لكل دولة قوة تمثل ركيزة أولى في صياغة استراتيجيتها في التعامل الدولي. وقد انطلقت المملكة من كونها مؤثرة في سوق الطاقة إلى امتلاكها اليوم محافظ استثمارية متعددة تشمل فرصاً صناعية وتجارية طموحة.
في عالم اليوم، بدأت صورة المملكة تتعزز كقوة مؤثرة في الأسواق العالمية، وهو ما يدفع العديد من القطاعات في دول مختلفة إلى السعي لدخول السوق السعودي. ولا يخفى على المتابع أهمية الاقتصاد في توجيه السياسات الدولية، وهذه الحقيقة تخلق بيئة تعامل واسعة ومثمرة ومؤثرة.
تقرأ المملكة الأسواق العالمية بعناية وتحلل الظروف الملائمة للدخول فيها. واليوم، مع وصول الرئيس دونالد ترامب في ظروف دولية استثنائية، تتجه الأسواق العالمية نحو الانتعاش بسبب برنامجه الانتخابي ورغبته في تغليب قوة الاقتصاد على السياسة لتحقيق المصالح المرجوة. وهنا تتضح أهمية الدخول إلى السوق الأميركي في هذا التوقيت تحديداً.
لهذا، جاءت الرسالة الأولى من المملكة إلى الإدارة الأميركية الجديدة اقتصادية بحتة، من خلال الإعلان عن حزمة استثمارات متعددة تصل إلى 600 مليار دولار. تعزز هذه الرسالة مكانة المملكة داخل أقوى اقتصاد دولي، كما تستثمر الفرص الواعدة المتاحة حالياً في قطاعات العقارات والصناعة والاستثمارات.
وقد اختارت المملكة الوقت الأمثل لهذا الإعلان، ليتماشى مع حاجة إدارة ترامب القادمة إلى برنامج واعد وطموح يهدف إلى تهدئة الساحة الدولية، وبث رسائل انتعاش للسوق الأميركي. وقد بدأ ترامب بالفعل منذ اللحظات الأولى لتوليه إدارة البيت الأبيض بإطلاق سلسلة من القرارات التي تعكس رؤيته الاقتصادية، إذ تركزت معظم تصريحاته السابقة خلال حملته الانتخابية حول القضايا الاقتصادية. وتطمح إدارة ترامب منذ وصولها إلى تعزيز القوة الأميركية داخلياً وخارجياً.
ولا يغيب عن أي متابع لاستثمارات المملكة السابقة أنَّ تخصيص 600 مليار دولار للاستثمار لا يعني إنفاقها دفعة واحدة، بل سيتم ضخها عبر برامج متعددة ومستوعبات استثمارية كبرى، وفق جدول زمني مدروس.
الفرص المتاحة في أقوى سوق عالمي كثيرة، سواء في المجال العسكري أو في صناعة الطائرات أو التقنيات المتقدمة أو مجالات الطاقة المتجددة. كما تمثل جوانب التطوير ركيزة أساسية عند رسم الاستراتيجيات السياسية والأمنية والاقتصادية، سواء كان ذلك عن طريق زيادة حصة المشتريات الحكومية والخاصة في العقود العسكرية، أو تعزيز عقود التقنيات المتقدمة والطاقة النووية، أو الدخول في الفرص الكبيرة المتاحة في قطاع النقل البحري والجوي والبري، إضافة إلى الاستثمارات في القطاعات التي يتوقع أن تحقق عوائد سريعة، والتي سيكون للقطاع الخاص السعودي الدور الأبرز في تغطيتها.
وعلى سبيل الاستشهاد على مثل هذه الخطط الطموحة، ما حددته الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية في شباط (فبراير) من العام الماضي، بواقع 70 فرصة استثمارية في سلاسل التوريد مع الولايات المتحدة، بقيمة تتراوح بين 200 إلى 240 مليار ريال؛ حيث يُعَد ذلك خطوة استراتيجية لربط الصناعات العسكرية المحلية بالصناعات الأميركية المتقدمة. وبالتالي قد نرى شراكات طويلة الأجل مع شركات كبرى مثل Lockheed Martin وRaytheon.
