وفق إحصاءات شبه رسمية، فإنَّ العام الدراسي العربي ينطلق هذا العام وفق الدول والأرقام التالية: 17 مليون طفل سوداني محروم من التعليم، و6.4 مليون طفل يمني، و2.2 مليون طفل سوري، ومثلهم نحو 630 ألف فلسطيني.
يا لهذه الأرقام المخيفة! ويا لهذه الأجيال التي فُرض عليها أن تقرأ في فصول العراء في منهج واحد وحيد: منهج الدم.
في لبنان، وطن التهجير الطوعي، ثمة عملية تجهيل مبرمجة للأجيال على الطريقة التقليدية: "ارفع الأسعار، ما حدا بيتعلم". وفي ذلك إحياء عملي لنظرية "كامل بيك عم يتعلم، لا داعي لبناء المدارس".
نهبوا أموال الناس، فتحوا أبواب التهجير أمام الشباب بعدما خطفوا أحلامهم، وها هي اليوم منظومة الحكم تشيد بعوائق المال سداً أمام أبسط حقوق الإنسان من خلال رفع قيمة الرسوم على المدرسة الرسمية.
ينتمي وزير التربية اللبناني، عباس الحلبي، إلى بيئة اجتماعية تتعايش وتتفاعل إيجاباً مع يوميات الحاجة للمواطن اللبناني. بيد أنه في السياسة، فإن قرار رفع الرسوم المدرسية الصادر في 21 آب (أغسطس) الماضي يعتبر جريمة مزدوجة.
كيف؟ رفع رسم التلميذ اللبناني إلى 50 دولاراً ـ وفقاً لسعر صرف الليرة اليوم ـ وضعف المبلغ على التلميذ غير اللبناني، والمقصود هنا السوري طبعاً. كي تُستكمل حلقة التجهيل لدى القاطنين داخل أسوار المجتمع.
وتكريساً لقاعدة دويلات "الطوائف بأعلام"، سارعت بطريركية السريان الكاثوليك إلى تحمل رسوم حملة الهوية السريانية في مدارس الليسيه ودير الشرفة. ولا أدري هنا، وفق أي منهج يمكن أن يُلقن التلميذ شعار الولاء الوطني.
تعالت بعض الأصوات مطالبة بقية الطوائف، من خلال أجهزتها المالية المختلفة، بأن تخطو وفق النهج السرياني، تخفيفاً للعبء على الأسرة. ولكن ذلك يصيب الولاء الوطني في مقتل، في قلب المدرسة التي يُفترض أن تكون حاضنة للوحدة الوطنية.
يدرك وزير التربية، أكثر من غيره، أين تستوطن خزائن المال لدعم المدرسة الرسمية. ولعل من المفيد التذكير هنا بتقرير سابق للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "إسكوا" صادر عام 2020، والذي أشار إلى أنه "لو تبرع 10 بالمئة من أثرياء لبنان بما نسبته اثنين بالمئة من أموالهم سنوياً، يمكن هزيمة الفقر!".
فلتكن قضية الرسوم المدرسية عاملاً للعودة إلى مربع العمل الوطني المشترك. فهل مسموح أن تتوحد الطاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية خلف قضية واحدة قد تكون نواة لمشروع وحدوي أكبر؟
ولتكن أيضاً نافذة للقوى السياسية والشعبية كي تعود إلى ميدان الحقيقة، وتلاقي ما يعتمر في صدور الناس من ألم تجاوز حدود التحمل، وأمل بغدٍ أفضل.
الظروف المحلية والإقليمية قد تكون مواتية. فهل تفتح المدرسة الرسمية فصول الكرامة والحرية، أم أن الأغلال لا تزال محكمة في "عنابر الذل" الجماعية؟
التعليقات