ البشرية، ألا وهو شعار "لا تخلطوا السياسة بالرياضة، ولا تجعلوا الرياضة ضحية لشياطين السياسة."

واقعياً، الرياضة مطية مثالية للسياسة، ولن نتحدث عن وقائع التاريخ منذ أن استخدمها موسوليني وهتلر وكافة الأنظمة السياسية على مدار التاريخ شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، متقدماً ومتخلفاً.

البعثة الإسرائيلية
لكن دعونا نتحدث عن اللحظة الراهنة فقط، فهناك في باريس يدفعون ثمناً باهظاً لفاتورة حماية البعثة الأولمبية الإسرائيلية، وسط تقارير تؤكد أن فرنسا سوف تقوم بتأمين الرياضيين الإسرائيليين المشاركين في الأولمبياد على مدار الساعة.

والجدل محتدم بشدة، ما بين تيارات سياسية (فرنسية) لا ترحب بالمشاركة الإسرائيلية في الأولمبياد، وبين ترحيب رسمي وابتهاج من وزراء في الحكومة الفرنسية بالمشاركة الإسرائيلية في هذا الحدث الرياضي الأكبر في العالم، والذي ينطلق الجمعة.

نحن هنا لا نتحدث بمنطق مع وضد، ولكن نتحدث من زاوية واحدة، وسؤال كبير يقول: وما ذنب الرياضة بكل بهجتها وتنافسيتها المثيرة أن تتورط في ملف سياسي دموي؟

إيران تتدخل
وفي نفس الملف، تستعرض إيران حضورها السياسي بطلب لمنع المشاركة الإسرائيلية في الأولمبياد الباريسي، واللافت أن هذا الطلب جاء عن طريق الخارجية الإيرانية، أي أنه تدخل سياسي مباشر في الرياضة من بلد يريد تحقيق مكسب سياسي ويستغل فرصة متابعة العالم للأولمبياد، ليقول إنه قوة إقليمية وعالمية، والأولمبياد فرصة ذهبية للدعاية المجانية.

عنصرية تركية
وقبلها في يورو 2024، ظهر نجوم منتخب تركيا وهم يرفعون شعارات عنصرية تمجد القومية التركية المتطرفة (شعارات الذئاب الرمادية)، وما تبعها من غضب ألماني وبيانات من وزارات الخارجية واستدعاء سفراء، وغيرها. وكل هذا يحدث على هامش بطولة كروية ترفيهية.

جبل طارق إسبانية
واليوم (الإثنين) أصدر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بياناً يدين فيه هتافات نجوم منتخب إسبانيا وعلى رأسهم ألفارو موراتا، ورودري حينما هتفوا "جبل طارق إسبانية" من أجل إغاظة الإنجليز، وهو تصرف سياسي لا معنى له سوى المكايدة في لحظات الاحتفال بالتتويج بلقب أمم أوروبا.

من الذي جعل شباباً في هذا العمر الصغير، وبهذا الإقبال على الحياة، وبتلك الاحترافية الرياضية يفكرون بطريقة سياسية؟ وما الذي يحرك الدول للوقوف عمداً فوق مسرح الرياضة لكي يتحدثوا في السياسة ويستعرضوا قضايا سياسية؟

والآن نعود للمفهوم الذي طرحناه في مستهل المقال: من الكاذب الذي قال "لا للخلط بين الرياضة والسياسة"؟ وهل قالها من منطلق مثالي؟ أم قالها وهو يعلم أنه أكبر كاذب في التاريخ؟

اجعلوها مسيسة ولكن لا تذبحوها
سوف تظل الرياضة الخادم الأمين البرئ للسياسة أبد الدهر، سوف تظل الرياضة مطية مثالية للنزعات السياسية، لأنها ببساطة هي المجال الأكثر جماهيرية وجاذبية، ومن ثم لن يتركه "شياطين السياسة" دون أقصى استغلال ممكن، ولكن المحزن في الأمر أن هذا الاستخدام السياسي للرياضة لا يحدث بصورة إيجابية إلا فيما ندر.

لا تكذبوا ولا ترفعوا شعارات زائفة، لا تقولوا لا لدخول السياسة في الرياضة، بل كونوا أكثر موضوعية وواقعية واجعلوا الرياضة تنقي وجه السياسة، اجعلوها دعاية إيجابية للشعوب، ولا تستخدموها بصورة مثيرة للجدل والفتنة والعنصرية، والتعصب والنزعات القومية.