ظاهرة الرحلات الملغاة والمسافرين المتكدسين في مطارات لبنان وإسرائيل، وتغيير مسارات الطائرات العابرة للأجواء فوق لبنان وسوريا والعراق وليبيا، كلها جاءت بسبب المخاوف المتزايدة من اندلاع حرب قد يمتد أثرها إلى ما هو أبعد من المحيط الجغرافي وما هو أبعد من معاناة المسافرين وخطوط الطيران، ليشمل اقتصاديات الدول وزيادة الأعباء الأمنية في كل تلك البلدان. مثل هذه التطورات تضغط على جميع دول الشرق الأوسط.

كيف تقيم انعكاس مثل هذه الأحداث على دول الخليج إيجابًا وسلبًا؟!

بعد طرح هذا السؤال الكبير، وإن أخذ شكلًا فرضيًا، وجدتُ العديد من الآراء المتفقة إلى حد ما وأخرى متباينة.

إذ يقول الأستاذ سلطان الزايدي: "هي مخاوف مبررة، والتوقعات السياسية تشير إلى أن أمرًا ما سيحدث في المنطقة يتعلق بالجانبين الإيراني والإسرائيلي. في إسرائيل، حجم المخاوف مرتفع على كافة الأصعدة الشعبية والسياسية والاقتصادية، بل إن الكثير منهم غادروا تل أبيب وربما دون رجعة. أما في الجانب الإيراني، فهناك حذر شديد، لكن لا أعتقد أن إيران ستترك فرصة الرد طالما أن الأمور في إسرائيل مهزوزة بهذا الشكل. وهم يعولون على حزب الله بشكل كبير، وهذا واضح من خلال التغيير في أسلوب الهجمات وشراستها مقارنة بالسابق."

أما الأثر على دول الخليج، فيقرأه الأستاذ خلف العبدلي بأنه "يأخذ أشكالًا متعددة، بعضها اقتصادي وسياسي، وأهمها أمني. الضغط على جدول الرحلات والمطارات ليس إلا تحديًا تواجهه مطارات الخليج فقط. ولكن عند اندلاع مواجهة بين إيران وميليشياتها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، فستؤثر بشكل كبير على السياحة والحركة الاقتصادية لارتباط الخطوط وتشابكها وقربها من ساحة الصراع.

لكن التوتر الحقيقي، عند المحللين السياسيين، أعتقد أنه نابع من مخاوفهم أن تفتح المواجهات المحتملة في الشرق الأوسط شهية القوى الخاملة في المنطقة، وهذا التحرك سيمنحها الفرصة لإعادة تموضعها الجغرافي والسياسي، ويمكن أن يفتح الطريق أيضًا لاستقطابات جديدة، ربما ستغير المعادلات السياسية الحالية في الشرق الأوسط. خاصة أن روسيا والصين لهما مصالح عديدة في خلط الأوراق أمام أمريكا والغرب. ورغم الهدوء العالمي الحذر، إلا أن الغاز المتسرب وسط الصدور في الشرق الأوسط وحوله حاليًا ينتظر فقط شرارة طائشة لإشعاله. أما من ينظر برعب إلى المواجهة بين إسرائيل وإيران، فأجد في ذلك مبالغة في قراءة الموقف أو توقع نتائج كبيرة وراءها. ولم أرى في الأمر إلا تداحمًا سياسيًا بين نظامين تم صياغتهما في الدوائر الغربية ويؤديان منذ نشأتهما دور القط والفأر في مسلسل لإلهاء المنطقة وحشد أكبر جمهور من المتفرجين حتى يتسنى للصوص الغربيين سرقة الخزائن أسفل صالة العرض. والضغط الحالي على إسرائيل من قبل إيران وميليشياتها العربية لا أراه إلا لكسب الوقت والموقف التفاوضي الأفضل للسماح لإيران بالحصول على القنبلة النووية."

لفت انتباهي ما تطرق إليه العميد البحري راشد القحطاني بقوله: "تنشأ الصراعات نتيجة الاختلافات العقائدية أو التوجهات والأطماع والمصالح، والمخطط واحد في الشرق الأوسط، متعدد الأوجه والمراحل ومتعدد المنفذين، والهدف واحد يتغير مع تغير الظروف والمعطيات والمتنافسين. إسرائيل تبحث عن المبررات والمسببات وإيران تفتعلها، والضحية فلسطين ولبنان والمحيط العربي كالأردن ومصر وسوريا. فارتكبت إسرائيل مجازر مروعة في غزة وعنفًا غير مبرر في الضفة، وما زالت. وتطور الصراع ليصل إلى ظهور بوادر حرب شاملة في المنطقة بما في ذلك اجتياح جنوب لبنان."

وأقول بكل ثقة إن الجميل في الأمر هو أن دول الخليج تدرك هذا الحراك المتشابك وتسعى جاهدة لتهدئته، لتخرج المنطقة من منزلق صنعته إيران وإسرائيل عبر تبادل الاتهامات والقصف وإشعال المنطقة العربية وجعلها ساحة للمواجهة. هذا الإدراك نراه في الجهود التي يبذلها قادة دول الخليج مع كل الدول الشرقية والغربية لإنجاح تهدئة المواجهات في غزة وإعادة صمام الأمان للقنبلة التي عبثت فيها الميليشيات المنتشرة في المنطقة وخاصة في غزة. والله أعلم.