ما الذي صار عليه الفن العراقي بعد عشر سنوات من التغيير الكبير الذي حدث في العراق؟ سؤال كان لا بد منه لاسيما مع تزايد عدد الفضائيات والإنفتاح الذي حدث في المجتمع على الرغم من الظروف غير الموضوعية التي عانى منها الشعب.


بغداد: أكد عدد من الفنانين العراقيين أن الفن العراقي لم يكن بمستوى الطموح الذي كانوا يتمنون أن يكون عليه خلال السنوات العشر الأخيرة، مشيرين إلى أسباب عديدة منها غياب المعرفة التي تؤثر سلبًا في العملية الابداعية، دخول الذين لا يمتون بصلة إلى الفن الى الوسط ما أدى إلى أن يكون حاله مثل أحوالهم، إضافة إلىرأس المال الذي صار يتحكم بالقنوات الفضائية، وطالبوا بأن تكون هناك رقابة لأن الحرية جعلت الأمور تتحول إلى فوضى.

مقداد عبد الرضا
أكد الفنان مقداد عبد الرضا أن واقع الفن خلال السنوات الماضية تنقصه المعرفة، وقال: quot;نحن نحمل تاريخًا طويلاً من التجهيل ولا يوجد نهوض حقيقي بسبب العلة الدينية أو التوجهات السياسية أو بسبب تبعات التجهيل هذه، فأنا أشاهد الآن نتاج بعض الشباب الذي يحمل حماسًا ولكن يوجد فيه ضعف معرفي. بينما في السبعينيات كانت الآية مقلوبة فمن لا يدرك الأمور لا يبرز، وأظن أن هذا سيستمر لأنه إذا نظرنا الى المؤسسات التعليمية نجدها اهملت التعليم، وبصراحة أنا غير متفائلquot;.

وأضاف: quot;الحرية التي تمنح من دون حرية هي فوضى، لا الصحافة تستطيع أن تكتب بشكل دقيق ومن دون تبعية وانتماء ولا الكتّاب، أغلبهم يريد أن يعيش، ومثلما يقال يبددون حياتهم بالعيش، يذهبون لأخذ الراتب فقط ولا يهمهم شيء.
ماذا تعطي الحرية للفن اذا ما كانت المعرفة غائبة؟ أنت من دون معرفة لا توجد عندك وسادة تتكىء عليهاquot;.

فارس طعمة التميمي
من جانبه، أشار المخرج فارس طعمة التميمي إلى تهميش دور الفنان الملتزم، وقال: quot;حال الفن من سيىء إلى أسوأ بعد عشر سنوات، سواء على مستوى الدراما أو المسرح أو السينما، بدليل طفوح بعض الأسماء إلى السطح وهي التي لا تمت بصلة للفن العراقي ولا إلى القيم أو الأسس، كذلك فقدت المهنية والموضوعية والصدق، وكاد الممثل الحقيقي أن ينتهي لالتزامه وأخلاقه وانتمائه إلى فنه، هناك تهميش كبير للفنان العراقي الجيد ولدور الفنان الرائد والمهم لقيادة المجتمعquot;.

وأضاف: quot;هناك إشكالية في قضية الحرية الممنوحة، الحرية لا تعطيك الحرية في أن تعمل كل ما تريد، لا يوجد تثقيف للشعب على الحرية والديمقراطية، لأن كل واحد يفسرها على هواه وهذا الخطأ الكبير، لذلك يجب ان تكون هناك رقابة من قبل مؤسسة هيئة الإعلام العراقي على المواضيع والنصوص، كما يجب أن تكون نشطة في هذا المجال وبدليل أن هناك محطات تغلق من دون سابق انذار، والمفروض أن يعمم هذا على الدراما والأفلام والمسلسلاتquot;.

سناء عبدالرحمن
أمّا الفنانة سناء عبد الرحمن فقد أعربت عن أسفها لتسيد غير الأكفاء على الساحة الفنية، وقالت: quot;حال الفن خلال السنوات العشر الماضية هي نفسها حال الوضع السياسي، بمعنى أن اسقاطات العملية السياسية تسقط على العملية الفنية، هناك لهاث وراء المادة، وشراهة للكسب المادي، ولكن حتى هذه المكتسبات غير موزّعة على الفنانين بحسب الكفاءة بل من لديه كفاءة أصبح عاطلاً عن العمل والعكس صحيحquot;.

