أعادت حرب غزة على مدار الستة عشر شهرًا سؤال العلاقة من جديد بين الولايات المتحدة كدولة القوة الأحادية في العالم والمتحكمة والمسيطرة على القرار الدولي، وإسرائيل، التي وبكل المعايير تُعتبر دولة ذات قوة محدودة، ومحكوم على بقائها بواقعها الجغرافي في قلب العالم العربي.

لقد خضعت العلاقات بينهما للعديد من الدراسات والتحليلات التي تتلخص في أن هذه العلاقات تحكمها العوامل السياسية والأمنية والمصالح القومية لكل دولة، والاعتبارات الأيديولوجية، ودور الأصولية المسيحية، التي يصل أتباعها إلى أكثر من ستين مليون نسمة في أميركا، ويؤمنون بأن عودة المسيح مرهونة بعودة اليهود كلهم إلى فلسطين التي يعتبرونها أرضهم التاريخية، إضافة إلى الاعتبارات السياسية التي تحكم النظام الانتخابي الأميركي ووجود أكثر من ثلاثة ملايين يهودي يتمركزون في الولايات الكبيرة التي تتحكم بمن يفوز في أي انتخابات رئاسية. أضف إلى ذلك عنصر المال، الذي هو عماد السياسة الأميركية، والذي يتحكم فيه الأثرياء اليهود ووسائل الإعلام التي تصنع السياسة والقرار الأميركي وتشكل الرأي العام كما تريد.

وفي تحليله لهذه العلاقات، يقول المحلل السياسي لصحيفة "معاريف"، ران أويلست، إنَّ إسرائيل تعمل كمقاول للولايات المتحدة، وتقوم بدور الحرب بالوكالة عنها، وإنَّ أي تحركات إسرائيلية في المنطقة تخضع لحسابات ومصالح أميركية تتجاوز الإرادة السياسية للحكومة الإسرائيلية. وأضاف أن توسيع إسرائيل نطاق الحرب مع حزب الله وإيران جزء من خطة أميركية لإضعاف إيران وحزب الله، والعمل على إعادة بناء الخارطة السياسية للمنطقة برمتها بعيدًا عن النفوذ الإيراني أو استعادة أي دور لإيران فيها، وأن إسرائيل مجرد عصا بيد الولايات المتحدة. كما أضاف أمرًا مهمًا، وهو أن المصلحة الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة هي تمامًا مثل مصلحة الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية، والأهم، وفقًا له، أن قتل الجيش الإسرائيلي لقادة حماس وحزب الله يناسب المصالح الأميركية.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وغلق ملفات القضية الفلسطينية

هذا التحليل يعكس جانبًا مهمًا من العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وما لم يوضحه هو أنه من المنظور الأمني، تقع إسرائيل في قلب الأمن والمصالح الحيوية للولايات المتحدة لأسباب كثيرة معروفة. ويمكن أن نضيف إليها وقوع إسرائيل في قلب أهم المناطق الاستراتيجية للولايات المتحدة، وهي منطقة الشرق الأوسط، وقلبها المنطقة العربية، بأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية، التي تعتبر أحد مكونات الدور الأميركي العالمي. فحفاظ أميركا على أحادية قوتها عالميًا يتطلب ضمان السيطرة على المنطقة، وهنا يأتي الدور الذي تقوم به إسرائيل، وليس مجرد تبعية ودور بالوكالة. والسؤال هنا: هل تخضع العلاقات بينهما لنفس المبادئ التي تخضع لها علاقات أي دولتين، والتي تحكمها المصالح المشتركة؟ فالدول مهمة بقدر منفعتها وتحقيقها لمصالح الدول الأخرى.

هذه القاعدة تنطبق على العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكنها تتجاوزها لما هو أعمق وأبعد من ذلك، بحكم الدور الذي يقوم به اللوبي الصهيوني واليهود وأثرياؤهم في السياسة الأميركية، إضافة إلى الدور العقائدي والديني الذي يحكم سلوك أكثر من ستين مليونًا من الأصولية المسيحية كما أشرنا.

إقرأ أيضاً: ما بين المقاومة السلمية والمقاومة العسكرية

ويؤيد الكاتب التركي أوتكو ريحان، في مقال له بصحيفة "آيدنليك" التركية، أنَّ الولايات المتحدة هي التي تقود إسرائيل، وليس العكس، وأن وجودها قائم لأن الولايات المتحدة تريده، وأنها أُنشئت لأغراض ومصالح غربية. وخلاصة هذه العلاقات أن كل الإدارات الأميركية تبدو وكأنها أداة بيد إسرائيل، وكلها تتفق في دعم إسرائيل، وإن تفاوتت من رئيس لآخر. وفي حالتنا الحاضرة، تجاوزت إدارة بايدن كل حدود العلاقات في دعم إسرائيل في حربها على غزة، ووفرت لها كل الدعم، وتأتي اليوم إدارة ترامب لتحقيق أهداف إسرائيل السياسية التي لم تحققها في الحرب، من خلال مقترح تهجير أكثر من مليوني شخص في غزة، وتزويدها بأسلحة ممنوعة، ومعاقبة المحكمة الجنائية الدولية.

ويبقى أنَّ الولايات المتحدة هي التي تتحكم في العلاقات، فيما تبقى إسرائيل الأكثر تأثيرًا في السياسة الأميركية، وهو ما يتطلب منا النظر إلى الصراع من منظور هذه العلاقة.