بعد انقطاع عن الغناء والعراق لمدة 20 عامًا، عاد الفنان كريم محمد الى بغداد ليبدأ من جديد رحلته الغنائية التي توقفت منذ مطلع التسعينيات.


بغداد: أكد الفنان العراقي كريم محمد أن الاحباط الذي اصابه بعد تفشي ظاهرة المغنين على شاشة التلفزيون مقابل المال، كان السبب وراء انقطاعه عن الغناء ومغادرته العراق، موضحًا ان الكم الهائل من الخراب الفني لا يشجع على العودة، مشيرًا الى انه عاد وهو مقتنع انه سيقدم الاغنيات التي يرضى عنها الجمهور من خلال الالبوم الذي يضم سبع اغنيات ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية.

سأبدأ بالسؤال عن آخر اغنية قدمتها، متى كانت؟
آخر اغنية سجلتها كانت نهاية عام 1993 وهي للملحن سرور ماجد ومن كلمات عزيز الرسام عنوانها (مديت ايدي الك)، وبعدها توقفت بسبب تلفزيون الشباب الذي اصبح متاحًا لمن هب ودب، والى حد الآن لم اقدم سوى اغنية وطنية.

ولماذا هذا الغياب الطويل جدا ؟
أصبح عندي احباط بصراحة بعدما رأيت الوضع الفني وقد اصبح سيئًا، وهذا ما لايليق بسمعتي، فلم استطع ان اركب هذه الموجة وجمهوري يعرفني بأغانيي التي اختار لها الكلام الجيد، والحمد لله حققنا نجاحًا منذ عام 1985 من خلال اغنية (خليك اكثر صبر) التي لحنها سرور ماجد وكتب كلماتها مثنى جبار، لذلك من الصعب ان أركب الموجة واعتقد ان جمهوري لن يتقبلني بها.

لماذا هذه العودة المتأخرة او المفاجئة ؟
العراق بلدي (بلادي وان جارت عليّ عزيزة)... تغربنا كثيرًا وسافرنا الى دول كثيرة لكننا لم نر مثل العراق بكل تفصيلها، وعندما أتيت ووجدت بغداد حزينة وتألمت جدًا وبكيت بصراحة وتذكرت ايامنا الجميلة، وللأسف اصبح كل شيء مختلفًا. أما عن عودتي الى الغناء فالكثير من اصدقائي وجمهوري يلومونني على هذا الغياب، ووعدتهم بالعودة ان سنحت الفرصة لي بتقديم أغنية تنال اعجابهم.

وما الذي فعلته طوال العشرين عامًا الماضية ؟
انا مقيم في دولة الامارات العربية وغنيت في فنادق الدرجة الاولى واقمت حفلات للجاليات العراقية الخاصة، ولدينا هناك عراقيون من اصحاب الذوق الرفيع وعشاق الطرب الاصيل فنغني لهم الموالات الجميلة والمقام العراقي، وهناك اصدقاء من دولة الامارات بين فترة واخرى نحيي لهم حفلات في المناسبات.

ألم يحفزك هذا كله على تسجيل اغنية ؟
الإحباط الذي تملكني كان قاتلاً، حتى انني اهملت نفسي، تصور لم أنشأ صفحة على الفيس بوك إلا قبل ثمانية اشهر بعد الحاح من الاصدقاء، لذلك لم تكن لدي رغبة في تسجيل اغنية وسط هذا الكم الهائل من الخراب.

هل تعتقد ان حلاوة صوتك ما زالت باقية، قلت أم نضجت ؟
الحمد لله ، اشعر انها نضجت اكثر وان كنت اعرف ان الكبر يأخذ من حلاوة الصوت، لكنني حين اغني أجد ان في صوتي تلك الحلاوة الناضجة.

متى شعرت ان غناءك بلا فائدة ؟
عام 1993 بعد ان ظهر تلفزيون الشباب، وبات المغنون يدفعون المال ليظهروا في التلفزيون، وا وجود للجنة اختبار ولا اي رقابة، وصار المغني يغني بماله، ونحن نعرف ان الفن لا يكون بالمال بل ان الناس هي التي تختار الجيد والناجح.

هل توقفت عن الغناء ام منعت ؟
انا توقفت، وجاءت فترة بثوا لي فيها اغنيات، ولكن فيما بعد جاءت تعليمات ان يكون الظهور على شاشة التلفزيون مقابل المال، فقلت لنفسي كيف لي ان أكون وسط هذه الموجة فتوقفت بعدما رأيت ان غنائي بلا فائدة لانني امام خيار واحد وهو ركوب الموجة نفسها، فكان هذا صعبا عليّ فتوقفت.

من اي جيل تحسب نفسك ؟
انا من جيل الثمانينيات، بدايتي الحقيقية كانت مع الفرقة النغمية للاتحاد العام لطلبة العراق التي كان المشرف العام عليها الفنان الكبير فاروق، اطال الله في عمره، وبعدها دخلت معهد الدراسات النغمية عام 1978 ndash; 1978 وتخرجت عام 1985، ومن جيلي المطربون احمد نعمة، ومحمود انور، والراحل رياض كريم، وعلي جودة، وحسن بريسم... وهذا جيل نادر ولا اعتقد ان شبيهًا له سيظهر ولو بعد ملايين السنين لانه جيل مثقف وواعِ، اصواته جميلة وتعبيرية، وهناك هوية للصوت، على عكس الآن حيث الاصوات والايقاعات كلها متشابهة.