وأضافت: quot;أمّا المستوى الفني فهو يتبع مستوى العاملين بالوسط، فهؤلاء ليس لديهم هم ولا محنة ولا منجز حقيقي للبلد، وبالتالي المستوى الفني يظهر بمستوى هؤلاء الاشخاص المتسيدين للساحة الفنية، فيما المبدع أمامه مصدّات من الجهل والتخلف تقف في وجههquot;.

كاظم القريشي
من جانبه، رأى الفنان كاظم القريشي أن هناك تطوراً طبيعياً ولكن من دون مستوى الطموح، وقال: quot;الوضع الفني يسير نحو الأفضل، وقد يكون بغير بمستوى طموحنا،انما هناك تطور كبير حصل في الفن العراقي. الآن أصبح هناكعصر الفضاء المفتوح وكثرة القنوات الفضائية وكثرة مهرجانات المسرح، ولذلك الفرق بين السابق والحاضر كبير جدًا ونحو الافضل طبعًاquot;.

وأضاف: quot;لا أعتقد ان موضوع تطور الفن موضوع حرية، أعتقد اننا مقيدون ولا توجد حرية كاملة الآن، لا يمكن أن نتناول في أعمالنا بعض الجهات أو بعض الأطراف، هناك قيود أكثر، ولكن كتطور في المستوى الفني هناك وجوه جديدة عديدة وأعمال أكثر وهذا ما افرز لنا النوع الجيدquot;.

بشرى
وأوضحت الفنانة بشرى اسماعيل أن الحرية موجودة ولكن لابد من وجود رقابة، وقالت: quot;بالتأكيد أصبحت هناك حرية للإبداع أكثر من السابق، ولكن المشكلة في المواضيع المطروحة التي لا نحسها هي المطلوبة، فما يكتب وما يقدم ليست له علاقة بالعشر سنوات التي عشناها، بل صرنا نتعكز على السابق فقط، نحن بحاجة الى أن نقدم اعمالاً تتناول الواقع الحالي وما الذي حصل للمجتمع العراقي خلال هذه السنوات، ربما لا توجد جرأة لدى الكاتب في الطرح أو لدى الجهة المنتجة، وهذا له تأثير في الوعي المجتمعيquot;.

وأضافت: quot; خلال السنوات العشر الحرية كانت موجودة وهذا ما جعل الجميع يكتب أي شيء، ولكن لا توجد رقابة على الاعمال لكي لا يتم تشويه الحقائق والتأثير السلبي في الناس، ومع كل هذه الفوضى لايمكننا أن ننتقص من جهود الآخرين، وبالتالي انا اعتبر كل ما قدم انجازًاquot;.

عزام صالح
أمّا مسك الختام، فكان رأي المخرج عزام صالح الذي رأى أن الفن العراقي خلال السنوات العشر الماضية عمل على تعرية الآخر وقال: quot;بعدما كان الفن قبل 2003 هو لسان حال الدولة، اقصد القيادة، اصبح لسان حال رأس المال في الوقت الحاضر، كثرة الفضائيات جعل كل واحدة منها تمتلك رأسمالاً معينًا أو تدعم من خارج البلد وتنتهج فكرًا معينًا ما أحدث صراعًا في الافكار، وهذا الصراع ليس حواريًا حتى يؤدي الى نتيجة جيدة أو ينهض بالواقع بل صراع ضدي، أي الواحد يهدم الآخر ويظهر مساوئه، لذلك بني الفن على تعرية الآخر وكشف مساوئه وبدأنا ننشر غسيلنا على الفضائيات، بدأنا نأخذ الأشياء السيئة ونضعها أمام المشاهدين في كل العالم واعتقد أن هذا لم يوصلنا الى مستوى جيدquot;.

وأضاف: quot;أرى الشخصية العراقية الفنية انعدمت وبدأنا نأخذ اشكالاً من اوروبا والبلاد العربية وننسى تراثنا وتاريخنا ونتعكز في كل شيء على النظام السابق، ليست لدينا آفاق للمستقبل، لا توجد خطة مستقبلية، ولا توجد رؤية للاجيال المقبلة، ولا احد يعرف ما سيحصلquot;.

وتابع: quot;أتمنى من الدولة ولا اقصد الحكومة أن تبني مؤسسات للنهوض بالواقع الثقافي كي تقدر أن تضع دعامة حقيقية ضد التشظي الموجود بواقع الفن، اي ضد رأسمال الناس الذين يعملون بأفكار قد تكون هدامة للبلدquot;.