إيلاف من بيروت: السجن بمثابة تعبير مجازي عن واقع الشعب الفلسطيني وواقع النساء الفلسطينيات بشكل خاص. تعبّر مي مصري عن ذلك بالقول "لقد عاشت معي هذه القصة وقتاً طويلاً إلى درجة بدأت أشعر فيها أنني محبوسة مع هؤلاء النساء بين الجدران نفسها، أتنصّت على الأصوات نفسها. أميل إلى الظروف والوقائع التي تحيط بتلك القصة لأنها تسمح لي باستكشاف العلاقات المعقدة التي تحدث في إطار حميمي ومساحة محصورة ومخيفة من عالم النساء حيث يتمّ تجاوز علاقات الصراع والحقد إلى عالم الروابط غير المتوقعة التي تنمو بين نساء أسيرات في حالة حرب".
وقد وُلَدَت فكرة 3000 ليلة قبل عدة سنوات عندما كانت المخرجة مي مصري تقوم بتصوير فيلم في بلدتها نابلس خلال الانتفاضة الأولى، حيث قابلت امرأة فلسطينية أنجبت طفلها في أحد السجون الإسرائيلية، "تأثرت بعمق لمجرّد التفكير بأن تلك المرأة قد وضعت طفلها وهي مقيدة بالسلاسل؛ واستطاعت تربيته ورعايته بمساعدة الأسيرات الأخريات، لينتهي الأمر بِفَصلها عن طفلها. شعرت بأن هذه القصة تستحق أن تُعرف وأن تُروى لتصل الى أكبر عدد من الناس" تقول مي.
بعد ذلك، أمضت مي أشهر عديدة تُجري خلالها المقابلة تلو الأخرى مع الأسيرات الفلسطينيات، خاصة الأمهات الشابات اللواتي أنجبن أطفالهن في السجون الإسرائيلية. "وجدت نفسي مأخوذة بشخصياتهنّ وبالاختيارات التي اتخذنها، مشدودة إلى المزيد من أخبارهنّ. أكثر ما صدمني لم يكن فقط أجواء القسوة والصراع والمعاناة ضمن جدران السجن، بل علاقات التحالف والتضامن التي كانت تتمّ بينهن، ومراحل التطور والنضج التي تمرّ بها المعتَقلات داخل السجن. كنت منجذبة بشكل أساسي إلى القصص الإنسانية والطرائف وقوة الخيال وروح المرح. كنت مندهشة للطريقة التي تمكّنت عبرها الأمهات من تكوين مجتمع لهنّ وإضفاء الدفء والسحر على حياة طفل وليد لا يعرف شيئاً عن الحياة خارج السجن".
تم تصوير 3000 ليلة في سجن عسكري مهجور يقع بمدينة الزرقاء شمال العاصمة الأردنية عمان، حيث قام مصمم الديكور حسين بيضون وفريقه بإعادة إحياء الأجواء التي كانت سائدة في سجن إسرائيلي في الثمانينيات. وبعد الحصول على موافقة السلطات الأردنية، أعيد طلاء جدران السجن وأضيفت له أقسام أخرى كما تمّ تصميم قضبان صدئة وجدران غليظة ومهترئة أعادت إلى ذلك السجن المهجور الأجواء الواقعية التي كانت تسوده مما جعل موقع التصوير أقرب إلى الحقيقة، ليصبح فريق التمثيل أكثر تفاعلاً.
عملت مي مصري بشكل وثيق مع مدير التصوير الفرنسي جيل بورت على الهوية البصرية للفيلم، من حيث أنواع الكاميرات، الإضاءة، تصميم اللقطات والألوان. قام بورت بتصوير معظم الفيلم بكاميرا محمولة ومتحرّكة لكي تعكس صورة واقعية مميّزة، وتم تركيب الإضاءة في أماكن مرتفعة لكي تتمكن الممثلات من التحرك بحرية وبشكل طبيعي، واستخدم بورت إضاءة ليلية امتزج فيها الضوء الأزرق البارد وأنوار مصايبح الصوديوم ذات اللون البرتقالية التي تُستخدم عادة في السجون؛ كما قامت المخرجة بتصوير الممثلات عبر القضبان وبينها لإبراز حالة الأسر. وقد استمر التصوير مدة 34 يوماً أبدى خلالها طاقم العمل التزاماً كاملاً.
ولعبت الأصوات دوراً مهماً في إضفاء الحياة إلى أجواء السجن، حيث قام مُهندسا الصوت شادي روكوس ورجا دبيّة بتسجيل أصوات الممثلين مباشرة في موقع التصوير لتجنب إجراء مطابقة لاحقة للصوت، كما تمّ استخدام المؤثرات الصوتية العامة في الخلفية مثل أصوات السلاسل والقيود الحديدية، والمفاتيح، والأقفال وغلق وفتح الأبواب... إلخ، لكن هذه المهمة لم تخل من الصعوبة بسبب ارتداد صدى الصوت ولا سيّما أصوات الطيور في موقع التصوير فتم تغطية الأرضيات والأسقف بالبطانيات.
