معركة الحريات الإعلامية في الكويت لها تاريخ سياسي معروف له علاقة بمعركة الدستور الشرسة، وواقعة أخرى غير معروفة أو لم تحصد الشهرة فقد كانت مواجهة كلامية عن الحريات قبل ولادة مشاهير السوشيال ميديا لذلك سقطت عن الأذهان والذاكرة غير الكويتية.

واقعة القسوة على الحريات، شهدها مجلس الأمة في زمن تألقه وريادته وقبل أفول نجمه على يد أصحابه النواب والوزراء. الواقعة تتلخص برأي لمرجع سياسي كويتي يبرر فيه رفض المطالبات بمساحة أكبر للحريات الإعلامية وتعديل القوانين على نحو يخدم الهدف النبيل.

فسرت الحكومة في التسعينات وبعد تحرير الكويت المطالبة بالحريات الإعلامية وسقفه بدون سياج وقيود قانونية قاسية على المطبوعات والنشر على انها مطالبات مفرطة ومترفة ومبالغ فيها وأن الوضع القائم مناسب وأكثر منه لا تحتمله الكويت!

الرد الحكومي أو التفسير والمبرر ضد المزيد من الحريات لم يتغير سوى في المقارنة بين الكويت ولبنان، فلبنان سقفه الإعلامي عالي جداً ومترامي الابعاد ولكنه حول لبنان إلى دكاكين إعلامية على حد تعبير المصدر الكويتي.

الحرية تعني نضج في الحوار والتعبير والنقد حتى لو كان قاسياً حتى تتناسب الحريات مع نصوص دستورية ومناخ سياسي كويتي منذ الإمارة حتى الدولة ولكن الواقع شيء والممارسة والتطلعات والطموحات شيء أخر قد يكون مثيراً للجدل ولكنه الواقع المؤسف!

صحيح، الممارسة في التعبير لدى البعض خرجت عن السياج الدستوري ولكنها نتيجة حتمية لفوضى باركتها حكومات ورعتها بالسكوت حتى استمرأ البعض المتهور الاستعراض الإعلامي كما يفعل مشاهير التسويق التجاري وترف الكلام والفرق بين السياسة والحريات الدستورية مختلف تماما عن اغراءات المشاهير!

خافوا على الكويت من اللبننة الإعلامية ولم يخافوا على البلد من فساد الرأي والذمة والضمير، ففضائح الفساد في الكويت لا تحملها "بعارين"، جمال، فقد تصدرت الفضائح الصحف الأجنبية وتفاصيلها وربما تكون مسلسل على إيقاع كولومبي أو نسخة من أسكوبار!

بصمة الوظيفة أصبحت بصمات وجه ويد في الجهاز الوظيفي الكويتي ويمكن تحويلها إلى بوابات إلكترونية لضبط دخول وخروج الموظفين بغرض غير التفتيش عن المتفجرات والمحظورات والمؤثرات العقلية!

العالم حولنا مشغول في التطور والتنمية ونحن- ديوان الخدمة المدنية- مشغولون في ضبط ساعات العمل والتثبت من تواجد الموظفين على مكاتبهم وليس التجول حولها أو مع الجيران في مكاتب أخرى مع العلم أن الديوان تباهي وتشدق بالتوظيف الحكومي حتى بلغ صفر انتظار!

اللبننة الإعلامية لم تتحقق في الكويت ولكن تحققت قوانين إعلامية وإلكترونية عاتية وأعلى بسقف العقوبات القانونية من جبال لبنان وكثافة شجر الأرز!

القضية ليست حريات وفوضى وليست لبننة إعلامية أو فلتان إعلامي...القضية أساسها حكومات عجزت عن التطوير والتقدم وإيجاد الحلول لأمور بسيطة جداً لا تحتاج مقارنة أو تبرير أو مغامرة...الحكومة تملك الحلول وتملك التعقيد والتأزيم.

لبنان مأزوم سياسياً وطائفياً ولكن الكويت مشكلاتها كويتية بحتة وتعقيداتها حكومية المنشأ...هضم الديمقراطية صار صعباً في دولة ذات تاريخ دستوري مدني بسبب خمول جهاز الهضم السياسي!

لبننة الكويت إعلامياً لم تتحقق وصراع الحريات ما زال مستمراً ولبنان ليس بأحسن أحواله، والكويت في حال مختلف في صناعة نواب أمة لم يحسنوا الفعل والتشريع والقراءة والتحليل للقوانين المقيدة للحريات!

*إعلامي كويتي