وعلى سبيل المثال أيضاً، أجرت شركة أرامكو ديجيتال، الذراع الرقمية لشركة أرامكو السعودية، مُحادثات في غضون الأشهر الثلاثة الماضية لاستثمار مليار دولار في شركة "مافِنير" الأميركية المتخصصة في برمجيات الاتصالات، مما يقدر قيمة "مافِنير" بحوالى 3 مليارات دولار.
وأيضاً هناك مفاوضات تجريها شركة "المملكة القابضة"، للاستثمار في تطبيق "تيك توك" إذا قرر إيلون ماسك أو مستثمرون آخرون الاستحواذ عليه؛ وتشير التقديرات إلى أنَّ قيمة تيك توك تتراوح بين 20 إلى 50 مليار دولار.
وهناك فرص كبيرة للاستثمار في قطاع العقارات في الولايات المتحدة. والشركات الكبرى العالمية تتتافس حالياً لكسب حصة في هذا القطاع المتعدد. ومن بين تلك الشركات شركة دار الأركان، وهي واحدة من الشركات العملاقة، وقد خصصت 300 مليون دولار للتوسّع في السوق الأميركي.
إقرأ أيضاً: أسئلة للتأمل فقط
والمتابع يمكنه أن يرى التحديات والفرص التي يشهدها السوق العقاري الأميركي حاليًا، بعد انخفاض ملحوظ وصل إلى 20 بالمئة خلال العامين الماضيين في أسواق رئيسية مثل نيويورك وسان فرنسيسكو، وازدياد التوقعات بعودة النشاط لقطاع التأجير مرة أخرى مع انخفاض الفائدة والحد من سياسة العمل من المنزل. وهو ما يتيح فرصًا للشراء بأسعار مخفضة.
وشكلت بعض الكوارث الطبيعية مثل حرائق لوس أنجليس ضغطاً استثمارياً عقارياً، بالتحديد على عدد من الولايات دفعت الى زيادة الطلب فيها.
إنَّ النظر إلى هذه الفرص المتعددة في السوق الأميركي يأتي تحقيقاً لرؤية المملكة 2030، ولتطلع المملكة لتكون قلعة اقتصادية عالمية كبرى عبر ربط الكثير من المشاريع في دائرة الاقتصاد المتعدد لتوفير قاعدة كبيرة لا تعتمد على النفط وحده، وتتجاوز قيمته الحالية بأضعاف كثيرة. القوة الاقتصادية سبيل واسع لتحقق المكانة المثلى لمستقبل المملكة وتتوافق مع إمكانيات المملكة والخطط الاستراتيجية لرؤية 2030 وما بعدها.
إقرأ أيضاً: خسرت إسرائيل وخسرت حماس
وهذه الاستثمارات المتعددة في السوق الأميركي تفتح الفرص للقطاع الخاص لتحقيق مراكز متقدمة عالمياً والوصول للمنافسة وللشراكات المحفزة والمثمرة.
وكل هذه التطلعات والخطط تتم دون الإخلال بالتركيز على الإنفاق في الاقتصاد الوطني المحلي، وتنميته، بما يضمن استمرار انتعاشه ومقاومته للتقلبات السوقية الدولية، والذي يُضخ فيه منذ انطلاق الرؤية سبعة تريليونات دولار حتى العام 2030.
المملكة تتجه بخطى ثابته ورؤية طموحة وأهداف واضحة لتكون جزءاً من العالم المتقدم، وتحقق مركزاً متقدماً في تصنيف الأسواق الأسرع نمواً والأكثر استقراراً والأعلى قيمة.
التعليقات