يبدو جليًا أنه كلما ضاق عداد الأيام لفتح صناديق انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، اتسعت رقعة المواجهات في المنطقة. سيد أو سيدة البيت الأبيض سيترك أو ستترك بصمته/ا في عملية التحول الكبير الموعودة في الشرق الأوسط.
لم تمضِ 24 ساعة على مدّ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يد السلام لإحياء الاتفاق النووي مع واشنطن، حتى تفاجأ العالم بالهجوم الوحشي التكنولوجي الذي استهدف قياديي وعناصر حزب الله في لبنان وسوريا، مخلفًا عشرات الضحايا ونحو 2800 جريح.
في السياسة، تندرج عملية "الثلاثاء الإلكتروني الأسود" في لبنان في سياق الاستهداف الإسرائيلي المباشر لموقف بزشكيان المتقدم. فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يشعر بقلق بالغ من تفاهمات إحياء الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، ولذلك لم يعد خافيًا دعمه المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ولن يتردد في اللجوء إلى أي وسيلة كانت من أجل وصول الأخير إلى سدة القرار الأميركي وبالتالي وأد أي محاولة لإحياء الاتفاق النووي.
يشحذ نتانياهو كل أسلحة الإجرام كي يجرّ إيران وحزب الله إلى مواجهة مفتوحة، ويضع بالتالي إدارة الرئيس جو بايدن أمام استحقاق لا مفر منه وهو دعم تل أبيب. وثمة علامات استفهام كبرى هنا حول موقف موسكو وتراجع منسوب التفاهم مع إيران بسبب رضوخ الرئاسة الإيرانية الجديدة لمطالب واشنطن بوقف الدعم العسكري الإيراني للقوات الروسية في حربها ضد أوكرانيا.
في لبنان، المشهد في أوج قتامته، قيادة حزب الله أمام مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة. فهل سيتمكن الحزب من الاستمرار في ضبط كوادره؟ وماذا عن النتائج في الداخل اللبناني والإقليم لو انجرف في حرب شاملة مع إسرائيل؟
يأتي "الثلاثاء الإلكتروني الأسود" في قمة الانشقاق الداخلي في لبنان، وهو الأمر الذي يعزز أكثر من أي وقت مضى فرضية الانزلاق نحو الفوضى ونسف الاستقرار الداخلي.
الانقسام العمودي والأفقي بين المجاميع اللبنانية، وتخندقها خلف "العمالة" من جانب و"لا بتشبهونّا ولا منشبهكم" من جانب آخر، يمكن أن يفجر أزمة داخلية لا تُحمد عقباها.
المطلوب الآن الابتعاد عن سياسة "التشفي" ومنطق "الفتوة"، لعلّ لبنان يعبر سالمًا من هذا الموج الإقليمي الهادر.
التعليقات