هل تعتقد ان هذه الموجة العراقية ndash; العربية الهابطة عفوية ام هناك اسباب وراءها ؟
اي شيء لا تكون عليه رقابة وضعه سيفلت، في السابق كانت هنالك لجان تقرأ النص وتسمع اللحن وتعطي ملاحظات عليه واذا كان هناك كلمات تخدش المشاعر تحذف، اما الآن فهناك اغاني يتحدث عنها الاصدقاء ولم اسمعها انا، ولا اريد ان اسمعها، فهي مخزية للشرف.

ما الحل للقضاء على هذه الموجات الهابطة ؟
لا يوجد حل ابدًا ان لم تكن هناك رقابة وان تتكفل وزارة الثقافة بذلك عبر دائرة الفنون الموسيقية التي تمنع اي اغنية من دون ترخيص، وبصراحة السبب في انتشار موجة الغناء الهابط القنوات الفضائية التي تبث كل شيء.

ما رأيك بالقنوات الفضائية الغنائية تحديدًا؟
مع احترامي لاصحابها لكنها انهت الاغنية العراقية التي تمر الآن بأسوأ حالاتها خلال هذه الفترة، وما علينا الا ان نقول لاصحاب القنوات رفقًا بالاغنية العراقية، ونقول للشعراء والملحنين والمغنين اهتموا بالكلام الجيد واللحن المعبر عن احساس الناس ومشاعرهم لا ان تخدشوا مشاعرهم، ثم هنالك اغاني عن المرأة سيئة جدًا، هذه المرأة الجميلة التي تغنّى بها الاف المطربين الرائعين، هناك من يشتمها ويتحدث عنها بلغة الشارع السيئة جدًا، وهذا حرام.

هل ندمت على دخولك عام الغناء ؟
نعم ندمت فعلاً، دخلت الغناء وكنت طالبًا في الدراسة المتوسطة وكان عندي حب كبير لكرة القدم، ولكن عبد الحليم حافظ جعلني اترك كرة القدم واتحول الى الغناء، كان من الممكن ان اكون لاعبًا معرفًا لكن تأثرت كثيرًا بعد الحليم، لست انا وحدي بل اجيال عديدة.

مَن مِن المطربين العراقيين تجد انهم مميزون؟
من جيلي هناك احمد نعمة الذي لم تأخذه الموجة فظل جميلاً، ولكن قبل مدة سمعت اغنية لمحمود انور، اراد بها ان يواكب هذه الموجة، ومع احتراماتي لفنه واسمه الجميل ولجمهوره، ولكنه غنى اغنية ستؤثر عليه كثيرًا، وهناك كاظم الساهر الذي يشرفني ان اتحدث عنه، وفي كل لقاءاتي امجده لانه انسان تعب على نفسه ولم ينشغل بالامور الثانوية فوصل الى ما يريده، وهو يمثل العراق في المحافل الدولية والعربية وهذا اعتبره أمرًا مشرفًا، وكذلك ماجد المهندس الصوت الجميل الذي يستحق كل الخير ولكن يبقى كاظم عملاقًا.

عودتك الى الغناء كيف يمكن ان تكون حسب رأيك ؟
أن اردت ان اقدم شيئًا لجمهوري فلن تكون لي اية علاقة بالموجة، أنا اغني للناس التي تحبني ويجب ان اقدم لهم اغنية تعيد امجاد كريم محمد، لا استطيع ان اواكب الموجة لانها ليست ثوبي، ولكنني ساواكب بأغنية فيها احاسيس ومشاعر راقية، والا لن اغني وابقى بما حفظه الناس عني من صورة جميلة.

ما مشروعك الغنائي الجديد ؟
ساشارك في مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 من خلال تسجيل البوم غنائي يضم 7 اغاني جديدة ومن ضمنها اغنية وطنية عاطفية عن بغداد الجمال والبهاء جنة الدنيا لكبار الملحنين منهم محسن فرحان، حكمت ناهي، سرور ماجد، ناصر الحربي، علي خصا ، هيثم شعوبي، وحسن حامد. والكلمات لكبار الشعراء ومنهم كاظم اسماعيل الكاطع، عزيز الرسام، عادل محسن، مناضل التميمي، علي سلمان غالي، عباس كامل. واتمنى ان اعيد كريم محمد الى الناس بهذا الالبوم الغنائي النوعي بعد انقطاع دام قرابة العشرين سنة، وهي سنين عجاف مرت عليّ واتمنى ان تنال رضى جمهوري العزيز الغالي واكون عند حسن ظنهم. ولا تهمني موجة الاغاني الهابطة ولا اركب سفينة هذه الموجة العمياء سأقدم اغاني تليق باسمي وتليق بجمهوري الراقي بعد ان حرمته من صوتي لفترة زمنية ليست بقصيرة، وانا بدوري اعتذر من جمهوري كل الاعتذار واعتقد انه سيعطيني الحق عندما يعرف الاسباب.

كما جاءتني دعوة من الملحن الكبير حكمت ناهي للمشاركة في مهرجان المحبة والسلام بين الديانات في ستوكهولم بالسويد خلال الاشهر المقبلة، واتمنى التوفيق من رب العالمين، وسوف اقدم فيها الاغاني التي اشتهرت بها مثل (خليك اكثر صبر، ششتكيله، منين نبتدي، نادم على عشرتك) كما سأقدم موالات وبعض الاغاني الجديدة.