عملت مي في الفيلم مع 18 ممثلاً وممثلة؛ بعضهم لم يكن له أي تجربة سابقة أمام الكاميرا. "الممثلات اللواتي اخترتهن كانت لديهن خبرات سابقة في السجن، سواء عبر تجارب شخصية، أو عبر آباء أو أزواج أوأقارب لهنّ كانوا قد سُجنوا سابقًا. الحقيقة أن 20% تقريباً من الفلسطينيين تم احتجازهم لمرة أو أكثر في السجون الإسرائيلية. وقد استطاعت كل ممثلة أن تقدّم للفيلم شيئاً خاصاً من خبراتها السابقة، كما قام الفريق النسائي بالبحث عن خلفيات الشخصيات في الفيلم وقابل عدداً من الأسيرات السابقات مما أغنى أداءه وزاده عمقًا" تضيف مي.
لكن التحدي الأكبر بالنسبة للمخرجة كان العمل مع الطفل زيد قدع الذي لا يتجاوز عمره السنتين، حيث احتاج الطفل إلى وقت طويل حتى يعتاد على أجواء السجن وعلى ميساء عبد الهادي (التي تؤدي دور ليال والدته في الفيلم)، وذلك لعدم وجود مدرب متخصّص محترف يقوم بتلك المهمة. وعلى الرغم من إن معظم المخرجين يحاولون تجنب التعامل مع الأطفال، إلّا أن مي أصرت على ذلك، "خبرتي في العمل مع الأطفال في أفلام سابقة كانت عاملاً مساعداً حيث تعلمّت أنّ العمل مع الأطفال يرتكز على تأسيس علاقة ثقة معهم، ومعرفة التقاط تعابيرهم تلقائياً وفي اللحظة المواتية".
هذه التلقائية انعكست فيما كتبه الناقد إبراهيم العريس عن الفيلم في جريدة الحياة اللندنية "المخرجة مي مصري أرادت أن تترك الأحداث تتسلسل والحوارات تتوالى كما لوكانت ارتجالاً، بحيث يبدو الأمر وكأن الفيلم كله تمّ تحقيقه من دون سيناريو مرسوم سلفاً".
فكرة التصوير في سجن حقيقي أثبتت فعاليتها في تحقيق ذلك الأثر النفسي على الممثلات، فالممثلة الرئيسية ميساء عبد الهادي تقول إنها تأثرت نفسياً بالأجواء المحيطة، إلى درجة أنها شعرت فعلياً بأنّ الجدران والقضبان كانت تحاصرها وتضغط عليها.
أما بالنسبة إلى الممثلة ختام إدلبي، فكان التحدي أكبر والصعوبات أكثر، خاصة أنها تقف لأول مرة أمام الكاميرا بعد أن اختارتها المخرجة لأداء دور زئيفا؛ السجينة الإسرائيلية وتاجرة المخدرات المحنكة والمعادية الشرسة للعرب. وقد اكتسبت ختام خبرات جديدة من الدور، كما في مشهد تحضيرها لحقنة المخدرات التي تتطلب معرفة بكيفية تحضيرها. وقد شعرت بعلاقة وثيقة مع الفيلم لأن أخيها يوسف قضى 15 عاماً في السجون الإسرائيلية وتم الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى التي تمت عام 1985، وبموجبها تم الإفراج عن أخيها ضمن 1100 سجيناً أمنياً.
وتمثل ركين سعد شخصية الطالبة المراهقة جميلة التي اعتقلت مع شقيقتها فداء. ترمز جميلة إلى جيل من الشابات الفلسطينيات الثائرات اللواتي يملكن شخصية قوية ممتلئة بالأمل والعنفوان ووعياً سياسياً كبيراً؛ لذلك نرى في الفيلم جميلة، وهي جزء من جيل الفلسطينيات المتمردات، ترفض الخضوع لقيود السجن رغم التعذيب والممارسات غير الإنسانية التي تمارس ضدها وضد بقية الأسيرات. ولم تكن الصعوبات التي واجهتها ركين مقتصرة على الطقس الحار خلال تصوير الفيلم، بل كان عليها أيضاً البقاء في الزنزانة لفترة طويلة لتصوير مشاهد تتطلب إعادة وتكرار، كما أنّ أداء الشخصية احتاج إلى جهد بدني ونفسي كبير، خاصة في مشاهد تعرضها للتعذيب.

جوائز 3000 ليلة
جائزة لجنة التحكيم - العروض الدولية لأفلام وتلفزيون المرأة (TheWIFTS) 2015 (الولايات المتحدة الأميركية)
جائزة الجمهور - مهرجان بلدوليد السينمائي 2015 (إسبانيا)
جائزة الجمهور - مهرجان الفيلم الأول الدولي2016 في أنوناي (فرنسا)
جائزة لجنة تحكيم الشباب - المهرجان السينمائي والمنتدى الدوليين لحقوق الإنسان (سويسرا)