قالوا قديمًا إنَّ اختلاف العلماء رحمة، للتيسير على الأمة، ولكن المشكلة التي وقع فيها كثير من الناس أنهم دخلوا في متاهة الاختلاف. تحول هذا الاختلاف الفقهي إلى شقاق ونزاع وفرقة، حيث نازع الجهال علماءهم، ونازع العامة الحكام والقادة. وخلط بعضهم الأمور، فخرجوا بأحكام كثيرة لا أصل لها في الكتاب أو السنة، فأصابهم ما أصاب من قبلهم، فعادوا إلى نزاع الجاهلية وفرقة الرأي، تقود كثيرًا منهم الأهواء.

نرى تلك الأهواء في فهم الدين بوضوح عند غلاة الفرق الإسلامية، وهو ما نراه جليًا في فقه غلاة الشيعة أو فقه غلاة الإخوان المسلمين، أو ما نراه من المتصوفة على سبيل المثال. وبين متطرف مغالٍ ومفرط متساهل، تبقى الوسطية الحل الأقرب لمنهج النبوة وتفاسير القرآن وفقه الأئمة الأربعة. المنهج الوسطي المعتدل يراعي ثوابت الدين وأصول العبادات، ويراعي حاجة الناس لإصلاح أمر دنياهم. إنه منهج يجتمع عليه عموم المسلمين، وما تجتمع الأمة على ضلال.

نختم بهذا التوجيه الرباني العظيم لنتأمل عظمة الدين وحكمة الله، ونزن بعقولنا هذه الحياة. وندرك أن من خلقنا حدد لنا طريق النجاة وهدانا السبيل، وجعل القرآن بين أيدينا لنتدبر آياته. وترك لنا علماء ربانيين يهدون الناس للخير، ويجنبونهم الفتن، ويدعون لجمع الكلمة، ويرفقون بالناس. وهو المنهج الذي تتبعه المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس، رحمه الله. ومن توفيق الله لعباده أن وهب لنا حكامًا يقيمون شرعه ويحكمون بعدله، ويقيمون دينه. وهذه نعم تستوجب الشكر لله والطاعة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59).

بهذا التوجيه الرباني العظيم تستقيم الحياة وتسعد الناس، فيتوقف أهل الباطل ولا يجد أهل الشقاق بيئة ينشرون فيها أفكارهم. فالطرح المعتدل يقوم على دليل واضح، بينما ضعف التفسير والتعليل يؤدي إلى فهم خاطئ، وتغييب مبادئ التحكيم أو ضعف النقض وسوء المناظرة يقود إلى ظهور النزاعات والشقاق، التي لا تقبل الطرف الآخر. فيتحول الخلاف إلى قضية رأي بين المناصرين من الطرفين، وتحكم العواطف ويغيب العقل والاستدلال بالنقل.

ما أجمل الوسطية وما أجمل الشكر! إنها نهج الأنبياء والصالحين، وأجمل وصف ورد في القرآن {إنه كان عبدًا شكورًا}.