في الثالث من ربيع الثاني عام 1436ه الموافق للثالث والعشرين من كانون الثاني (يناير) عام 2015م، بُويع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود حفظه الله ورعاه ملكاً للبلاد خَلَفاً لأخيه الملك عبدالله – رحمه الله – ليصبح سابع ملوك المملكة العربية السعودية ووريث بيت الحكم العريق المُمتد منذ عهد الإمام محمد بن سعود الأول – رحمه الله – الذي أرسى دعائم الدولة السعودية الأولى عام 1727م.
لم أتجاوز الأربعة أعوام حينما أقام أهالي الرياض احتفالهم الكبير على استاد رعاية الشباب بالملز (استاد الأمير فيصل بن فهد حالياً) بمناسبة تولي الملك فهد بن عبدالعزيز مقاليد الحكم خَلَفاً لأخيه الملك خالد – رحمهما الله – وكانت كاميرات التلفزيون السعودي موزّعة في أرجاء المكان لكي تنقل الفقرة الرئيسة على الهواء مباشرة وهي (العرضة السعودية) رقصة الملوك والفرسان فكانت الإيقاعات الآسرة تخفق معها القلوب والحناجر تردد بصوت مرتفع: (نجد شامت لابوتركي وأخذها شيخنا) في تناغم متناسق جميل وأجواء احتفالية مبهجة ميّزتها خصوصية الزمان والمكان، وأمام تلكم الصور الاحتفالية كنتُ أتابع بفضول طفولي رجلاً يؤدي العرضة بإتقان متناه جعلني أندمج في المشهد، فلم تكن عيني تفارقه ولم أجد صعوبة في متابعته عبر الشاشة الفضية، فقد كان الوحيد الذي لم يلبس البشت أثناء أدائه للعرضة، وبدا متميزاً بالثوب الشتوي الرمادي وطريقته الخاصة في إسدال طرفي الشماغ خلف ظهره، وقتها كان معي سيف صغير فكنت أنظر للشاشة وأقوم بتقليد حركاته وهو يروض السيف تارةً على اليمين وتارةً أخرى على اليسار وسط عبارات التشجيع من أفراد عائلتي، وبعد انتهاء العرضة عرفت من سيدي الوالد رحمه الله بأن ذلك الرجل الذي كنت أتابعه وأقلد حركاته في العرضة هو مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله – أمير منطقة الرياض في ذلك الحين – ومنذ ذلك الموقف لا تكاد تمر مناسبة رسمية في التلفزيون السعودي إلا وأبحث عنه رعاه الله حتى حفظت مكان جلوسه، فقد كنت دائماً ألمح الكرسي الواقع خلف كرسي الملك فهد أو ولي عهده حينها الملك عبدالله أو نائبه الثاني الأمير سلطان – رحمهم الله – لأجده حفظه الله في ذلك المكان.
يكاد لدى كل مواطن سعودي قصة يرويها عن الملك سلمان. فعلى امتداد السنوات الطويلة التي قضاها أميراً لمنطقة الرياض، كان شغله الشاغل متابعة يوميات المواطنين والاستماع لمطالبهم ومشكلاتهم وحلّها عبر جلسته اليومية بعد صلاة الظهر في ديوان الإمارة التي يقصدها المواطنون والمقيمون على حدٍّ سواء ومن مختلف مناطق المملكة، ولو قُدّر لأحدنا معرفة عدد القضايا التي أنهاها بحكمته وحنكته وصَالَحَ فيها بين أطراف النزاع – إبّان تلكم الفترة – لأصابنا الذهول من ضخامة عددها وتنوّع مواضيعها لكن لأنه (سلمان بن عبدالعزيز) فلا مبرر عندئذٍ للدهشة أو الاستغراب.
لم يكن الملك سلمان حفظه الله ورعاه طارئاً على ميدان الكلمة الذي ارتبط به ارتباطاً وثيقاً محلياً وعربياً ودولياً، فقد كان رغم زحام المسؤوليات الرسمية يجد الوقت الكافي ليتابع ما يُنشر ويتصل سائلاً أو معلّقاً دون أن يصدر أحكاماً مُسبقة على ما دوّنه الكاتب في مقالته، وكان يتفقد المثقفين والكُتّاب إذا ما غابوا عن الساحة بسبب عارض صحي ويواسي أسرهم عندما تفقدهم، لذلك لم تأت ألقاب (الملك المثقف) و(عاشق القراءة) و(مُحب التاريخ) و(داعم المثقفين) و(صديق الإعلاميين) من فراغ، فقد أولى – أيّده الله – اهتماماً كبيراً بالثقافة ووافق على إنشاء الكثير من المشروعات الثقافية وشمل برعايته العديد من المناسبات المعنيّة بها، ودعم المثقفين واهتم بإنتاجهم ولم يبخل عليهم بالنصائح والتوجيهات المفيدة للحركة الثقافية، وترأس رعاه الله مجلس إدارة أكثر من مؤسسة ثقافية منها (دارة الملك عبدالعزيز) و(مكتبة الملك فهد الوطنية) وغيرها وجنت الحركة الثقافية في المملكة وفي الدول العربية ثمار الدعم والاهتمام الذي حظي به المثقفون والمؤسسات الثقافية من لدنه حفظه الله.
عشرة أعوام تمضي على عهده الميمون كانت مليئة بالتحديات والمنجزات رغم المحيط الإقليمي والمشهد العالمي بالغ التعقيد، إلا أننا كسعوديين نعمنا بظلال بشته الوارف أدام الله ظلّه، عشرة أعوام كانت بمثابة عشرة عقود بمقاييس النقلات النوعية التاريخية التي شهدتها المملكة، حفظ الله لنا مليكنا الغالي وأسبغ عليه لباس الصحة والعافية وأمدّه بعونه وتوفيقه وشَدَّ عضده بولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه.
التعليقات